مقالات وآراء سياسية

 الخيار الثالث !

حسين عبدالجليل

 

مع مابدأ يتبلور من أصطفاف خجول  للمجتمع الدولي خلف أتفاق حمدوك مع الانقلابيين , فمن الحصافة أن تعيد قوي الثورة ترتيب أولوياتها بموجب المعطيات الجديدة و ذلك دون أي تساهل في أهدافها الرئيسية , وهي حكم مدني كامل يخضع فيه الجيش – الذي يجب أن يكون جيشا واحدا –  لقيادة المدنيين وتتم فيه محاسبة كل القتلة الذين سفكوا دماء الثوار .

 

ترتيب الاولويات دوما مايبدأ بتحديد مالاتريد حدوثه . وهو هنا الكارثة الكبري التي  سيكون لها تداعيات كبيرة في المستقبل أن واصل الانقلابيون خداعهم للمجتمع الدولي , وتم دعم المجتع الدولي الكامل لهم ولخطتهم لتفصيل دستور للسودان علي مقاس حميدتي- البرهان لخوض أنتخابات لرئاسة الجمهورية في يوليو ٢٠٢٣ . هذا هو الكابوس الذي يجب الحذر منه , لأنه في مثل تلك الانتخابات الرئاسية سيفوز صاحب المال والنفوذ ,  وهو معروف للجميع وسيعاد صناعة تجربة  سيسي مصر في سوداننا الحبيب لاقدر الله .

 

أذا كان ذاك مالاتريد قوي الثورة حدوثه , فماذا هي فاعلة ؟  التظاهرات التي يمكنها أسقاط النظام علي المدي الطويل يمكنها أن تتواصل وهذا حق مشروع للثوار . ولكن بالاضافة لذلك عليها القيام بفعل أيجابي آخر.

 

الفعل الأيجابي الذي أعنيه  هو  خلق رأي عام ضاغط  للحيلولة دون نجاح العسكر في تفصيل دستور علي مقاسهم , يسمونه دستورا  دائما وتتم بموجبه الانتخابات في نهاية الفترة الانتقالية . الفعل الأيجابي  سيبين صعوبة توافق السودانيون علي دستور دائم للبلاد خلال ماتبقي من عمر الفترة الانتقالية الحالية . مااعنيه  بصفة “دائم” للدستور  هو أن يُقَدر لذلك الدستور الاستمرار لعشرات السنين القادمة , مثل الدستور الامريكي . هنا يمكن كسب حمدوك نفسه لهذا الرأي فهو دائما مايردد بأن المطلوب هو التوافق علي “كيف يُحكم  السودان  ” وليس “من يحكم السودان “.  ولا يتم ذلك , اي كيف  يُحكم أي  بلد  في العالم  (السودان نموذجا) ؟ الا عبر دستور متوافق عليه.

 

هذا ما أدندن حوله في هذا المقال   أي أن تجعل القوي الثورية كل همها وتكيكاتها ونضالها موجها نحو  كتابة دستور ديمقراطي دائم  متوافق عليه بين غالبية  السودانيين .  كل ماعدا ذلك ماهي الا اهداف ثانوية ستتحقق لاحقا أن  تم كتابة و أعتماد  دستور دائم يتوافق عليه معظم السودانيين .

أعرف طريقتين لكتابة الدساتير . أحدهما قيام لجنة معينة من القانونيين والاكاديميين وغيرهم بكتابة مسودة للدستور , تجيزها السلطات الحاكمة , ثم تعرضها في أستفتاء شعبي عام للتصويت عليه ب “نعم” أو “لا” وهذه هي الطريقة المتبعة في معظم بلدان العالم الثالث (مصر السيسي نموذجا) . الطريقة الثانية (هي مافعله الاباء المؤسسون للولايات المتحدة الامريكية)  هي أن تقوم كل ولايات القطر بانتخاب مناديب لها للجنة كتابة الدستور , يجتمع مناديب الولايات المختلفة ويتوافقوا علي كتابة دستور  , يعرض لاحقا للتصويت عليه في كل الولايات . بالطبع ماأتمناه لبلدي هو الطريقة الثانية . أي أن تنتخب كل ولاية أو أقليم ممثلين يمثلونها في لجنة كتابة الدستور .

