أخبار السودان

اتفاق البرهان حمدوك لتمكين المافيا الاقتصادية وإفقار الشعب 

الهادي هبَّاني

لا يفوت على السودانيين أن أهم الأهداف من رجوع حمدوك لحاضنته الحقيقية ممثلة في المكون العسكري أو اللجنة الأمنية للنظام البائد هو الاقتصاد. فالرجل نفسه في لقائه مع قناة الجزيرة بتاريخ 22 نوفمبر 2021م أكد أن أحد أسباب اتفاقه مع المكون العسكري هو ما أسماه على حد تعبيره المحافظة على المكتسبات الاقتصادية التي تحققت خلال الفترة الماضية للحكومة الانتقالية.

وقد عزز ذلك حميدتي في لقائه الأخير مع قناة الجزيرة بأنهم احتفظوا بحمدوك حتى لا يقعوا في الحظر الدولي والعقوبات ولضمان التعاون الدولي بما فيها بالتأكيد الدعم المالي والقروض. فالرجل يقاس بالنسبة لهم بمعيار الذهب ويمثل لهم مجرد رهينة لضمان استئناف تدفق سيل الدعم المالي الخارجي والذي تم وقفه مباشرة بعد الانقلاب ومنه 700 مليون دولار كانت في طريقها إلى خزينة الدولة من أمريكا، وما تبقي من أموال برنامج ثمرات، والمتبقي من القرض الممتد من صندوق النقد الدولي البالغ 2.5 مليار دولار بعد وصول السودان لنقطة اتخاذ القرار ضمن اتفاقية الهيبك لإعفاء الديون في يونيو 2021م والتي استلم منها السودان حوالي 991.5 مليون وحدة حقوق سحب خاصة ما يعادل حوالي 708 مليون دولار ومتبقي حوالي 1.8 مليار دولار. بالإضافة إلى حوالي 2 مليار دولار لتمويل مشاريع التنمية من البنك الدولي فضلا عن تسهيلات قصيرة الأجل لدعم سعر الصرف بما يعادل 630.2 مليون وحدة سحب خاصة ما يعادل 450 مليون دولار تمثل حصة السودان في الزيادة الجديدة التي منحها الصندوق للدول الأعضاء في أغسطس 2021م لمواجهة الظروف المالية الاستثنائية الناتجة عن أزمة كورونا 2019م. هذا بجانب بعض الاستثمارات التي كانت متوقعة خلال الفترة الحالية أي حوالي 5 مليار دولار تقريبا تبخرت نتيجة للانقلاب الغادر. صحيح أن المافيا الاقتصادية بأقسامها ومكوناتها المختلفة وفي مقدمتها المكون العسكري بمختلف وحداته تهيمن علي 94% من موارد البلاد المختلفة كما قلنا في مقال سابق بعنوان (الأسباب الحقيقية للانقلاب) إلا أن هذه المافيا لا تنفق علي الاقتصاد أو علي الشعب من هذه الأموال وليس لديها استعداد حتي في أحلك الظروف الاقتصادية الضاغطة لصرف ولو فلسا واحدا من هذه الموارد لأن كل المؤسسات الاقتصادية التي يهيمن عليها ويديرها المكون العسكري بأقسامه المختلفة ممثلة في الجيش والأمن والشرطة وكتائب الظل ومليشيات الدعم السريع هي عبارة عن أموال الحركة الإسلامية المنهوبة من مال الشعب والمخزنة في هذه المؤسسات العسكرية والمحمية بترسانة ضخمة من القوات والأعتدة العسكرية وأجهزة القمع والبطش. وأن عائدات هذه الموارد يتم مراكمتها ويتم الاحتفاظ بمعظمها في حسابات مصرفية في الخارج خاصة في الإمارات العربية والبحرين ولا يعرف أين يتم الاحتفاظ بقسمها المحلي داخل السودان، وأين تصرف هذه الأموال الضخمة في حين أن هذه القوات التي تحرس هذا الأموال بما فيها الجيش والشرطة والأمن ومليشيات الدعم السريع وكتائب المؤتمر الوطني التي تعمل تحت ستار جهاز الأمن والاستخبارات تعيش علي عرق الشعب وتصرف مرتباتها ومخصصاتها وكافة احتياجاتها من الأعتدة العسكرية والقمعية من الموازنة العامة للدولة التي تأتي من الضرائب التي يدفعها الشعب ومن موارده الانتاجية الأخرى والإعانات والقروض الأجنبية التي تقيد ديونا علي كاهله. ولذلك فإن الانقلاب الغاشم يواجه أزمة اقتصادية حادة نتيجة لاختلال تقديرات الموازنة العامة المعدلة للعام 2021م وليس لديه أي استعداد للمساس بتلك الأموال المنهوبة من الشعب. وتتمثل أهم ملامح هذه الأزمة الاقتصادية والمالية فيما يلي:

أولا: برغم ضعف الموازنة المعتمدة للعام 2021م والتي دفعت بمجلس الوزراء قبل الانقلاب بتعديلها لاستيعاب المتغيرات الناتجة عن تعويم سعر الصرف وارتفاع الصرف على أجهزة الدولة وعلي المكون العسكري وتوفير احتياجاته من الأعتدة والأجهزة القمعية. فقد تم الصرف على الانقلاب الغادر من موارد وزارة المالية، ثم أقدم الانقلابيون للهيمنة على احتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي لمواجهة الصرف على الانقلاب وتأمينه وبالتالي أصبح النظام الانقلابي مكشوفا من الناحية الاقتصادية والمالية.

