مقالات وآراء

شكرا كابلي … لقد تعلمنا منك الكثير!! (1)

أمير شاهين

” ان شاء الله يوم شكرك ما يجي !!” مقولة سودانية شعبية قديمة وتقال عندما يراد مدح شخص ما والثناء عليه والإشادة بأعماله وافعاله الحسنة ويقصد بها ان كلمات الشكر والمدح يجب الا تقال الان في حياة الشخص وامامه بل يجب ان تقال في الرثاء والتأبين فقط أي بعد الوفاة (يوم الشكر لكل بنى ادم! وها قد اتى يوم شكر او وفاة الهرم الفني والثقافي والأدبي واحد مقدرات ومفاخر الامة السودانية وهو الفنان عبد الكريم الكابلي، وبالطبع فان الكلمات تبقى عاجزة وناقصة في التعبير عن عظمة الفنان الراحل ومدى فداحة الفقد فبوفاته ومن قبل زملائه عثمان حسين ووردي وابن البادية فقد خلت الساحة الفنية من المبدعين المجددين! وركزوا معي في كلمة مجددين!! وترملت الموسيقى السودانية ودخلت في حالة حداد طويلة يبدو ان لا نهاية لها سيما ان كل المؤشرات والقرائن تثبت ان نهر الابداع والتجديد المتدفق للموسيقى السودانية قد جف ونضب معينه الى حين اشعار اخر!! ,, والحديث عن قيمة الكابلي ومدى اسهامه في تطور فن الغناء فقد تميز الكابلي بجمال الالحان ور شاقتها ورقة وحلاوة الاشعار التي كان ينظمها وتفرد صوته الباريتون ذو المساحات الكبيرة واستاذيته في فن الأداء وجودة مخارج الكلمات ونطق الحروف! ولكنى اعتقد باننا كسودانيون مدينون للكابلي بشيء اخر، فبالإضافة لا متاعنا وادخال السعادة والحبور الى نفوسنا بغنائه فقد قام تعليمنا وتثقيفنا ومدنا ببعض المعارف والمعلومات من خلال غنائه وحتى لا نتهم بالمبالغة وزيادة الاطراء فدعونا ندلف الى بعض الأمثلة. ففي بدايات حياته الفنية في العام م 1960 قام بغناء ” انشودة اسيا وافريقيا “رائعة الشاعر الجهبذ تاج السر الحسن، والتي كتبها عام 1956 في الذكرى الأولى لمؤتمر باندونق الذي عقد في إندونيسيا عام 1955 وكان النواة الأولى لتأسيس حركة عدم الانحياز. مام الزعيم المصري جمال عبدالناصر الذى كان وقتها يتمتع بشعبية جارفة وكان معبود الجماهير في العالم العربي و دول العالم الثالث بوصفه نصير حركات التحرر الوطني و محاربة الاستعمار ويقال بان جمال عبدالناصر قد اندفع الى المسرح وقام بتقبيل راس الكابلي عند غناء المقطع الذى يقول ” مصر يا ام جمال وام صابر , وام صابر هذه كانت امرأة مصرية بسيطة كانت تقوم بإخفاء السلاح في ملابسها لتقديمه للثوار المصريين ابان مقاومتهم للاحتلال الإنجليزي لبلادهم والكابلي نفسه كان من اشد المعجبين و المحبين له وكانت كلمات الانشودة تقول :

عندما أعزف يا قلبي الأناشيد القديمةْ
ويطل الفجرُ في قلبي على أجنحِ غيمةْ
سأغني آخر المقطع للأرض الحميمةْ
للظلال الزُرق في غابات كينيا والملايو
لرفاقي في البلاد الآسيويةْ
للملايو .. ولباندونق الفتيةْ
والتي أعزفُ في قلبي لها ألف قصيدةْ
يا صحابي صانعي المجد لشعبي
يا شموعاً ضؤها الأخضر قلبي
يا صحابي فأنا ما زرت يوماً أندويسيا
أرض سوكارنو .. ولا شاهدتُ روسيا
غير أني والسنا في أرض أفريقيا الجديدةْ
والدجى يشرب من ضوء النجيمات البعيدةْ
قد رأيت الناس في الملايو
مثلما شاهدت جومو
ولقد شاهدت جومو
مثلما امتد كضوء الفجر يومُ
مصر يا أخت بلادي يا شقيقةْ
يا رياضاً عذبة النبع وريقة .. يا حقيقة ..
مصر يا أم جمال .. أم صابرْ
ملء روحي أنت يا أخت بلادي
سوف نجتث من الوادي الأعادي
فلقد مدّت لنا الأيدي الصديقة
وجه غاندي وصدى الهند العميقةْ
صوت طاغور المغني
بجناحين من الشعر على روضةِ فنِّ
يا دمشق … كلنا في الفجر والآمال شرق
أنتِ يا غابات كينيا يا أزاهرْ
يا نجوماً سمقت مثل المنائرْ
يا جزائرْ…
ها هنا يختلط القوس الموشّى
من كلِّ دارٍ كل ممشى
نتلاقى كالرياح الآسويةْ
للملايو ولبنادونق الفتيةْ.

والقصيدة عبارة عن محاضرة قيمة في الجغرافية والتاريخ والسياسة، فقد جعلت السودانيين يفتحون الاطالس ويراجعون كتب التاريخ ليروا اين تقع اين تقع مدينة باندونق الاندونيسية وأين هى غابات كينيا ومن هم الملايو (هي مجموعة اثنية وأمة أصلية في شبه جزيرة ملايو وهي واحدة من المكونات الرئيسة لشعوب ماليزيا التي اشتقت منها اسمها) ومدينة وهران درة المدن الجزائرية وجمهورية الصين وروسيا كما تم ذكر الزعيم الكينى الأسطوري جومو كينياتا وهو سياسي كيني وناشط مناهض للاستعمار تولى منصب رئيس وزراء كينيا من عام 1963 حتى عام 1964. وبعدها أصبح أول رئيس في تاريخ البلاد من عام 1964 حتى وفاته عام 1978. ويعد كينياتا الى جانب أحمد سوكارنو بطل إندونيسيا وهواري بومدين الجزائر ،وجمال عبد الناصر وجوزيف بروز تيتو اليوغسلافي وجواهر لإل نهرو الهندي القادة الرئيسيين لحركة عدم الانحياز التي كانت تدعو لتحرر الدول من الاستعمار وعدم خضوعها للمعسكرين الأمريكي و السوفيتي في وقتها , اما احمد سوكارنو الإندونيسي والذى أيضا تم ذكره في النشيد فقد نال شهرة واسعة بسبب نضاله الدائم والمستمر من تجل استقلال بلده من الاستعمار الهولندي ، كما أنه سجن خلال الاستعمار الهولندي أكثر من مرة، ولكنه خرج في النهاية منتصرا بتوليه منصب الرئاسة في إندونيسيا. وفى النشيد أيضا تم ذكر المهاتما غاندي زعيم الامة الهندية وبطل الاستقلال ومؤسس النضال السلمي ورائد العصيان المدني في العالم.

ونواصل بأذن الله

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..