مقالات وآراء سياسية

حمدوك والمثقفين بين منزلتين

زين العابدين صالح عبد الرحمن 
تنبأ المفكر السوداني الراحل محمد بشير المعروف ب “عبد العزيز حسين الصاوي” بعجز النخب السياسية والمثقفين السودانيين في الدعم المطلوب منهم لنجاح عملية ” التحول الديمقراطي” في كتابه ” الديمقراطية المستحيلة” الذي صدر عام 2012م وكان الكتاب بمثابة حوار مفتوح حول قضية سماها ” معا نحو عصر تنوير سوداني”. ويقول فيه ” أن التراجع الديمقراطي يؤدي لتراجع تنويري وبالعكس . وتوضحه بجلاء الاستطالة المتزايدة لاعمار الأنظمة الاستبدادية المتلاحقة وتزايد خصائص الشمولية فيها ، دلالة على تبخر الرصيد الاستناري ورصيفه الديمقراطي في العقل السوداني وتحول القوى الحديثة إلي بيئة حاضنة لنقيض هذه الصفة على كافة الأصعدة عامة وخاصة”
رجعت لمقولة الصاوي بسبب موقف المثقفين السودانيين من موقف حمدوك في الأزمة السياسية الحالية ، وإقدام الدكتور حمدوك على توقيع البيان السياسي مع الفريق البرهان، و الذي سماه حمدوك محاولة لأختراق الأزمة ، بهدف توقيف نزيف الدم في البلاد ، وعدم ضياع المكتسبات الاقتصادية، إلي جانب أنه يراى قد اعاد عجلة التحول الديمقراطي لمسارها الصحيح . لكن النخب وأغلبية الكتاب اعتبرت توقيعه للبيان السياسي يعد دعما للانقلاب وخيانة للثورة ، وهؤلاء لم يعطوا الرجل فرصة لكي يشرح تصوره في ذلك ، والمثقف ليس مثل العامة يحكم على الأشياء من ظاهر الفعل دون أن ينظر للقضية بعمق . و هذا ما أشار إليه إدورد سعيد في كتابه ” المثقف و السلطة” يقول فيه ” أن مهمة المثقف والمفكر تتطلب اليقظة والانتباه على الدوام ، ورفض الانسياق وراء أنصاف الحقائق أو الأفكار الشائعة باستمرار، ومن شأن هذا أن يستلزم واقعية مطردة ثابتة، ويستلزم طاقة عقلانية فائقة” وربما يرى حمدوك هناك مسارب للضوء يجب الاستفادة منها ، ومعلوم أن عملية التحول الديمقراطي تجعل الداعمين لها أن يكون لديهم القدرة على التفكير خارج الصندوق ، وأن ينقلوا الحوار في المجتمع من الأماكن المغلقة ، إلي الفضاءات الواسعة ، بهدف استقطاب العناصر ذات القدرات الإبداعية ، لخلق واقعا سياسيا جديدا يدفع بعناصر جديدة للساحة السياسية ، وأيضا يجب عليهم أن يفحصوا الأدوات المستخدمة إذا كانت فاعلة يمكن الاعتماد عليها أم أنها أدوات معطوبة تحتاج لتغيير . وهذه تتم عبر الحوار بين الجنبين وليس قطع الصلة ، وتوجيه الاتهام . أن الاختراق يحتاج لقوى داعمة وذات قدرات تستطيع أن تقدم للرجل لاستشارة والنصح وتقديم المبادرات التي تخلق حوارا مجتمعيا واسعا مناصر لعملية التحول الديمقراطي ليس فقط من خلال الشعارات والهتاف ، و لكن من خلال توسيع دائرة الافعال التي تنشر الوعي وذات الوقت تطلق الطاقات الإبداعية المختزنة في الشباب.
ويعتقد البروف أحمد إبراهيم أبوشوك أن أهم تغيير حدث في البلاد هو في بنية الوعي عند الشباب الذي يمثل القوى المحركة للتغيير حيث قال أبوشوك في ندوة أقيمت في قطر بعنوان ” السودان على مفترق طرق- حكم عسكري أم تحول مدني ديمقراطي يقول “أن عنصر القوة في هذه الثورة الشباب ثم الوعي الذي شاع بين الشباب يعتبرعنصر الوعي بقضية التغيير ، لذلك تجد أن الشباب ينظر إلي تغيير حقيقي يؤدي إلي تحول ديمقراطي” إذاً الوعي المطلوب في المجتمع لصناعة التغيير موجود وهو الذي راهن عليه الدكتور حمدوك كيف الاستفادة من طاقات الشباب الذي يزيد حماسا يوميا.
أن المجتمع الدولي عندما أيد عملية الاتفاق وتوقيع البيان السياسي يعلم تماما بانها مجرد خطوة تجاه العملية الديمقراطية في الاتجاه الصحيح ، والديمقراطية دائما تميل لاستخدام الأدوات السلمية لكي تؤسس لثقافتها في المجتمع ، والاتفاق صحيح قد علق دور الحاضنة السياسية لكنه ليس بالضرورة سوف يوقف مسيرة التحول الديمقراطي . فالقوى المثقفة و لجان المقاومة يجب مشاركتهم مشاركة فاعلة في عملية بناء المؤسسات الديمقراطية “المجلس التشريعي – مفوضية السلام – مفوضية الانتخابات – مفوضية الدستور” وإكمال المؤسسات الديمقراطية سوف ترسيخ قواعد جديدة للعملية السياسية خاصة “المجلس التشريعي” الذي سوف يصبح ساحة للصراع بين القوى السياسية ، باعتباره يراقب السلطة التنفيذية ، ويقوم بإصدار التشريعات المطلوبة ، وتلقائيا يصبح وجود الحاضنة السياسية غير المطلوب. ورئيس الوزراء مطالب للتعين في الوظائف القيادية للخدمة المدنية أن لا يتعامل من خلال صداقات ، وشللية كانت مرصودة في الفترة السابقة ، جاءت بولاءات و ليست كفاءات. ويجب أن تفتح الوظائف لأبناء الشعب السوداني دون النظر لإنتماءاتهم السياسية من خلال المعايير التي تتطلبها الوظيفة. حتى تخلق خدمة مدنية منضبطة وفاعلة و غير مسيسة. أن الخدمة المدنية التي تعرضت للتسيس منذ جبهة الهيئات عقب ثورة أكتوبر 1964م و حتى اليوم ، تحتاج للتثوير حتى تصبح داعما قويا للسلطة التنفيذية ، وفي نفس الوقت قاعدة متينة للبناء الديمقراطي الذي تتغير فيه الشخصيات التي تشغل الحقائب الوزارية الدستورية.
أن الدعم لحمدوك بقوة في هذه الفترة ، ليس دعما خاصا لشخصية حمدوك ، لكنه دعما لعملية التحول الديمقراطي المدني ، ويجب على النخبة السياسية والمثقفة أن لا تنظر للمشهد السياسي من خلال نظارة بعين واحدة فالمشهد السياسي يتطلب اليقظة والعيون المفتوحة ،  وفي نفس الوقت يتطلب التقدم بالمبادرات الوطنية ، والتي تنقل الناس لمربعات متقدمة ، بعيدا عن الاتهامات والتخوين ، فالحقيقة لا تملكها جهة واحدة ، ولا شخص واحد ، أنما كل يملك جزءا منها ، الأمر الذي يتطلب الصدور الواسعة والعقول المفتوحة وتعدد المنابر لا نتشار الحوارات المجتمعية والسياسية التي تنتج ثقافة أحترام الرأي الأخر . و نسأل الله حسن البصيرة.