 

هل يمكننا فعل ذلك فيما تبقي من الفترة الانتقالية؟ (أي انتخاب مناديب من الولايات وكتابتهم للدستور , اجازته قبل يوليو ٢٠٢٣) وان لم يكن ذلك ممكنا , ماذا علي القوي الثورية أن تقترح للأمة السودانية ؟  هل ستقترح  خوض انتخابات يوليو ٢٠٢٣ بموجب دستور ماقبل انقلاب البشير ؟ وفي هذه الحالة ستقفل الباب , ربما مؤقتا ,  أمام طموحات حميدتي أو البرهان برئاسة الجمهورية لان النظام سيكون برلمانيا (سلطة تنفيذية برئاسة رئيس وزراء)  وذلك حتي اجازة الدسنور الدائم فيما بعد .

يمكن أن  يتم التصويت علي انتخاب مناديب الولايات / الاقاليم للجنة الدستور   ضمن انتخابات يوليو ٢٠٢٣ . وفي هذه الحالة سيكون من المفيد أن تشارك كل قوي الثورة بفعالية في الانتخابات البرلمانية وانتخابات أختيار مناديب الولايات الاقاليم للجنة كتابة الدستور . وسيمكنها  ان تكتلت في كتلة واحدة أن تكسب الانتخابات البرلمانية , تختار رئيس وزراء مابعد يوليو ٢٠٢٣ ,  تحوز علي أغلبية المناديب الذين سيكتبون الدستور الدائم للبلاد , تقضي علي خطر  فوز البرهان او حميدتي برئاسة الجمهورية , كما و يمكنها آنذاك محاكمة كل قتلة الثوار (اذ أنه من المستحيل  محاكمتهم خلال الفترة الانتقالية الحالية) .

 

ماطرحته اعلاه هو رؤية شحصية لي ربما تصيب وربما تخطئ ,  ولكن الغرض منها هو أن تواكب قوي الثورة المتغيرات , مع الحفاظ علي ثوابتها . وتستفيد من رأسمالها الضخم في الاعجاب الشديد بها عالميا لتلعب اللعبة السياسية بحذاقة وصبر  بعيدا عن الجمود والتكلس , طالما هي لم تتنازل عن ثوابتها .  ولها في نضال الافارقة بجنوب أفريقيا  واللبراليين واليساريين في شيلي قدوة حسنة.

[email protected]

