الانتخابات المُبكِّرة.. سكة الخُروج عبر (بوّابة) الأزمة

تقرير: صلاح مختار
يبدو أنّ الدعوة لقيام انتخابات مبكرة فرضية قد تصبح مُلحة في قياس حالة البلاد, تلك الفرضية ستطفو على سطح الأحداث كلما اشتدت الأزمات وطفح الكيل وانسد الأفق, لتجد المخرج في الدعوة لها, كأنها الحل الوحيد والضوء في آخر النفق, البعض يراه التفافا وتجاوزا للوثيقة الدستورية, مثلما نظر إليه في وقت سابق الحزب الشيوعي الذي حذّر من اتجاه حكومي لإجراء انتخابات مبكرة وفقاً لبنود اتفاقية جوبا.
وقال عضو المكتب السياسي، بالحزب صالح محمود عقب لقائه في وقت سابق, بعثة دولية ضمت البعثة الفنية المختصة بالانتخابات التابعة للأمم المتحدة في نيويورك, قال إن دعوة حمدوك للبعثة يتسق مع التخطيط لانتخابات مبكرة. وانتقد ربط الانتخابات ببنود اتفاق سلام جوبا, وأوضح أن العديد من بنودها لا تصلح لتأسيس عمليات تمس مستقبل السودان خاصّة الانتخابات العامة. واتّهم في ذات الوقت د. حمدوك بالدعوة للتخطيط لانتخابات مبكرة. ولكن مصادر كشفت بأن قوى الحرية والتغيير وضعت خريطة طريق أهم بنودها إجراء انتخابات عاجلة في البلاد, ولم يسمِ المصدر موعد إجراء الانتخابات واكتفى بأنها ستُقام بأعجل ما يكون.
وطبقاً لـ(التغيير الإلكترونية),إن قوى الحرية والتغيير عقدت اجتماعات بحثت خلالها قضايا الراهن السياسي. اذن السؤال الذي يطرح نفسه ما دواعي التخطيط المبكر للانتخابات في البلاد وما هي الظروف التي تقتضي التعجيل بذلك وهل ستكون المخرج من أزمات البلاد..؟
خشية الانتخابات
ولعل بعض الأحزاب باتت تخشى إثارة موضوع الانتخابات سواء كانت مبكرة أو بعد فترة انتقالية, وسبق أن اِتّهم رئيس حزب الأمة القومي، اللواء فضل الله برمة ناصر في حديثه لبرنامج (حديث الناس) على قناة النيل الأزرق, الحرية والتغيير بعدم الحماس لقيام الانتخابات وتشكيل المحكمة الدستورية لأنهم مستفيدون من الوضع الحالي حسب قوله, وشدد على أن أي حزب سياسي يعمل من أجل الديمقراطية لا يرضى لنفسه بالمشاركة في الحكم دون تفويض من الشعب عبر انتخابات، وبالتالي تصبح المشاركة في الحكم دُون انتخاب أشبه بالشمولية.
الأمر الواقع
وكان نائب رئيس المجلس السيادي الفريق أول محمد حمدان دقلو، قد أعلن رغبة المجلس السيادي في إجراء انتخابات مبكرة خلال ثلاثة أشهر لتسليم السلطة لمدنيين يمثلون الشعب. وهو حديث اربك الطرف الآخر الذي سارع بالقول إن حديث المجلس العسكري عن انتخابات مبكرة مُحاولة لشرعنة النظام القديم. فيما أثارت تصريحات زعيم حزب الأمة القومي رئيس تحالف (نداء السودان) الراحل الصادق المهدي في وقتٍ سابقٍ الأوساط، بشأن مستقبل الحكومة الانتقالية قائلاً (إذا تعثرت فخيار الانتخابات المبكرة موجود وسنمضي إليه)، مؤكداً أن حزبه بدأ الاستعداد لذلك, وأكد قبوله المُشاركة في انتخابات مبكرة في أي وقت خلال الفترة الانتقالية، شرط استيفاء شروطها.
