مقالات وآراء

الاستعمار ومهددات التنمية في القرن الإفريقي.. سد النهضة نموذجاً

كور متيوك
في كتاب أوروبا والتخلف في إفريقيا ”How Europe Underdeveloped Africa” يكتب والتر رودني عن كيف أسهمت أوروبا في تخلف القارة الإفريقية والإنسان الإفريقي والذي ما زال يكافح حتى اليوم للخروج من دائرة الفقر والحروب والجوع والتخطيط المستمر حول كيفية الحاق القارة بالدول المتقدمة والعالم الأول، يفند “رودني” التفسير الأوروبي للتخلف في إفريقيا والذي يربط دائماً بلونية الإنسان الإفريقي ويعتقد بأن سبب التخلف هو استنزاف القارة من ثرواتها الطبيعية وبينما يفترض أن يستفيد القارة من ثرواتها التي تم تصديرها الى الغرب! غير أنها تركت فقيرة متخلفة بالمقابل فأن الغرب شهدت نموا مطرداً في تعزيز صناعاتها وتأسيس أنظمتها للحكم وأن تجارة الرقيق على سبيل المثال أسهمت في تطور العديد من الصناعات مثل صناعة السفن والشحن وتطور الملاحة البحرية والجوية وتطور التكنلوجيا العسكرية وتقنية المعلومات ووسائل النقل بكافة أنواعها؛ يؤكد رودني أن الرأسمالية العالمية لن تسمح بنهوض إفريقيا لان ذلك سيقلل من حجم صادرات إفريقيا الى أوروبا وبالتالي التأثير على التقدم التكنولوجي والبحث العلمي وعلوم الفضاء التي تشهدها الغرب، ويرى الكاتب بأن تقدم الغرب جاء نتيجة لسيطرة الغرب على الممرات المائية.

في كتاب لماذا تفشل الأمم: أصول السلطة والازدهار والفقر ”Why Nations Fail: The Origins of Power, Prosperity, and Poverty” ولقد كتب هذا الكتاب عالمي الاقتصاد دارن أسيموجلو وجيمس أ. روبنسون، يناقش الكتاب القضايا المتعلقة بالفقر والعوامل التي تعرقل التنمية ودور هذه العوامل في إضعاف الدول المتخلفة وإفقار المجتمعات ويعطي عالمي الاقتصاد مثالاً لذلك الوضع في العديد من الدول الإفريقية مثل سيراليون وبورندي وتشاد وأثيوبيا…الخ وكيف أن تعزيز الأنظمة الاستحواذية أثرت على التنمية في هذه البلدان بشكلها الكلي ويعتقد الكاتبين بأن الحل الوحيد ليخرج هذه الدول من دائرة التخلف والفقر هي عن طريق تأسيس أنظمة شاملة ومؤسسات راسخة، وتوصلوا من خلال هذا الكتاب القيم الى حقيقة مهمة حول الاسباب الكامنة خلف الإزدهار والتطور في مدينة نوغاليس في ولاية اريزونا الامريكية بمقاطعة سانتا كروز والتخلف في مدينة نوغاليس في المكسيك في مقاطعة سونورا ويعتقد الكاتبين بأن الفرق بين المدينتين التي تفصل بينهما سور ليست أسباب ثقافية، او تاريخية أو لونية بل هي تعود في الأساس لنوعية المؤسسات المنشأة في هذه الدول وكذلك يقدم لنا مؤلفي الكتاب مثالاً بأوضاع المواطنين الكوريين في شطريها الجنوبي والشمالي حيث يعيش أولئك الذين في الجنوب حياة مزدهرة ومستقرة وتتوفر لهم كل فرص تحقيق النجاح في حياتهم العلمية والمهنية بينما لا تتوفر نفس هذه الفرص لدى أولئك المقيمين في الشطر الجنوبي، يرجع الكاتبين الأسباب الرئيسية للتخلف الى المؤسسات السياسية والاقتصادية في المدينتين او بالأحرى في الولايات المتحدة والمكسيك مما يعني أن لونية افريقيا السوداء ليس لها علاقة بالتخلف في القارة.