‫5 تعليقات

  1. يا أستاذ حسين أولاً فكرة أن يوضع دستور تحت سيطرة هذا النظام الانقلابي الذي في يده كافة أدوات تزوير وتزييف الانتخابات لصالحه – فإذا هم قادرون على التحكم في نتيجة الانتخابات وعلى نتيجة الاستفتاء على الدستور فإنهم، ومن باب أولى، يستطيعون التحكم في مسودة الدستور وصياغته، سواء كانت الجهة التي تتولى كتابة الدستور بحسب تعبيرك (لجنة) مناديب ولايات أو لجنة خبراء (وقد رأينا كلنا نوعية الخبراء المتهافتين على الدفاع عن الانقلابيين في الفضائيات وتبرير حتى قتلهم للشباب العزل في مسيراتهم السلمية بشهادة العالم) – فهذه اللجان هم سيسيطرون حتى على اختيار أفرادها ولو جاء من كل ولاية خمسون ممثلاً – فأدوات الإغراء والتهديد كلها في أيديهم ليست فقط كأدوات مادية متمثلة في جهاز الدولة بل ومجموعات دعم بشرية من فلول الدولة العميقة والتي لا يقتصر دعمها في العمل المادي الوظيفي فحسب بل والتزييف والتعتيم الإعلامي وتزوير الحقائق وحجبها والكذب على الشعب بمثل ما جرى ويجري بخصوص الإنقلاب الأخير وتصويره بأنه تصحيح وتزوير حيثياته باختلاق مبررات ووقائع كاذبة الجميع يعلم ذلك ولكن الانقلابيين يظنون من خلال خبرائهم ومستشاريهم أن بإمكانهم فرض ما يرون بالمال والسلاح والقتل أو لا يستحون من كذب ما يدعون.
    إن الدستور الذي يستفتى عليه الشعب في نهاية الفترة الانتقالية يفترض أن ينجز كآخر مهمة من مهام الحكم الانتقالي المدني وذلك تفكيك تمكين النظام البائد وكنس آثاره واسترداد مال الشعب منه (شغل لجنة الإزالة والتفكيك واسترداد المال العام) ومحاكمة القتلة المجرمين سواء كانوا في العهد البائد أو بعد الثورة وحتى اليوم – ثم استكمال مؤسسات الدولة وتكوين المفوضيات وأهمها مفوضية الدستور التي تجمع الآراء حول الدستور ثم تدعوى إلى المؤتمر الدستوري الجامع لمناقشة كافة الأفكار حول الدستور وطبيعته ومحتوياته التي تحدد نظام الحكم وتقوم عليها قوانين الانتخابات ومفوضيتها والإحصاء السكاني وقانون الأحزاب إن وجد (في حالة طرح خيارين أو أكثر في الدستور للاستفتاء عليها بشأن شكل الديمقراطية – المباشرة أم غير المباشرة – واذا كانت حزبية فبأي النظامين: الحر المباشر أم التمثيل النسبي؟
    ولا يخفى عليك يا أستاذ أن كافة هذه المهام تحتاج إلى حكومة انتقالية مكتملة المؤسسات وتعمل في جو كامل من الحرية والاستقلالية في ظل سيادة القانون الذي لا يعلو عليه أحد مهما كان موقعه ورتبته وأن تنضبط كافة الوحدات العسكرية وقادتها تحت إمرة القائد الأعلى لها وهو رئيس الوزراء المدني المسئول من دمجها في جيش واحد أو تسريحها وجمع أسلحتها وكافة الأسلحة التي عند الفلول والتي كان قد وزعها النظام السابق على مليشياته وما زالت لديهم ومنهم الموظفون والقضاة والعمال الذين طالتهم لجنة الازالة أو لم تطلهم وهو أمر لم تنتبه إليه نرجو استكماله بعد عودتها بإذن الله.

    1. تحياتي اخ الكلس :
      تجدني متفقا معك تماما.
      فالمقال هدفه الاساسي هو التحذير من نجاح العسكر في تفصيل دستور علي مقاس حميدتي/البرهان و النجاح في تمريره و بموجبه تقام انتخابات رئاسيه في نهايه الفتره الانتقاليه سيفوزون بها .

      لتجنب تلك الكارثه كانت فكرتي هي ان تقترح قوي الثوره قيام انتخابات يوليو ٢٠٢٣ بموجب الدستور الذي ساد قبل انقلاب البشير وهو دستور اعلي سلطه فيه هي رئيس وزراء منتخب و ليس رئيس جمهوريه كما يحب البرهان/حميدتي وذلك لاستحالة التوافق علي دستور دائم قبل يوليو ٢٠٢٣ . و تخوض قوي الثوره انتخابات ٢٠٢٣ في كتله متحده ستمكنها من الحكم و صياغه الدستور الدائم (بعد الانتخابات) الذي اتمني ان يتم اعداده بواسطه مناديب ولايات يتم انتخابهم .