ثانيا: كشفت الأوضاع الاقتصادية الواقعة حاليا أكذوبة الانقلابيين التي كانوا يروجون لها قبل الانقلاب تمهيدا له والقاضية بأنهم قادرين علي تحسين معيشة المواطنين وتوفير السلع. وقد شهدت الأيام الأولي للانقلاب الإفراج عن بعض السلع الرئيسية التي كانت مخزنة كالدقيق والسكر والوقود مع خفض أسعارها، ولكنها سرعان ما عادت للندرة وارتفاع الأسعار لتكشف حجم الأزمة المالية والاقتصادية التي تواجه الانقلابيين مما اضطرهم لرفع أسعار الوقود ب 42 جنيه للبنزين ليصل سعر اللتر لحوالي 362 جنيه، وسعر لتر الديزل أيضا بحوالي 42 جنيهًا ليصل إلى 347 جنيهًا. وكل هذه الزيادات غير المعلنة كانت لتغطية عجز الموازنة الحاد الذي يواجه الانقلابيين ولتغطية المنصرفات المتزايدة على الانقلاب وعلى القوات والمليشيات التي نفذته.

ثالثا: هدفت الموازنة المعدلة لزيادة الإيرادات من 938.2 مليار جنيه إلى حوالي 2.5 تريليون جنيه أي بنسبة زيادة 164%، والإنفاق العام من 1.0 تريليون جنيه إلى 2.7 تريليون جنيه أي بنسبة 166%، وهذا يعني أن العجز في الموازنة قد زاد من 83.6 مليار جنيه قبل التعديل إلى 247.2 مليار جنيه بعد التعديل أي بنسبة 196% وهي زيادة غير مسبوقة تبين حجم الأزمة المالية التي يعيشها الانقلاب. علما بأن هذه الزيادة في الانفاق العام بنسبة 166% تشتمل علي زيادة الصرف على الأجهزة العسكرية والشرطية والأمنية وعلى مليشيات الدعم السريع وعلى الجزء الجاري من استحقاقات اتفاقية جوبا للحركات المسلحة وأيضا على استحقاقها السنوي البالغ 750 مليون دولار لمدة عشرة سنوات أي حوالي 7.5 مليار دولار خلال عشرة سنوات وهي تفوق القروض الممنوحة علي السودان من ثلاثة دول بحالها من دول أعضاء نادي باريس. مع ملاحظة أن الهدف الأساسي للانقلاب هو تعزيز هيمنة المكون العسكري علي الموارد الاقتصادية التي يهيمن عليها، ومن أجل توفير استحقاقات مليشيات حركات محاصصات جوبا التي ثبت بما لا يدع مجالا لأدني شك بأنها لا يهمها غير قبض مستحقاتها المالية التي نصت عليها الاتفاقية هذا بجانب توفير الصرف الجاري على جنرالاتها وأتباعهم ومليشياتهم من الموازنة العامة أي من أموال الشعب حيث ارتفع الصرف على صندوق بناء سلام جوبا في الموازنة المعدلة من مبلغ 13.3 مليار جنيه قبل التعديل إلى 159.9 مليار جنيه بالموازنة المعدلة أي بنسبة زيادة بلغت 1101% وهي نسبة زيادة لم يحدثنا عنها التاريخ الاقتصادي والمالي السوداني من قبل وذلك لاستيعاب الالتزامات المترتبة على اتفاق سلام محاصصات جوبا أي الإنفاق علي جبريل وقواته، ومناوي وقواته، وعقار وحجر والهادي إدريس وقواتهم، وأيضا علي السيد التوم هجو كممثل لمسار الوسط الهلامي. وكذلك للاستمرار في توفير الاحتياجات المالية للأمن والدفاع والشرطة لصون سيادة الوطن وأمنه، وتحقيق الطمأنينة وبسط العدل للمواطنين كما جاء بالنص ضمن أهداف ومحاور الموازنة المعدلة ولا ندري أين هو هذا الأمن وأين هي هذه الطمأنينة وقد سقط ما يزيد عن 40 شهيد وشهيدة فقط والمئات من الجرحى والمصابين خلال الفترة منذ 25 أكتوبر 2021م وإلى تاريخ اليوم. بمعني أن السودان وباختصار شديد تحكمه مافيا اقتصادية مكونة من المكون العسكري وحركات محاصصات جوبا ومليشيات الدعم السريع وكتائب الأمن التابعة للمؤتمر الوطني والشرطة وغيرها من الأقسام العسكرية الأخرى غير المعلنة.

