تقرير المراجع القومي.. جارٍ البحث!

الخرطوم: علي وقيع الله
لم تذهب الأرقام الحسابية التي دونتها أحبار ديوان المراجعة القومي إلى أدراج البحث، ولكن تبددت طموحات وأمنيات كان يجهر بها الشباب نحو مستقبل نضر نتيجة للفساد الذي استشرى كثيراً في الآونة الأخيرة، وما بين الوجود والغياب تفقدت الدولة إطلالة تقارير ديوان المراجعة القومي التي تعكس الأداء المالي للمؤسسات والهيئات الحكومية في أروقة الدولة من خلال تقارير معتمدة يعدها ويقدمها المراجع القومي، كما كان يحدث في السابق، وفي ظل غياب طويل للسلطة التشريعية كان ينبغي أن يتم عرض التقارير على مجلسي السيادة والوزراء بصورة دورية من كل عام باعتبار أن هذا أمر ذو أهمية كبيرة على الصعيد الاقتصادي بجانب أهمية توضيح وتمليك وسائل الإعلام والرأي العام كل حالات الفساد والتعدي على المال العام بصورة واضحة وشفافة، ويعتبر ديوان المراجعة القومي ذو أثر كبير في ترقية الأداء المالي المؤسسات الحكومية عن طريق الرقابة على المال العام، بل والقيام بمراجعته بدقة وانتظام، وحول هذا يرى مختصون وخبراء اقتصاديون أنه يستوجب استمرار عمل المراجع العام لأن كثيراً من المعلومات تشير إلى غياب الرقابة الإدارية والمالية.
لا يملك سلطة
وطبقاً لمصادر موثوقة، قالت إن قانون ديوان المراجع القومي ينص على إعداد تقرير عن الوحدات الخاضعة للمراجعة بعد مراجعتها وإرسال نسخ التقرير بنتائج المراجعة للوحدات بالمراجعة، وأردف المصدر: ينص أيضاً على إعداد تقرير عام عن نتائج مراجعة حسابات الدولة الولائية والاتحادية لجميع الوحدات وبالتالي عادة ما يتم إيداعه لدى السلطة التشريعية خلال تسعة أشهر من نهاية السنة المالية وذلك بعد أن تلتزم الوحدات بتقديم الحسابات خلال ثلاثة أشهر من نهاية السنة المالية، ووفقاً للمصدر على حسب تجري العادة بعد الإيداع بعد إعداد المراجع العام خطاب يحوي أهم نتائج المراجعة ومحتويات التقارير يتلوه على الأعضاء في جلسة تخصص لذلك بالمجلس التشريعي، وأشارت المصادر في حديثها لـ(اليوم التالي) الى أنه في السابق أعد الديوان تقارير المراجعة وسلمها للوحدات بعد الفراغ منها ثم أعد تقارير عامة عن حسابات الدولة بملخص نتائج المراجعة للعام ٢٠١٨ وتم إيداعها لدى مجلس السيادة الانتقالي بغرض عرضها على السلطة التشريعية (الاجتماع المشترك) حسب الوثيقة ولم يتم البت فيها، وتضيف المصادر في حديثها للصحيفة أنه قام الديوان بمراجعة العام ٢٠١٩ وسلم الوحدات تقاريرها وأعد التقرير العام عن حسابات الدولة اتحادي وولائي وأودعها لدى مجلس السيادة رغم تأخرها حسب نص القانون، ونوهت إلى أنه رغم الظروف الصحية التي مرت بها البلاد إلا أنها أودعت ولم تتم مناقشة المراجع العام فيها ولم تحدد له جلسه لإلقاء خطابه، وتكشف عن أن الديوان خلص من خطة مراجعة العام ٢٠٢٠ وسلم الوحدات تقاريرها وقد تأخر أيضاً التقرير العام الذي يودع للسلطة التشريعية بسبب ظروف الجائحة والأحوال السياسية بجانب الإضرابات التي نفذها المراجعون، إلا أنها عادت مؤكدة متابعة سير إعداده وهو الآن في مراحله النهائية، متوقعة إيداعه قبل نهاية العام الجاري، وتؤكد أن ديوان المراجعة القومي جهاز يعمل باستقلالية ويعمل وفق قانونه، لكنها وصفت وضعه بالمرتبك.. في الوقت نفسه قللت المصادر من أداء واجب ديوان المراجع وهو لا يملك سلطة أبعد من إيداع التقرير لدى السلطة التشريعية ولا توجد سياسة واضحة لنشر تقاريره على الوسائط قبل مناقشتها بواسطة السلطة التشريعية.