  2. ((فكرتي هي ان تقترح قوي الثوره قيام انتخابات يوليو ٢٠٢٣ بموجب الدستور الذي ساد قبل انقلاب البشير وهو دستور اعلي سلطه فيه هي رئيس وزراء منتخب و ليس رئيس جمهوريه كما يحب البرهان/حميدتي))؟!
    طيب والذي يجعل من الممكن التوافق على دستور 1985م (انتفاضة 85) لماذا يمنع من التوافق على دستور أفضل منه؟؟ ألا يمكن أن نتوافق على دستور دائم بنظام برلماني ولا حزبي كمان ليقطع عشم العسكر والأحزاب معاً في السلطة والعودة بالبلاد إلى الشمولية مرة رابعة – فليست الأحزاب بأفضل من العسكر تربية الأنجاس … ولنا عبرة في السنتين الفاتو ديل اضطرونا لانقلاب عسكري ما كان يرد في خيال حتى معتوه ولكن مع ذلك أهو حصل بغض النظر عن صحة مبرراته لكنه ينسب السبب إلى سلوك بعض الأحزاب – ودا حالتو أحزاب لم تتمتع بسلطة انتخابية فما بالك لو جاءوا بقوة انتخابية فهل سيسمعون لغير أصواتهم في البرلمان وفي دواوين الحكم؟؟
    عليه فالمطلوب هو – بعد توفر الظروف المواتية من الأمن وسيادة حكم القانون وتوقف القتل وجمع السلاح ووبث الحريات العامة والصحافة وتحرير كافة وسائل الاعلام وتأمين المشاركة بالآراء في مفوضيات صناعة الدستور وأنظمة الإدارة وتقسيم البلاد ومفوضية الانتخابات والقوانين المتعلقة بها إلخ

  3. هل قرأت يا ستاذ هذا الخبر بالراكوبة اليوم بعنوان: (الحرية والتغيير: واجهات تتبع للانقلابيين خربت ندوة بحري):
    ((قامت عناصر تابعة للانقلابيين والواجهات المرتبطة بهم بتخريب آول ندوة جماهيرية دعت لها قوى الحرية والتغيير بميدان الرابطة بشمبات مساء اليوم الجمعة الموافق ١٧ ديسمبر ٢٠٢١، تعزيزاً للحراك الجماهيري التاريخي المناهض لانقلاب ٢٥ أكتوبر.))؟!؟
    هل تظن بعد هذا أن يترك الانقلابيون القوى المدنية من مجرد اقامة المؤتمرات والندوات والتصور الجماعي لما يجب أن يكون عليه الدستور وشكل الحكم والدولة في (في ظل حكم العسكر بل في مجرد وجودهم خارج إطار القانون ويفعلون ما يحلو لهم من قتل واخفاء قسري بما لديهم من قوة جيش وسلاح الشعب في أيدي فلول ضباطه وأوباش المليشيات التي لا تمت للبلاد بصلة أو تنتمي إلى حركات تخريب متمردة لا علاقة لها بعقيدة أي جيش وطني؟
    لابد من إزالة كل هذا الركام قبل التفكير في استكمال بقية مهام الفترة الانتقالية – ناهيك عن ترك الأمر لهم ليفرضوا علينا الدستور يصوغه خبراؤهم ومستشاروهم ويفصلونه عليهم!!

  4. https://www.alquds.co.uk/%D8%B4%D9%87%D9%88%D8%AF-%D8%B9%D9%8A%D8%A7%D9%86-%D8%A5%D8%B7%D9%84%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%A7%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%8A%D9%84-%D9%84%D9%84%D8%AF%D9%85%D9%88%D8%B9-%D8%B9%D9%84/

    أعلاه رابط الفيديو الذي بثته الفضائيات والذي جرى فيه الهجوم من السلطات الانقلابية بقنابل الغاز المسيل للدموع لتفريقه – فهل أصبحت حرية التجمع والرأي في خبر كان؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..