هنا نجد بأن كل من اسميوجلو وروبنسون يتفقان مع والتر رودني بأن التخلف ليس لها علاقة باسباب ثقافية او حضارية بل هي تعود في الاساس الى القهر الاستعماري والسيطرة المستمرة للموارد والثروات الافريقية وحرمان الشعوب الافريقية من الاستفادة من هذه الموارد بكافة السبل مثل دعم الحروب الاهلية كما حدث في رواندا في التسعينيات واليوم عندما تنظر الى ما حققها رواندا من تقدم وتطور مشهود فيمكنك الإدراك بأن الحرب الاهلية والإبادة الجماعية أخرت رواندا كثيراً عن الالتحاق بركب التنمية والتطور وكذلك الامر في اثيوبيا التي تذخر بالموارد الطبيعية والبشرية، إذن فأن الاستعمار كما تحدث عنها والتر رودني لن يسمح لدول القارة وخاصة في منطقة القرن الافريقي بالتطور والإزدهار الذي تحدث عنها مؤلفي كتاب لماذا تفشل الامم.
في الآونة الأخيرة شهدت منطقة القرن الأفريقي العديد من التطورات السياسية والامنية في الكثير من دولها مما مثل الكثير من التحديات للحكومات في الاقليم وزادت من معاناة المواطنين الذين تكبدوا مشاق النزوح داخلياً واللجوء لدى دول الجوار في دول مثل جنوب السودان في الخامس عشر من ديسمبر 2013م واثيوبيا التي اندلعت فيها الحرب الاهلية في نوفمبر من العام الماضي 2020م. في جمهورية السودان ما زالت هذه الدولة تعاني من صدمة ما بعد البشير حيث يسيطر الجيش والحركات المسلحة على المشهد السياسي مما ساهم في ارتفاع مستوى الجريمة بصورة خيالية في الخرطوم والتي تتضمن حالات نهب وخطف وقتل وانهيار شبه كامل لمؤسسات الدولة مما أثر على الاوضاع الاقتصادية التي كانت السبب في الإطاحة بالرئيس عمر البشير ونظام المؤتمر الوطني في ابريل من العام 2019 من قبل السودانيين الغاضبين في ما ألت اليه اوضاعهم الاقتصادية.

في جمهورية جنوب السودان الوليدة أدى الخلاف السياسي داخل حزب الحركة الشعبية الحاكم الى إندلاع الحرب الاهلية وأدى هذا الحرب الى مقتل الالاف من المواطنين الأبرياء وتشرد الملايين داخلياً وخارجياً، الحرب الاهلية في جنوب السودان دعت الاقليم خاصة دول الايقاد للتوسط بين الاطراف المتصارعة خاصة السودان واوغندا وكينيا وكان للدور الاثيوبي تاثيرها الكبير على توصل الأطراف المتصارعة الى سلام هش باعتبارها من الدول المحورية في المنطقة ومقر للاتحاد الافريقي وتكللت جهود الاقليم في التوقيع على اتفاقية للسلام في اغسطس ٢٠١٥ وفي يوليو ٢٠١٦ انهارت هذه الاتفاقية ليعود البلاد الى الحرب من جديد. في نوفمبر ٢٠٢٠ سجل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي زيارة مفاجئة الى عاصمة جنوب السودان جوبا وهي الاولى من نوعها منذ توليه مقاليد الامور في مصر 2014 وجاءت هذه الزيارة في الوقت الذي اندلع كان يقوم فيه الجيش الاثيوبي بعمليات عسكرية ضد المتمردين من اقليم تيغراي ردا على هجوم قام بها الحركة ضد القوات الفيدرالية الاثيوبية وسميت بعملية فرض حكم القانون ‘’Law Enforcement Operations in Tigray’’ ولقد أثار توقيت الزيارة الكثير من الأسئلة لدى المراقبين والمحللين السياسيين.

في تصريحات صحافية اكد المتحدث باسم الرئاسة المصرية أن المباحثات بين الرئيس سلفاكير ميارديت وعبد الفتاح السيسي تضمنت التأكيد على دور القاهرة في دعم الامن والاستقرار في جنوب السودان، وتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية المشتركة وكذلك التعاون في مجالات عديدة؛ ووفقا للمتحدث باسم الرئاسة فأن جنوب السودان امتداد للأمن القومي المصري، مؤكدا دعم القاهرة الكامل وغير المحدود لجهود حكومة جوبا في تحقيق السلام والاستقرار في البلاد فيما تطرقت المناقشات، أيضاً إلى استعراض آخر المستجدات بما يخص مفاوضات سد النهضة، حيث تم التوافق على أهمية التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم ومتوازن لملء وتشغيل السد. الأكاديمي والباحث في الشأن الإفريقي، الدكتور محمد أحمد ضوينا، في حديث صحفي للجزيرة نت اعتبر أن زيارة السيسي محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، قائلا: “هيمنة اثيوبيا على النيل الأزرق، شريان حياة النيل، من خلال سد النهضة، على حساب الإمداد المائي لدول المصب، وجه ضربة قوية لمصر”.