دفعة واحدة
يقول الباحث الاقتصادي الدكتور هيثم محمد فتحي عبر إفادته لـ(اليوم التالي): بالنسبة لدواوين الحكومة عموماً ومنذ التغيير الذي حدث واستلام الحكومة الانتقالية لمقاليد الحكم في السودان هناك كثير من الهياكل التشريعية والتنفيذية والقضائية لم تكتمل بعد وإذا كانت تقارير المراجع العام تقدم للجهة البرلمانية والآن كثير من هياكل الدولة ناقصة وبالتالي أين يقدم المراجع العام تقاريره ولمن يقدمها هل لمجلس السيادة أم إلى مجلس الوزراء فضلاً أن المراجع العام في الأصل مراجعاً عليها، وأعتقد في حال اكتمال هياكل السلطة الانتقالية عموماً وتكوين برلمان بأي مسمى من المسميات يكون تشريعي رقابي على الحكومة، وبالتالي أفتكر يتسنى للمراجع العام تقديم كل هذه التقارير دفعة واحدة، وفي الوقت ذاته يشدد د. هيثم على استمرار عمل المراجع العام لأن كثيراً من التقارير تشير إلى أن هناك عدم رقابة إدارية ورقابة مالية، ويرى أن ديوان المراجعة القومي كجهة رقابية عليه أن يبذل جهداً كبير على تجهيز التقارير، ويتوقع أن تقدم في أي وقت لأول برلمان معين أو منتخب قادم أو حتى يمكن أن تقدم بأثر رجعي.
قصور كبير
ويقول المحلل الاقتصادي الدكتور محمد الناير: بالتأكيد هناك قصور كبير جداً خلال المرحلة الانتقالية في عدم تقديم تقرير المراجع القومي للسلطة التشريعية في البلاد، كما كان يحدث في السابق، وتابع: يفترض في ظل غياب المجلس التشريعي أن على مجلسي السيادة والوزراء مع بعضهما البعض أن يشكلا بديلاً لمجلس تشريعي مؤقت، وقال د. الناير في تصريح لـ(اليوم التالي): يفترض هذه التقارير تعرض على مجلسي السيادة والوزراء بصورة دورية كل عام باعتبار أن هذه مهمة جداً لتوضح وتملك وسائل الإعلام والرأي العام كل حالات الفساد والتعدي على المال العام بصورة واضحة وشفافة من خلال تقرير معتمد يقدمه المراجع القومي، وأفتكر أن هذا خلل كبير جداً وهذا يوضح عدم الشفافية وعدم الوضوح وعدم تمليك الرأي العام البيانات بصورة كاملة ليس هذا فحسب، بل حتى تقارير ربع السنوية لأداء الموازنة العامة للدولة لم تعرض بصورة دورية وكان يفترض أن يكون ذلك كل ربع سنة من شهر أبريل يعرض الربع الأول للعام وفي شهر يوليو يعرض النصف الأول وفي شهر أكتوبر تعرض الـ9 أشهر الأولى ومن ثم في نهاية العام يعرض الأداء لعام كامل في السابق، وبحسب حديثه إن هذا لم يحدث، بل أثر سلباً على غياب المعلومة وعدم تمليك وسائل الإعلام مستوى الأداء بالنسبة للموازنة العامة للدولة كما تم تعديل الموازنة العامة قبل شهرين أو أكثر ولم يعلن عن رقم واحد وتساءل: ما هي الدوافع التي دعت إليها تعديل الموازنة وكم المبالغ التي تم تعديلها، وذكر أن كل هذه الأشياء تشير إلى عدم الشفافية وعدم الإفصاح بصورة أساسية، وأعرب عن أمله في أن تكون الفترة الانتقالية أكثر وضوحاً وشفافية من النظام السابق، واستبعد لا يكون هذا واقعاً ملموساً إلا بعد تقديم تقارير المراجع القومي عن السنوات الماضية التي لم يقدم عنها أي تقرير ثم تقدم تقارير خاصة بأداء الموازنة حتى نعلم موقف موازنة 2021 التي يفترض أن تبنى عليها موازنة العام 2022.
تسرب التقارير
وبحسب عضو التحالف الاقتصادي الدكتور حسام الدين حسن إن التغيير من مراجع عام إلى مراجع عام ثوري لم يكن الكافي طالما الخط الثاني أو الثالث من المراجعين لم تستطع تغييره وهذه مشكلة، ليست موجودة في ديوان المراجع العام وحده وإنما موجودة في كل الوزارات، وقال في تصريح لـ(اليوم التالي): سبق للجنة إزالة التمكين التحقق من أعمال التقارير ولكنها فشلت بسبب المحاصصات، وتابع أن مجلس السيادة لم يناقش التقارير لجهة أن هناك لجنة تسييرية أطاحت النائب العام للمراجع القومي، لكن من المفترض أن تسرب التقارير في حال تجاهل مجلسي السيادة والوزراء بأي طريقة كانت حتى يعرف الشعب وبالتالي يمارس معك الضغط على مجلسي السيادة والوزراء باعتبارهما مجلساً تشريعياً مؤقتاً، وأعاب على إدارة المراحل الثلاث للحكومة الانتقالية ما قبل الانقلاب، واصفاً إياها بالضعيفة وهذه واحدة من الأسباب التي أدت إلى تمدد الانقلاب ليكون لديه الجسارة والشجاعة لانتهاك الوثيقة الدستورية.
اليوم التالي