مقالات وآراء سياسية

ما بني على باطل فهو باطل وما أخذ بالقوة لا يسترد  بالقانون

عثمان يس ود السيمت 

قد يستغرب البعض في هذه الأيام وبعد أن أجمع الثوار على رفض إنقلاب 25 اكتوبر المشئوم أنني اهاجم لجنة تفكيك
النظام والتي كانت ضمن قرارات الانقلاب واختصها بقرار يحلها ، لكنني لا اهاجمها لما اتوقعه منها من صرامة وحزم و(بل) كما يقولون وإنما لأن الأمر كله لن تجدي معه غير الشرعية الثورية. اقرأ المقال ثم احكم على المحتوى وهو مقال كتبته في بداية تشكيل لجنة تفكيك النظام واعتقد أن حدسي لم يخب.

كتبت يوم 19 نوفمبر 2019 مقال لي وكان بعنوان (حكومة اليس في بلاد العجائب) ويبدو أن عجائب حكومتنا ماتنفك تتجاوز عجائب أليس وتدهشنا. فقد انتظرت أي إشارة تدل على أننا قد تحررنا بفعل الثورة وأننا ننعم بحرية الصخافة والتعبير. وقد ينبري لي احد القارئين قائلا : أنت الان تكتب بحرية فماذا تريد. لكن اذكركم أنني كنت اكتب بنفس هذه الحرية في نفس هذا الموقع ايام الإنقاذ فما الفرق الذي كنت اتوقعه. كنت أتوقع من حكومة الثورة أن تكون لها أجهزه أو (مكتب) أو موظف علاقات عامة (لرصد) ما يكتب بالاعلام والوسائط (لأنه نبض الشعب) ولأنه هو من حرك الثورة حتى اضطر بشة لمنازلتنا ودعوتنا أن ننازله (عديل) فهل يا ترى حكومة الثورة والتي على رأس جهازها الإعلامي صحافي مرموق كالاستاذ فيصل محمد صالح مازالت تعتبر كلامنا ما (عديل) وكيبورد برضو وتهمله من هذا المنطلق. الديموقراطية الحقيقية يا سادة عند أهلها وصلت لمستوى أن ما يكتب في الواشنطن بوست اليوم غالبا سيكون أحد قرارات الحكومة الامريكية غدا او يناقش في السي إن إن او فوكس نيوز لن تتجاوزه القرارات السياسية كثيرا. فأين نحن من الديموقراطية. وهل فعلا ما نكتب له قيمة تجعل (متخذ القرار) عندنا (يتأثر) به. سافرح واكاد اطير من الفرح لو خرج علينا وزير الاعلام مرة ليقول (تنشغل الوسائط هذه الأيام بكذا) لكنت فعلت ما لم يفعله بطل قصيدة سعاد للدوش. لكن لماذا عدت للكتابة الان بعد أن طال صيامي فتجاوز صيام ناقة لبيد بن معمر حين سلخت ناقته وبعيرها جمادى فطال صيامه وصيامها. بل اعتقد انني كشمباتي عريق عبر عني أحد ابناء حلفاية الملوك اكثر من لبيد وهو ادريس جماع حين قال:
هين تستخفه بسمة الطفل.  قوي يصارع الاجيالا .
فما تلك البسمة التي استخفتني وماذا اصارع ياترى. ما اصارع تعرفونه كلكم، اما تلكم البسمة وللاسف ليست بسمة بريئة كبسمة الطفل هي بسمة حاولت الحكومة أن تبثها فينا (بعد أن طال عبسنا) بصدور قانون تفكيك النظام. ولشدة الأسف أنا كطبيب لم اتعود مهنيا تفكيك شئ فرجعت ذاكرتي لمهنة أخي عدلان وهي النجارة حيث كان يفكك الصناديق الخشبية ليصنع منها ترابيز وشبابيك وغيرها. فخبرتي في الفك والتركيب تنحصر في هذا المفهوم الضيق. لكن يبدو أن الحكومة (التكنوقراط) لهم باع في الفك والتركيب. فاصدروا قانونا يفكك نظام الانقاذ ولو انه كما اتضح (لن يفكنا نحن من نظام الانقاذ).
بالرغم من أنني لست بخبير في القانون لكن (اكان ما متنا المقابر شقيناها). هناك قبل القانون ما يعرف بالمبادئ Principals هذه المبادئ اختطاها الفكر والعقل الانساني كنتيجة لخبرة وممارسة اصبحت لا تخطئ في موضوع المبدأ المحدد . وهي مبادئ ليست في القانون فقط وإنما في كل المعارف الانسانية وما يميز المبدا صعوبة مقارعته بحجة معاكسة. ففي الطب مثلا مبدأ (الوقاية خير من العلاج) وهو مبدا لا يمكن لقديم او جديد في الطب ان يلغيه. وفي المأثورات مثلا (انصر اخاك ظالما او مظلوما) ولقوة هذا المبدا الجاهلي وتجذره اقره الاسلام واوضح كيفية ممارسته. وما نحن بصدده مبدا قانوني هام جدا وهو (ما بني على باطل فهو باطل). لا يمكن أن يأتي العقل البشري مهما اجتهد بفكر يعارض هذا المبدا. فعلى أي شئ بني حزب المؤتمر الوطني الذي تم تجميده (لعشرة سنوات تفوت ولا حد يموت) وكذلك حزب المؤتمر الشعبي الذي اعتقل زعيمه بتهمة المشاركة في انقلاب الانقاذ وما زال الحزب حي يرزق. هل نحتاج لقضية لنعرف أن الترابي زعيم الحزبين قد شارك في الانقلاب المشئوم . هنا يحضرني مبدا آخر وهو مبدأ عابر لكل القوانين وهو (الاعتراف سيد الادلة). الم يعترف الترابي على الملأ اكثر من مرة بمقولته الشهيرة (إذهب للقصر رئيسا وسأذهب للسجن حبيسا) ألم يعترف بكامل دور الحركة الاسلامية في الانقلاب. إذا لماذا المماحكات وقانون تفكيك (صناديق) النظام وقد تم تفكيكه ذاتيا عدة مرات منذ الجبهة الاسلامية وتحول لتربيزات وشبابيك وبنابر والكل يعرف مهارة الاسلاميين في النجارة وحسبكم تركيا كم مرة تغير فيها اسم الحزب كلما تم تفكيكه.