تقدير موقف
ويقول الحاج محمد خير محلل سياسي، إن الانتخابات المبكرة غير مُمكنة, لأن الوضع الطبيعي للفترة الانتقالية التي كانت مدتها ثلاث سنوات وتم تمديدها مرة ومرتين, كان الغرض منها الاتفاق مع الحركات المسلحة وبموجبها تم تمديدها لخمس سنوات بالتالي كان ذلك سيناريو محتملاً, وجزم في حديث لـ(الصيحة) استحالة اجراء انتخابات مبكرة لسبب وجود حركة الشارع التي مازالت واقفة (واقفين قنا) كما قال, تراقب المشهد السياسي الداخلي, والدليل على ذلك التحوُّل في مواكب التأييد, وتمثل لجان قوى التغيير في قواعد المجتمع أكثر ثورية من الأحزاب السياسية في (قحت) التي فرضت على تجمع المهنيين إما أن ينعزل وإما أن يمضي مع حركة الشارع, ولذلك مواكب التأييد طبيعية في هذه الحالات. ويرى أن دعوة الراحل المهدي في السابق تنطلق من موقف مستقل للشارع الذي يحتاج لقيادات مستقلة بشكل كامل لديها تقدير موقف لوحدها على الأقل تقتنع بالقيادة الفوقية والتي تُفكِّر في الانتخابات المبكرة.
خلافات خفية
بعد الإجراءات التي اتّخذها البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر, يبدو أن فكرة انتخابات مبكرة باتت مطروحة التداول حولها وحاضرة في المشهد السياسي, خاصةً الدعوات التي بدأت تُوجّه إلى القوى السياسية للاستعداد المبكر وانتظار وصول قطار الانتخابات إلى نقطة البداية بعد عامٍ ونصفٍ. ويرى مراقبون أن بعض القوى السياسية ترغب في عدم انتظار الفترة المتبقية من عُمر الانتقالية والضغط نحو إجراء الانتخابات المبكرة والقبول بالأمر الواقع.
ولكن مصدر سياسي أكد لـ(الصيحة) أن الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة ستقابلها دعوات بالرفض, خاصةً وأن البيئة السياسية غير مهيأة في معظم القوى السياسية, وأن الخلافات بينها ستلقي بظلالها على المشهد السياسي, لذلك من الصعوبة إجراؤها في الوقت المبكر.
فجوات خلافية
ويرى المحلل السياسي د. أبو بكر آدم, أنّ الخلاف بين طرفي التفاوض وضح منذ وقت مبكر, بجانب ظهور خلافات داخلية خاصة بين مكونات قوى التغيير والحديث عن محاولة إقصائها, ونوّه إلى بيان الحزب الشيوعي الذي اعترض فيه على أي اتفاق مع المجلس العسكري. وقال آدم لـ(الصيحة): من الواضح أن خلافاً بين الشيوعي وقوى إعلان الحرية والتغيير في هذه القضية بدأ يتسع, مبيناً أن الفجوات الخلافية التي تصدر من قوى الحرية تعطي المكون العسكري الحق والضوء الأخضر في إجراء انتخابات مبكرة, وبالتالي المجلس السيادي يملك حق الانتخاب حال وجد قبولاً من مكونات خارج قوى التغيير. قد تكون هنالك صعوبة بحسب رؤية آدم في تنفيذ ذلك, ولكن لا يعني إيجاد فراغ دستوري وسياسي وقانوني طوال الوقت, مبيناً أن البرهان سيعمل على تجنب الخيار المُفضي للانتخابات المبكرة, لا إجراء انتخابات مبكرة تعني نهاية المُباراة بين فريقي العسكري والحرية والتغيير, وإن الحكم لصناديق الاقتراع.
معلومٌ بالضرورة
وصورة الانتخابات المبكرة ليست بعيدة عن ذهنية المراقب للأوضاع الداخلية, حيث يرى فيه حلاً مُمكناً للكثير من العقبات التي تعتري الفترة الانتقالية, غير أنهم يرون أن الفكرة يشوبه انعدام الثقة بين مكونات الحكومة.
ويقول الخبير الأمني والدولي د. حسين كرشوم في حديثه لـ(الصيحة): المعلوم بالضرورة طبيعة العلاقة السابقة بين المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير, ويرى أن المشكلة الأساسية هي فقدان الثقة بين طرفين, وأضاف ان كل طرف يستخدم كروت ضغط للوصول إلى أهدافه، بالتالي الأحداث سجال بين الطرفين تارة عن طريق الحشد أو الاعتصام ـو العصيان أو التظاهرات أو المسيرات والحشد الجماهيري لكل طرف, الى جانب مُحاولة استمالة الرأي العام العالمي ومُحاولة إنزال القرارات خاصةً من مجلس الأمن الدولي والمنظمات التابعة لها, بالتالي حتى الآن اللبنة الأساسية التي تبنى عليها الثقة لم تتوفر حتى بعد. ورأي أنّ الدعوة لانتخابات مبكرة رغم أنّها حقٌ يُقاس عليه أوزان القوى السياسية وعن طريقه يُمكن أن تُسلّم السلطة, إلا أن الدعوة ستجد من يقف ضدها رغم الهدف المعلوم هو الوصول إلى انتخابات بصورة شرعية, بالتالي طبيعة الفترة الانتقالية تُحدِّد ملامح الانتخابات المُقبلة.