وأشار “ضوينا” إلى أن الخطوة الاُثيوبية جعلت مصر تخطو بقوة نحو محاولة بناء علاقات إستراتيجية مع دول حوض النيل، لاسيما أن نجاح سد النهضة في تحقيق النهضة لإثيوبيا سيشجع دولا كثيرة على إنشاء سدود، الأمر الذي سيكون كارثة حقيقية لمصر. لقد كانت الزيارة مهمة بالنسبة للحكومة في جوبا باعتبار السيسي اول زعيم عربي يزور جنوب السودان لكن ما ذهب اليه المتحدث باسم الرئاسة ترك الباب موارباً امام الكثير من الاسئلة حول المقصود بوصف جنوب السودان بالامتداد للامن القومي المصري؟ هذا يحتاج الى المزيد من التمحيص والتحليل والايضاحات عن كيف يكون جنوب السودان امتداد للامن القومي المصري، خاصة عندما ترى القاهرة تهدد باستخدام القوة العسكرية في حال فشلت مفاوضات سد النهضة لدواعي حماية الامن القومي وبالتالي فان التصريحات المشار اليها اعلاها مقلقة للغاية ويثير تساؤلاً إن كان بإمكان جنوب السودان أن يتخذ قراراتها باعتبارها دولة مستقلة وذات سيادة وتخطط وتنفذ مشاريعها الاستراتيجية والتنموية دون أن يؤثر ذلك على الامن القومي المصري.
أن مخرجات زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الى جوبا يشير بأن الكثير من القضايا ما زالت غير واضحة بالنسبة الى جوبا لذلك فأن حالة من الجمود ظلل علاقات البلدين بعد هذه الزيارة ولقد امضى الرئيس كير عاماً كاملاً قبل ان يقرر زيارة مصر في نوفمبر ٢٠٢١م أي أن جوبا احتاجت الى عام كامل حتى تقرر بأن الرئيس بحاجة الى زيارة القاهرة لمواصلة مناقشات القضايا ذات الاهتمام المشترك التي لم تكتمل في جوبا، وهذا إن دل على شيء فيدل بأن علاقات جوبا وأديس ابابا ذات حساسية فائقة وهي تحتاج الدراسة والتاني في إتخاذ اي قرار يمس او يضر بهذه العلاقات خاصة أن الكثير من المسئولين في جوبا والقادة العسكريين التاريخيين في الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان يبدون تعاطفا كبيراً مع دولة اثيوبيا نظرا للطفرات التنموية التي حققتها في الاونة الاخيرة وكذلك العلاقات التاريخية التي جمعت الحركة الشعبية لتحرير السودان والحكومات الاثيوبية المتعاقبة منذ فترات النضال .

منذ العام 1983 كانت اثيوبيا اول دولة تعترف بالحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان وقيادتها بل استضافت اديس ابابا المحادثات التي أدت الى التوقيع على اتفاقية 1972 للسلام لذلك فان الحكومة في جوبا تاخذ في عين الاعتبار حالة التعاطف الشعبي الكبير مع اثيوبيا فيما تمر بها من مؤامرات ويميل الكثير من القادة العسكريين في الجيش الشعبي لدعم اثيوبيا بدلا من معاداتها لذلك فان صانعي القرار لا يمكن غض النظر عن مالات الإنخراط العسكري في الصراع الاثيوبي المصري كما يحدث في السودان، لذلك يمكن الملاحظة أن الشهور الاخيرة بعد زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي شهدت الكثير من الزيارات بين جوبا واديس ابابا وتوقيع عدد من الاتفاقيات الامنية والعسكرية بين البلدين وهذا يشير بأن اثيوبيا لها أهمية استراتيجية بالنسبة لجنوب السودان على المستويين الشعبي والرسمي.