الامر ليس امر تفكيك حكومتنا العزيزة، الامر امر حقوق ضاعت وأعمار اهدرت ودماء سالت وارواح صعدت لبارئها شهداء ومظلومين ومطهرين عرقيا ومبادون جماعيا وبالمسامير على الرأس والخوازيق في الدبر. فهل تجميد الحزب عشرة سنوات سيعالج ذلك. هل الحزب والاحزاب التي انقلبت على الديموقراطية تصلح أن تشارك في تداول السلطة بعد ذلك.
تعبت منذ بدايات الثورة من المطالبة بالعدالة الثورية والشرعية الثورية. وما لم نأخذ بالشرعية الثورية ونمزق وثيقة ق ح ت والعسكري واستاذ ساطع واستاذة ابتسام السنهوري، ما لم نمزقها ونعود لشرعية الثورة ستظل ارواح الشهداء منذ اول شهداء الثورة في القضارف حتى شهداء فض الاعتصام وارتال الشهداء قبلهم منذ هزاع وشهداء العيلفون ومئات الالاف في الهامش الذين تم الاعتراف (بعشرة الاف منهم) (فقط) ستظل هذه الارواح تطاردكم يا حكومة الثورة. القانون وحده لا ولن يعالج اوضاع ترتبت على انقلاب الانقاذ. فالذي احيل للصالح العام وتشتت اسرته ومات قبل الثورة التي شعارها حرية سلام وعدالة لن تطاله العدالة ولن ترد له حياته ولن تعيد تعليم ابنائه الذي كان يحلم بنوعيته. القانون لن يعالج الفساد المالي والاداري، فاي قانون سيعالج قلوب وعواطف من فقدوا احبابهم لعدم وجود العلاج ،كيف سنرد روح الحامل البكرية التي ماتت في الصافية لعدم قدرة زوجها لنقلها للمستشفى ،رجل يفقد حبيبته بين يديه وفي رحمها من كان يحلمان به ،قولوا لي انتم اي قانون سيعالج هذه الحالة او حالة الطبيبة الشابة البكرية التي ماتت في غرفة الولادة لأننا تخلفنا بعد أن كنا اول من خرج القابلات بدايات القرن الماضي واول دول العالم الثالث التي ينشا بها دبلوم عالي من جامعة لندن لتخصص النساء والولادة وتوقف ايام الإنقاذ السوداء. اي قانون سيعيد اطفال البحيرة الذين كانت تكفي نصف او ربع ثمن فيلا لفاسد حكومي في دبي لتنشئ لهم مدرسة او على اقل تقدير تزودهم ببنطون للمدرسة. اوضاعنا التي انهارت بسبب الانقاذ واحزابها لن يعالجها القانون. واسترداد اموال المفسدين لن يعالج ما ترتب على فساد سرقتها وتهريبها. القانون يبقى قاصرا مهما بلغت صرامته، لذلك اوجدت الشرعية الثورية والعدالة الثورية لتعالج مثل تلك الاوضاع بالبتر التام والزج في غياهب السجون بلا اجل للخروج عبرة لمن يعتبر.
اما قانون تفكيك النظام والغاء قانون النظام العام وهذه التفاريح لن تفرح من عانى مثلنا وهي كلها تفاريح غير ملائمة Inappropriate  تماما كما لو اعطيت رجلا سبعينيا حلاوة حربة (مصاصة) لتسعده او اعطيت طفلا رضيعا يبكي في حضن امه حق التصويت والانتخاب.
كنت قد ناديت في مقالي السابق بحصر مهام الحكومة في ثلاث مهام وتترك باقي المهام لما بعد الفترة الانتقالية، إلا أن مثل هذه الخرمجة التي تسمى قانونا للتفكيك ستعطي هذه الاحزاب المجرمة مسوغا قانونيا تتكئ عليه بعد العشرة سنوات لتحاسبنا إن اردنا حلها.
فيا حكومتنا الانتقالية ارحمونا عليكم الله (سلمناكم نضيف سلمونا نضيف) ولو ما قادرين انتو وعساكركم الشعب الجابكم بجيب غيركم. أما نحن فقد دب فينا اليأس او كاد ولم يعد فينا ما يحتمل هذه المهادنة الرخوة لقوم ما هادنونا ولم نر منهم غير الشدة ورحم الله عبيد بن الابرص حين قال في معلقته:
والمرء ما عاش في تكذيب    طول الحياة له تعذيب
انكذب ما نرى وما نسمع وما نحس وما اصبحنا نشم ايضا.
دكتور عثمان يس ود السيمت
الاثنين الثاني من شهر الثورة 2019

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..