مقالات متنوعة

بُقجة الرئيس

الصورة الساخرة لخال الرئيس الطيب مصطفى المتداولة وهو يحمل ” بقجة ” على ظهره المثقل بأحمال ثلاثين سنة من الجرائم ، كانت صورة معبرة عنه وعن سواه من مجرمي النظام وهي رسم إيحائي بليغ جاء بعد إبداء الطيب قلقه في برنامج تلفزيوني من تدهور الأوضاع والوصول لمرحلة القتال الذي يدفع أبناء الوطن للنزوح ..
لكني وأنا أتأمل هذا الرسم المدهش تعجبت لهذا الرجل عديم الضمير وضعيف الذاكرة وخفيف العقل الذي أول ما فكر فيه هو حمل ” البقجة ” .. ولم يفكر في الموت داخل الوطن أو في أولئك الذين كان سببا في حملهم للبقج ثلاثين عاما..
الطيب لم يكن له من اسمه نصيب وهو يحرض سفهاء قومه وجهلة حزبه ومجرمي نظامه على القتل .. نسي الآن وهو يسمع صخب المظاهرات الهادرة والتي لا تحمل بندقية ولا تتمنطق بالأحزمة الناسفة ولا تتقدمها الدبابات ولا تدعمها الطائرات بل يشق هتافها عنان السماء وهي تردد ” سلمية سلمية .. ضد الحرامية ” .. نسي الطيب أن نظامه كان يفاخر بإلقاء القنابل على أكواخ الخشب والرواكيب ومنازل الطين البسيطة ويصب عليهم حمم نيران براكين غضب ” المجاهدين” كما كان يسميهم تضليلا..
كان الأطفال والشيوخ والنساء يسمعون أزيز الطائرات وهدير المدافع وزخات الرصاص وهم عزل إلا من الصراخ والدعاء على الظالمين .. نسي قصف دارفور وحروب الجنوب والنيل الأزرق وقتل الناس شرقا وغربا وإعدامات الشباب في حر مالهم وقتل من تمردوا على نظامه ليلة العيد وسفك دماء من اعترضوا على مشروع وقتل التلاميذ في قلب العاصمة في سبتمبر ..
نسي صور مآسي الفارين من نيران نظامه الغاشم .. الهاربين من جحيم سلطته وسلطانه .. نسي المغادرين قسرا وهلعا وهم يحملون القليل مما استطاعوا من ” بُقج” فيها ما يستر الجسد بحده الأدنى متوجهين نحو معسكرات النزوح عسى أن يجدوا مكانا تطمئن فيه أنفسهم ويحتمون فيه من الموت الذي يحلق فوق رؤوسهم.. تركوا ديارهم هربا ومن عجز من أهلهم من الأطفال والشيوخ عن المسير يموتون جوعا ورعبا وتفرقوا شذر مذر ..
نسي الطيب أن العالم كله صوّر وسجل ووثق مأساة هروب السودانيين على أيديهم فمن لم تشرده الحرب شرده الفقر ..
الطيب يرى ويبصر جحافل الهاربين من جحيم نظامه غير أولئك الذين سفكت دماءهم آلة الحرب اللعينة التي كان هو بشحمه ولحمه أحد محركيها والحرب المدمرة التي كان من أبرز نافخي كيرها ومشعلي جمرتها وكان في مقدمة الذين يصبون عليها الزيت ويجمعون لها الحطب كلما خمدت نارها وخبا أوارها ، تفاخرا بإنجاز عظيم !!
الطيب يرى ويسمع صراخ الهاربين عبر بحار الموت ومعظمهم من الهالكين .. الطيب يرى ويسمع أبناء السودان وهم في ريعان شبابهم الذين حملوا ” حقائبهم / بقجهم ” وهم يجلدون ويهددون بالإعدام بعد أن وقعوا في أيادي تجار البشر في صحارى ليبيا !!
الأن تخوفون الشعب بما تزعمون من خشية حدوث فوضى بعد أن أوصلتم البلد بصلفكم وتخريبكم وغروركم لمرحلة لا يمكن التراجع عنها فخرج الشعب في استفتاء مبكر ليقول بلسان واحد مبين ” الشعب يريد اسقاط النظام .. وتسقط بس ” لكن يبدو أنكم تراهنون إما أن تسقطوا أو يسقط الوطن على رؤوس أبنائه.
إن ما جرى في ليبيا وسوريا وغيرها كان بسبب الحاكم لا بسبب الشعب المغلوب على أمره حين يبقى الحاكم الخيار بينه والشعب هو الاحتكام للبندقية .. ويبدو أنكم على طريقهم سائرون .. بل كنتم أنتم من ساهم في إضرام المزيد من النيران في تلك الحروب في سوريا وليبيا تحديدا وساهمتم فيها بالمال والسلاح والمقاتلين “المجاهدين” كما تزعمون الذين أصبحوا مجرد ” فطايس”.
نبشركم أن الشعب يعي المخاطر المحدقة بالوطن وأولها استمرار وجودكم في السلطة وأبناء السودان تواثقوا على إسقاطكم ليعود للسودان وجهه المشرق وتضع الحرب بين بنيه أوزارها ويعود مهاجروه لحضن الوطن لبنائه وتنميته وبديلهم الذي يرضي الجميع هو دستور دائم جامع مانع يوفر حقوق المواطنة ويحمي الحريات ويحقق العدالة والمساواة بين أبناء الوطن الواحد ويقطع الطريق على أمثالكم للعودة للحكم.
الأمر الآن بسيط جدا فإن كنت تخشى من حمل” البقجة ” والتشرد بل وتشريد ما تبقى من ” الشعب الفضل ” فانصح ابن أختك ليغادر مسرح الحكم وليستعد لمحاكم السلطة الشعبية العادلة .. انصحه ليكف عن سفك المزيد من الدماء .. وكفاكم فقد ولغتم في دماء الناس حتى ارتويتم ولا نعرف بأي وجه ستقابلون ربكم ولا نعرف كيف ستدافعون يومذاك حيث لا ” صيحة ولا إنتباهة ” حين يقبل بعضكم على بعض تتلاومون و( يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا * يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا * نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ).. فما ظنكم بمن لبث ثلاثين عاما يسفك الدماء ويفسد في الأرض !!؟
عليك أن تحمل ” بقجتك ” وترحل وجهز” بقجة الرئيس ” ليرحل” غير مأسوف عليه وتذكروا فقط أولئك الذين أرغمتموهم على الرحيل ولم يقو معظمهم على حمل ” بقجة ” ، ذلك إن نجا من لهيب نيرانكم ..
لترحلوا يا أصحاب ” البقج ” فإني أكاد أرى سيد نعمتك ومن معه من بطانة السوء الفاسدة يسمعون هدير الشوارع وينظرون للجماهير نظر المغشي عليه من الموت .. ويرددون ” وين البقجة ؟ وين البقجة ؟ ” وأنتم تختصمون ” بقجتي وبقجتك ” ولكنكم لا تعرفون إلى أين المسير أوالمصير !!  .

أبو الحسن الشاعر <[email protected]>

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..