رغم هذه الاهمية غير أن النظام الحاكم ما زال يجتر من تجربة تعامل اثيوبيا مع الحرب الاهلية في جنوب السودان 15 ديسمبر ٢٠١٣ في عهد رئيس الوزراء الاثيوبي هايلي مريام ديسالين الذي مارس ضغوطا كبيرة على الحكومة في جنوب السودان لوقف الحرب والجلوس للتفاوض مع المعارضة السياسية والمسلحة، لذلك فأن جوبا تفكر في استغلال هذه الفرصة التي اوتيت لها من حيث لا تحتسب للانتقام وذلك رغم أن المصلحة الاستراتيجية لجنوب السودان تكمن في المحافظة على العلاقات التاريخية مع اثيوبيا والوقوف معها في هذه المرحلة العصيبة من تاريخها كما تفعل اريتريا غير أن المرارات ما زالت تقف حائلا بين جوبا واديس ابابا. في ختام فعاليات المؤتمر الخامس لحكام الولايات العشرة ورؤساء الاداريات الثلاثة في الفترة من 22- 29 نوفمبر 2021 علق الرئيس سلفاكير على الاوضاع السياسية والامنية في اثيوبيا قائلا: “ان المواطنين في اقليم تيغراي معرضون الى كارثة انسانية بسبب رفض الحكومة وصول المساعدات الانسانية الى المتاثرين بالحرب”.

في اكتوبر ٢٠٢١ إبان مشاركته في حفل تنصيب رئيس الوزراء الاثيوبي ابي احمد استذكر الرئيس كير الدعم الاثيوبي غير المنقطع للنضال في جنوب السودان حتى تحقيق الاستقلال وقال: “أنا هنا لالقاء التحية للشعب الاثيوبي وتهنئة اخي ابي احمد للفوز الذي حققه” ودعا كير الشعب الاثيوبي للاصطفاف بجانب رئيس الوزراء لقيادة البلاد نحو السلام والاستقرار واضاف ان الاستقرار في اثيوبيا مهمة جداً في جنوب السودان حيث لا يمكن أن يكون هنالك جنوب السودان من دون اثيوبيا ولا نريد ان يحصل ما حصل لشعب جنوب السودان مع الشعب الاثيوبي واكد انه لا يمكن أن يكون هنالك جنوب السودان دون اثيوبيا مؤكدا بان الشعب الجنوبي سيذهب حيث يريد الشعب الاثيوبي. أن الصراع الاثيوبي المصري حول سد النهضة يعيد الى الأذهان حديث “رودني” حول الرأسمالية العالمية حيث يعتقد بأنها لن تسمح بنهوض إفريقيا لان ذلك سيقلل من حجم الموارد التي تشحن من إفريقيا الى أوروبا وبالتالي التأثير على التقدم التكنولوجي والبحث العلمي والعلوم الفضاء التي تشهدها الغرب يرى والتر رودني بأن تقدم الغرب جاء نتيجة لسيطرة الغرب على الممرات المائية. كذلك يبدوا أن مصر تعتقد بأن نهوض القارة الإفريقية ومنطقة القرن الإفريقي ستضعف استراتيجياتها للبروز كدولة محورية وقوية في المنطقة لكن المهمة ليست يسيرة كما تصورها.

في الوقت الذي تقوم فيها مصر بتنفيذ عدد من المشاريع التنموية المهمة بالنسبة لجمهورية مصر العربية مثل العاصمة الإدارية الجديدة وبكل تأكيد فأن المشروع مصدر فخر بالنسبة لقطاع عريض من المصريين لكن في ذات الوقت فأن القاهرة تقوم بكل ما بوسعها لإعاقة تنفيذ مشروع سد النهضة التي تبتغي اثيوبيا عبرها الخروج من فلك التخلف والفقر التي تسبب فيها الاستعمار الغربي لكن بعض الدول في القارة قررت طوعاً لعب دور المستعمر وتقييد الدول التي تحاول النهوض بالقارة، أن دولتي مصر والسودان تحاولان فرض اتفاقيات تم التوقيع عليها إبان الحقبة الاستعمارية حيث لم يتاح لدول حوض النيل فرصة لإبداء مواقفهم بالرفض أو القبول فقط تعامل معهم الاستعمار البريطاني باعتبارهم دول وشعوب لا تستطيع التعبير عن نفسها أو تعرف ما في مصلحة شعوبها.