‫4 تعليقات

  1. يا استاذ لابد لك أولا أن تدين الانقلاب العسكري. وايضا لابد من الحديث عن دور العسكر في المشكلات الكثيرة التي تواجه التوجه الديمقراطي في البلاد

  2. الفرق بين مقالات الاستاذ زين العابدين صالح عبد الرحمن و مقالات الغالبية العظمي من كتاب المقالات السودانيون الآخرون هي الكتابة ذات النفس الهادي و التحليل العميق الحصيف و اقتراح الحلول التي تراها في كتابات زين العابدين وتكاد تنعدم في كتابات الآخرين التي تكون في معظمها إدانة و إستجهان و شتم . كلنا عارفين إنو الكيزان و الانقلابيين سجم و رماد و أزفت ناس , أي زول ممكن يقول الكلام دا في بيت بكا . لذا فالمطلوب من الكاتب الحصيف غير هذا .

    لذا تجدني حريصا جدا علي قراءة اي مقال يكتبه الاستاذ زين العابدين صالح عبد الرحمن , خذ مثلا قوله الصادق هذا والذي يعبر عما لاحظه الكثيرون (ورئيس الوزراء مطالب للتعين في الوظائف القيادية للخدمة المدنية أن لا يتعامل من خلال صداقات ، وشللية كانت مرصودة في الفترة السابقة ، جاءت بولاءات و ليست كفاءات. ويجب أن تفتح الوظائف لأبناء الشعب السوداني دون النظر لإنتماءاتهم السياسية من خلال المعايير التي تتطلبها الوظيفة )

  3. استاذي العزيز زين العابدين صالح بل زين الكاتبين.
    لك التحية
    قال الامام الشافعي رحمة الله “ما جادلت عالما الا وغلبته وما جادلت جاهلا الا وغلبنى” ويقال إن إجتمع الجهل مع سوء الخلق فأعلم أن سئ الخلق يأبي إلا أن تدنو لمستواه اللهم إكفنا شر الكبر و سوء الخلق..
    فقط اذكر بمقولة الامام الشافعي رضي الله عنه لاني وجدتك تراهن علي المثقفين وان الدكتور حمدوك يرى ان هناك مسارب للضوء يجب الاستفادة منها ونسيت يا استاذ زين العابدين السيد حمدوك اسقط نفسه في دوامة من الجهل سوف تاخذه الي مكان سحيق حين فارق المثقفين..
    فما علاقة حميدتي الذي سوف يتسلط علي حمدوك بالثقافة..بل ما علاقة البرهان بها؟
    نعم اشيد بما قاله البروف أحمد إبراهيم أبوشوك بان اهم تغيير حدث في السودان هو وعي الشباب الذي يمثل القوى المحركة للتغيير..لكني الوم عليه وعلى دكتور وليد مادبو ودكتور نمر و دكتور ابو بكر.ان اربعتهم وهم من كبار المثقفين ارتضوا لانفسهم ان يتحدثوا لقناة يشاهدها كل العالم وخريطة السودان خلفهم قد نزع منها جزء عزيز على كل سوداني”حلايب”

  4. اسكت يا زين العابدين انت مع الانقلابيين قلبا وقالبا، ونحن الشعب السوداني الثائر قد سحبنا ثقتنا في حمدوكك شوف ليك شغلة ثانية.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..