رابعا: وتعزيزا لما هو مذكور أعلاه بشأن الصرف علي الأجهزة الأمنية والعسكرية فقد اشتمل البند رقم (2) من الصرف الجاري (شراء السلع والخدمات) فقد زادت تقديرات موازنة شراء السلع والخدمات من 101.8 مليار جنيه فى الموازنة المجازة قبل التعديل إلي 192.6 مليار جنيه بعد التعديل أي بنسبة زيادة قدرها 89% من الموازنة وقد تركز ذلك علي الزيادة في بند شراء السلع والخدمات في قطاع الأجهزة السيادية وقطاع الدفاع والأمن والشرطة على أولا: زيادة مبلغ شراء السلع والخدمات لقطاع الأجهزة السيادية (وعلي رأسها مجلس السيادة) من 8.3 مليار جنيه إلى 26.5 مليار جنيه أي بنسبة زيادة قدرها 222% وثانيا: زيادة مبلغ شراء السلع والخدمات لقطاع الدفاع والأمن والشرطة من 37.9 مليار جنيه إلى 73.5 مليار جنيه أي بنسبة زيادة قدرها 94%.

خامسا: اعتمدت الموازنة المعدلة بشكل كبير جدا على الدعم الخارجي حيث تم زيادة بند الدعم الخارجي من 28.01 مليار جنيه قبل التعديل إلى 145.64 مليار جنيه بعد التعديل أي بنسبة زيادة 420% وهي نسبة غير مسبوقة. وأيضا اعتمدت الموازنة المعدلة علي زيادة التمويل الداخلي من الجهاز المصرفي أي طباعة النقود من 55.6 مليار جنيه قبل التعديل إلى 102 مليار جنيه بعد التعديل أي بنسبة زيادة 83% وهي أيضا نسبة كبيرة. ومع وقف التمويل الأجنبي نتيجة لوقفها من المنظمات الدولية والمجتمع الدولي حسبما هو مذكور سابقا فهذا يعني أن الانقلابيون سيلجؤون للضغط علي المواطنين لتغطية عجز الموازنة بزيادة الضرائب غير المباشرة علي السلع الأساسية وعلي زيادة أسعار السلع الاستراتيجية كالوقود والسكر وغيره وفي نفس الوقت فإن زيادة طباعة النقود سيضاعف معدلات التضخم لمستويات غير مسبوقة وستتحول حياة المواطنين نتيجة لذلك إلي جحيم لا يطاق.

وبالتالي فإن الاتفاق الانقلابي الحمدوكي البرهاني ما هو إلا محاولة لإنقاذ انقلاب اللجنة الأمنية من السقوط الحتمي الموعود لا محالة وهذه المرة باستخدام حمدوك سكرتيراً وسفيراً ومسوقاً إعلاميا نجيبا لأكذوبة الانقلاب، وكمندوب سامي دولي للمكون العسكري الانقلابي ولحماية قادته ومنفذيه من خطر العقوبات والملاحقات الدولية الشخصية، ومفاوضا مخلصا في أسواق المال الدولية مع الدول التي تعهدت بالدعم قبل الانقلاب ومع المؤسسات المالية الدولية وعلي رأسها صندوق النقد والبنك الدوليين وبنك التنمية الافريقي وغيرها للعدول عن مواقفها الرافضة للتعامل مع الانقلاب والمواصلة بما تعهدت به من تدفقات مالية سابقا. وهو دور إن قام حمدوك به سيكون مكرس لخدمة قوي الثورة المضادة والمافيا الاقتصادية التي تعيش على عرق الشعب وسرقة موارده واستخدام موازنة الشعب لقمع الشعب وقتل فلذات أكباده من شباب المستقبل وبالتالي فهو خيانة لدماء الشهداء، وفي نفس الوقت سيؤدي إلى مزيد من الافقار والبؤس للشعب وسيكون حمدوك شريكا أصيلا في الجريمة دون شك. وبالتالي لا مجال أمام الشعب غير الاستمرار في المقاومة المدنية السلمية الصبورة المجربة الظافرة لمقاومة هذه المافيا والرمي بها في مزبلة التاريخ وإلى الأبد هذه المرة واستعادة موارد الشعب وخيراته وبناء دولة مدنية خالصة تقوم على الديمقراطية والحرية والسلام والعدالة والبناء والتنمية والتقدم.

قوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله والنصر حليف الشعب وما النصر إلا صبر ساعة

لا شراكة، لا تفاوض، لا مساومة، والردة مستحيلة

[email protected]

‫5 تعليقات

  1. استقالة حمدوك حاليا” في مصلحة السودان وربما نستعين به فيما بعد اي بعد زوال كابوس العسكر والمليشيات

  2. سألت أحد المليونيرات (البليونيرات) الكيزان عن رأيه في استلام المدنيين
    للسلطة وذلك بعد مصادرة جزء بسيط من اراضي يمتلكها بواسطة لجنة
    التمكين، فقال لي وهو يبتسم بانهم سيزيحون العواليق وان حمدوك زولهم
    وهو والبرهان عبارة عن ط…ين في سروال واحد.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..