وجهات نظر
وقلّل كرشوم من حديث سابق لمبارك الفاضل الذي قال إنّ المجلس العسكري لا ينزع نحو الانتخابات المبكرة, وإنّما يريد أن تأخذ تلك الفكرة وتتبنى أحزابه وقواعدها أن تأتي بها إلى سدة الحكم, وقال من خلال حديث مبارك الفاضل صحيح يمكن أن يقوم المجلس بذلك, وأضاف: لا أعتقد أن (العسكري) ينزع للانتخابات المبكرة, إنما قد يكون كرت ضغط تجاه قوى الحرية والتغيير حتى تتوقّف عن المشاكسات والعبور إلى مُعالجة القضايا المُلحة, وأضاف: المكون العسكري يمكن أن ينجح في ذلك, خَاصّةً أنّ قوى الحرية والتغيير ليست اللاعب الوحيد في الساحة, وإنما هنالك أجسامٌ بدأت تتحرّك في الإقليم لتقريب وجهات النظر.
إنتخابات مبكرة تعني عودة الكيزان الذين لايزالون مسيطرين على مفاصل الدولة ومواردها يعني وداعاً ثورة ديسمبر وعودة الفلول للمشهد بشكل جديد. أنصحك عدم الترويج لمثل هذه الخزعبلات وأكيد هذا رأي جهاز مخابرات البشير وقبضت الثمن للترويج له بلد مليانة خونة وعملاء وماجورين !!!
الدعوة للانتخابات المبكرة دعوة خبيثة
هدفنا انتخابات حرة نزيهة” وبعضهم يضيف “المبكرة” فيقول : “انتخابات مبكرة حرة ونزيهة” (وأصل الدعوة أن تكون مبكرة)، حتى أهل اللذين يُشَارُ اليهم ب (الخلا) أخذوا في ترديد ذلك !! ، فماذا يقصدون في كل الأحوال – بوعيٍ أو بدون وعي – ؟ .
. كيف تكون حرةً ونزيهة؟ ولماذا مبكرة ؟ …. إذا كانت الانتخابات ستجري بنهاية الفترة الانتقالية ، أليس لتلك الفترة الانتقالية مهامٌّ وبرامج واجبة التنفيذ قبل انتخابات عامة تجري بنهايتها ؟
إذن الشعار أن نصل إلى انتخابات مبكرة حرة ونزيهة” هدفٌ يقفون خلفه مختبئن (خاصةً كلمة مبكرة) .. حرة ونزيهة “التي لا تُردِّدُها إلا الدكتاتوريات القابضة في افريقيا والوطن العربي ولا تعني في الواقع إلا ضدها فإن الإسراع أي
مبكرة لا تعني سوى القفز على أهداف الثورة والحجر على إشعاعها وعلى وعي شبابها أن تنعكس على الذهن الشعبي العام
الفترة الانتقالية هي الانتقالُ من حالٍ إلى حال ، من عهدٍ إلى عهد (من الدكتاتورية وثقافتها إلى الديمقراطية وأنوارها) ووضع الأسس التي تمنع عودة أفكار وسياسات النظام الساقط وتحصين المجتمع ضده وحجرُ الزاويةِ في تلك الأسس هو تمتين الفكرة الديمقراطية ونشر ثقافتها بحيث تنعكس على كل شيءٍ في حياتنا : أي ترسيخ المعنى الأصيل للممارسة الديمقراطية وكيف أنها نظامٌ متكاملٌ للحياة وليست مجرد انتخابات عامة.. الديمقراطية (الحرية) هي من طبيعة الخلق وطينة البشر ، وهي بهذه المعاني لا يكتمل بناؤها لتكون ثقافةً عامةً في السلوك وفي الخيارات إلا في ظل حركة تنوير شاملة ، وذلك ما لخّصَه المفكر الكبير الراحل محمد بشير أحمد (عبد العزيز حسين الصاوي) في عبارته الخالدة : “لا ديمقراطية بلا استنارة” ..
