“الهمباتة” أسلوب حياة منقرض

محمد إبراهيم
عرفت بوادي السودان مع نهاية عهد السلطنة الزرقاء، وبداية الحكم التركي المصري للسودان مروراً بالبدايات من الحكومات الوطنية ،ظاهرة “الهمبتة” وأطلق على المشتغلين بها اسم “الهمباتة”.
ومفهوم الهمباتة هو أنها طريقة في الحياة تقوم على نهب وسلب الإبل عن طريق الغزو والإغارة أيضاً، والهمباتة هم جماعة من مختلف القبائل البدوية لديهم قيم وأعراف تحكمهم، ومن أشهر الهمباتة في السودان (الطيب ود ضحوية، طه الضرير ، أحمد تيراب ويوسف ود عاب شبيش).
الدلالة
المؤلف شرف الدين الأمين عبد السلام قال في كتابه “دراسات في الثقافة والفولكلور” : “إن لفظ الهمباتي مأخوذ من لهجة عرب غرب السودان، ويرادفه لفظ “مهاجري” أو “نهاض” في بادية البطانة في وسط السودان، وسروجي في بادية كردفان”.
شرف الدين أوضح الاختلاف ما بين اللصوص والهمباتة الفرق الأول لدي الهمابتة كون معظمهم من أسر كريمة وليسوا فقراء ،وذكر أن الهمباتي لديهم قواعد راسخة من أبرزها (أخذ الإبل فقط) .
ولا ينهبون الإبل التي لا توجد بها حراسة، ولا يأخذون مال النساء واليتامى، ويأخذون مال الغني بالقوة ويعطونه للفقراء،ولا ينهبون بما يسمونه بـ”جمل الشيخ عبد القادر”، ولا ينهبون قبيلتهم وجيرانهم.
مرفوض مجتمعياً
مع دخول الحكومة الوطنية عام 1956 رفض المجتمع السوداني بقوة ظاهرة الهمبتة، حيث يفسر البعض ذلك بإنتهاء المبررات التاريخية والسياسية التي دفعت إلى ظهوره ثمّ شعبيته في المقام الأول.
وكان من تثبُت عليه “تهمة الهمبتة” ينبذه المجتمع وتُرفض زيجته وأحياناً يُهدر دمْه أو يُعدم على يد الحكومة بأوامر من الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري.
وفي عام 1989، ومع مجيء حكومة الإنقاذ بدأت تختفي ظاهرة الهمبتة تماماً، وُضعت قوانين تجرّم السرقة والنهب بعقوبات تصل للإعدام.
وكان من إرهاصات هذا التعامل الحاسم مع تلك الظاهرة أن جعلت البعض يتركها خائفاً مثل الهمباتي عبد العزيز أبو عسيلة الذي تم سجنه لمدة ستة أشهر لمجرد الاشتباه في كونه همباتياً.
السخرية من العاطلين
من أبرز شعراء الهمباتة “الطيب ود ضحوية” والذي ملأ الدنيا ضجيجاً بأشعاره، وكان يسخر من العاطلين الراضين بحياة الذل والفقر.
مفاخراً إياهم برفاقه الشجعان واصفاً الهمباتي بأنه “الولد” الذي يسري الليالي واضعاً ساقيه واحدة فوق الأخرى على ظهر جمله “أبو قوائم” ، وهو يحمل قربته “وعاء يوضع فيه الماء يصنع من الجلد المدبوغ”، كما يحمل ذلك النوع الفاتك من السلاح “أب كسرة” فشتان ما بينه وبين الخاملين “ناس يمه” الذين لا هم لهم غير أن يطالبوا أمهاتهم بالمزيد من الطعام.
ولداً بطبـق المسـرى فوق المسرى
يخلف ساقو فوق ضهر
ابو قوائم ويسرى
حقب قربينو فوق جربانو خت ابكسرة
فرقاً شتى من ناس يمه
زيدي الكسرة
وكذالك يسخر من المتأنقين الذين لا فخر لهم غير نظافة ملابسهم ولف عمائمهم، ويقول:
ناس قدّر الله بـي الحلة مكبريــن عمامـن
عدمـو الصيبة والزول
ابعوارض لامن
اندرجو الصناديد والضرير قدامن
نوو العودة لي المسكين
عواد ايامـن
خرطوم أستار