الآن القاهرة تعتقد أن دولة مثل أثيوبيا لم تصل بعد مرحلة تنفيذ مشروع ضخم مثل سد النهضة لذلك تارة تتحدث عن الخشية من انهيار السد وشكوك حول توفر المواصفات الفنية المطلوبة ولكن إن كان المصريون استطاعوا إنشاء السد العالي قبل نصف قرن وأكثر من الآن وبالتحديد في يناير 1960 فبالتأكيد فأن أثيوبيا قادرة اليوم على إنشاء عشرة سدود بمواصفات فنية عالية، لقد وصفت السد العالي بانها واحدة من أهم المشروعات العملاقة في العصر الحديث، بل وربما أهم مشروع في حياة المصريين وأعظم مشروع هندسي شيد في القرن العشرين حسب وصف الهيئة الدولية للسدود، لكن سد النهضة ستكون الأعظم في القرن الواحد والعشرون وستكون أهم مشروع في حياة الاثيوبيين والقارة الافريقية، اثيوبيا ليست مجرد دولة متخلفة بل هي ام الحضارة الانسانية كما توصل الشيخ انتا ديوب في كتابه “الأصول الزنجية للحضارة المصرية” ولم يتمكن أحد حتى الان في تفنيد ما توصل اليه من استناجات ودراسات حول الأصول المصرية والتي أرجعها حسب الشواهد التاريخية الى اثيوبيا وأن المصريين من أصول اثيوبية.

ونقتبس من الكتاب ما نقله “ديوب” عن ديودور الصقلى “يقول الاثيوبيون إن المصريين من بين جالياتهم التي أقامها اوزيريس في مصر، بل أنهم يزعمون أن هذا البلد لم يكن في بداية العالم سوى بحر، ولكن النيل الذي جرف في فيضاناته كميات كبيرة من غرين اثيوبيا ردمه في نهاية الامر وجعله جزءاً من القارة… ويضيفون قائلين أن المصريين أخذوا عنهم وعن مؤلفيهم وأسلافهم جانباً كبيراً من قوانينهم، وأنهم تعلموا منهم تبجيل الملوك كألهة، ودفن موتاهم في احتفال بمثل هذه العظمة؛ وإن النحت في الكتابة نشأ عند الاثيوبيين…” أن اعتقاد الاثيوبيين بأن المصريين من جالياتهم يعني بأن الاثيوبيين أسلاف للمصريين ويجزم “ديوب” بأنه لا مجال لإثبات بأن الحضارة المصرية استورد من اسيا بل الصحيح هي من افريقيا ومن اثيوبيا بالتحديد ويضيف الكاتب قائلاً بأن المصريون القدماء اعتبروا الاثيوبيون اقرباءهم وعندما إستولى شابكا ملك اثيوبيا على السلطة في مصر لم يعتبر مستعمر او غازي بل تم الترحيب به من قبل المصريين ولقد شهد مصر استقراراً في عهده.

أن الروابط التاريخية والحضارية التي تربط مصر واثيوبيا وتعود باصولها الى اثيوبيا تشير بوضوح بأن سد النهضة يقوم بإنشاءها دولة ذات حضارة ودولة أسهمت إسهام كبير في الحضارة الإنسانية وبالتالي يمكن الجزم أن سد النهضة في أيدي امينة وأن المصريين يجب أن يطمئنوا من ناحية توفر الكفاءات والخبرات المطلوبة وكذلك الامر في السودان وفي رايي فأن السودانيين ليسوا قلقين على سد النهضة أكثر من قلقهم على مستقبل شبابهم واولئك الذين سقطوا أثناء الثورة العظيمة وكذلك أكثر ما يقلقهم هي عودة الإسلاميين الى السلطة في الخرطوم وليس انهيار السد في اديس ابابا. البعض يعتقد بأن الحرب الدائرة في اثيوبيا اليوم هي مجرد حرب أهلية وصراع داخلي بل هي حرب من أجل الكرامة والسيادة الوطنية وتأكيد لاستقلاليتها. بينما تخوض الحكومة الاثيوبية حرباً مع المتمردين من اقليم تيغراي غير أنها ايضاً تدير أزمة الحدود مع السودان باعصاب باردة مدركة بأن السودان تمر بظروف سياسية وامنية خطيرة لا تسعف القادة السياسيين والعسكريين فيها على اتخاذ القرارات الصحيحة التي تصب في مصلحة الشعب السوداني وأن السودان في هذه الفترة لا تملك قرارها.