إذاً نحن أمام مشهدٍ متصارع الأطراف متناقض الصور :
** ثورة جذرية عمادها جيلٌ لم يَرَ حتى الآن غير البؤس والفساد والإستبداد والآفاق المُعتمة نحو المستقبل ، يريد أن يحيا كما أقرانه في كل الدنيا ، وأن يبني وطناً ناهضاً حرّاً يملك قراره ويسيطر على ثرواته وموارده إلخ إلخ .. وهي أهدافٌ لن تتحقق بين يوم وليلة في واقعٍ هو الطرف الآخر من المشهد؛
** هذا الجيل ورث-ويعيش – واقعاً قائماً على الفساد والبطش والدجل ، التديُّن السطحي والاهتمام بالمُتَع الدنيوية الرخيصة ، واقعٌ أصبح ثقافةً عامةً ، هذا الواقع له قُواهُ التي تقوم مصالحها على استمرار هذا الوضع ، تكريسه وإدامته ..
والثورة – كما تردد كثيراً – جذرية وضخمة لن تقبل بأقلَّ من تحقيق أهدافها (حرية سلام وعدالة) بما تعنيه من: تحرير البلاد من مآسيها ، والعباد من الخوف والمسغبة وهي أهدافٌ – كما أسلفت- تحتاج إلى إصلاحات جذرية في الواقع الوطني : في التعليم ومناهجه ، في الآقتصاد وأهدافه ، في الوطن توحيداً واندماجاً وطنياً ، في المفاهيم والرؤى على طريق بناء المشروع الوطني الذي يلتف حوله الجميع مع جواز ، بل أهمية ، الاختلاف في التفاصيل والمناهج التي ستُعَبِّر عنها الأحزاب السياسية في شكل برامج تتنافس بها في الانتخابات العامة ..
على هذا الطريق ، بناء مدرسة جيدة مثلاً ، تعني دفعاً – ولو محدوداً – في إتجاه التعليم والاستنارة والممارسة الديمقراطية ، وسيكون المتضرر من ذلك ، والذي سيقاتل لمنعه ، هم شيعة النظام الساقط من المتأسلمين الكَذَبَة وحلفاءهم من الانتهازيين والقوى الطائفية التقليدية ..
الصراع بهذا المعنى سيكون محتدماً بين قوى الثورة والاستنارة والتقدم وبين الإسلامويين الساقطين والشخصيات والقوى المتحالفة معهم ..
هذا الحلف المهيمن (اللجنة العسكرية الأمنيَّة وحلفاؤهم :
– لن يكتفوا بالقتل والبطش وكل أشكال العنف .
– ولا بقفل ميناء بورتسودان والطرق المؤدية إليها خنقاً للشعب والوطن .
– ولا بمجرد الاستحواذ على موارد البلاد مع الإدعاء ، والتعلُّل بشُحِّ الإمكانيات ، عندما يكونُ المطلوبُ صرفاً على شأنٍ عام !!
لن يكتفوا ، وإنما سيعملون على إدامة ذلك النهب والاستحواذ بالدعوة للانتخابات المبكرة التي تعني إستمرار الواقع المأزوم لأن الانتخابات المبكرة (دون إنجاز برنامج وأهداف الفترة الانتقالية) يعني فوزهم ، فوز نفس القوى المهيمنة فيها وعودتها مجدداً إلى زمام السلطة .. وسيجعلونها بالفعل حرةً ونزيهة (وباشرافٍ دولي) لأنهم سيضمنون فوزهم في هذه الحالة وعودتهم إلى التسلط بأسماء غير “المؤتمر الوطني” وشخصيات غير التي سادت في السابق وأسقطتها الثورة ..
الثقة ، لا تحدها حدود ، أن شباب الثورة في لجانهم وتنسيقياتهم الممتدة بامتداد القطر ، منتبهون لهذه المعادلة ، وأنه لا قيد على الفترة الانتقالية ، فالعبرةُ بانجاز الانتقال (بمهامه الضخمة) وليس بعُمْر الفترة .. وفي هذا الانتباه يكمن القصاص الحقيقي لشهداء الثورة ، الاعتصام ، المسيرات ، (الشهداء العِظام) ، والانتصار لهم بتحقيق الأهداف التي عشقوها لوطنهم فسكنوا في خُلْده للأبد .