ربما سيقول قائل بإن السودان يملك قرارها وهي تتخذ قراراتها للدخول في الحرب نتيجة دراسة متكاملة الاركان ونحن نقول إن كانت تملك قرارها فأن أهم قرار يفترض أن يتخذها القائمين على أمرها هو إعادة الاستقرار السياسي والأمني وانعاش الاقتصاد السوداني الذي أنهكه حروبات المؤتمر الوطني والتي استمرت ثلاثة عقود لكن القوى الجديدة التي تولت السلطة في السودان ابت نفسها الى أن تبدأ التغيير بالحرب وتهديد جيرانها بالعمليات العسكرية كما كان يفعل نظام الرئيس البشير والذي قام بتصدير الارهاب الى كافة دول المنطقة والان يسير النظام الجديد في نفس الخطى حيث تخوض حرباً عبثية في الحدود مع القوات الاثيوبية حول تبعية منطقة الفشقة المتنازعة عليها ولقد تزامن فتح السودان لهذا الملف مع تصاعد الخلاف بين حكومة ابي احمد واقليم تيغراي، وتحاذي الفشقة اقليم تيغراي المضطرب وأفادت وسائل إعلام سودانية رسمية حينها بان السودان أعاد نشر قواته في منطقة الفشقة لاستعادة أرضه المحتلة وتموضعت قواته عند خط الحدود الدولية بينما اكد الفريق اول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني أنهم لن يتفاوضوا مع إثيوبيا إلا إذا اعترفت بأن الفشقة أرض سودانية اما رئيس الوزراء الاثيوبي ابي احمد فلقد قلل من مالات الحرب التي اعلنها الجانب السوداني واكد عدم استعدادهم للدخول في الحرب.

في شهر مايو ٢٠٢١ كشف كل من مصر والسودان عن مناورات عسكرية هي الأضخم من نوعها بين هذه القوات داخل الاراضي السودانية والتي جاءت نتيجة لفشل المفاوضات بين الاطراف الثلاثة حول سد النهضة حيث تحالف السودان مع مصر لاسباب اقتصادية تتعلق بحاجتها الى دعم مصر للحصول على تمويل عربي وخليجي لتحسين اوضاعها الاقتصادية في فترة ما بعد سقوط نظام الرئيس عمر البشير. وحول هذه المناورات العسكرية يعلق الخبير الاستراتيجي اللواء امين اسماعيل مجذوب قائلا: “المناورات تأتي في ظل مبادرات ووساطات بشأن سد النهضة وأزمة الحدود إلى جانب إعادة انتشار الجيش السوداني في الفشقة وحشد القوات الإثيوبية على الحدود ما يجعل المنطقة تشهد مرحلة ما قبل الأزمة” ويضيف أنه يجب التنبؤ بالأزمة جيدا وتلافيها سواء بالتفاوض أو الاستعداد القتالي، وذلك يستدعي تجميع كل القوى والتخطيط الإستراتيجي على مستوى عال لتوقع كل السيناريوهات وإعداد خطط الطوارئ لكل احتمال.

يمكن أن يفهم تعليق امين اسماعيل بان هذه المناورات هي نوع من الاستعداد القتالي بالنسبة لمصر والسودان في حال فشل المفاوضات وكذلك فان التوتر الحدودي بين السودان واثيوبيا حول الفشقة هي جزء من الاستراتيجيات التي وضعتها القاهرة واقحمت فيها الخرطوم للتعامل مع ازمة سد النهضة. رغم ما يمر به السودان من أزمة اقتصادية وسياسية وامنية غير أن الحكومة الانتقالية بشقيها العسكري بقيادة عبد الفتاح البرهان والمدني بقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك اهتموا بافتعال حرب خارجية عبثية مع اثيوبيا ووضعت لها الاولوية بدلا من التركيز على تحقيق السلام في السودان مع الحركات المسلحة في دارفور بقيادة عبد الواحد محمد نور وفي جبال النوبة بقيادة عبد العزيز الحلو ونتيجة لهذا التخبط السياسي والامني فلقد رفض الاثنين التوصل الى اتفاقية مع هذه الحكومة باعتبارها حكومة غير مستعدة لمعالجة جذور المشكلة في دارفور وفي جبال النوبة من جذورها وأنها حكومة الإنقاذ 2 ومن خلال تعامل هذه الحكومة مع الأوضاع في الإقليم فمن المتوقع أن تعود حالة التوتر بينها وجنوب السودان وكذلك فأنها ربما ستقرر لسبب أو أخر إعادة الحرب في جبال النوبة.

الحرب التي تدور رحاها في اديس ابابا ليست مثل كل الحروب باعتبار أن النار تشتعل في منطقة استراتيجية وهذا ما يجعلها محط الانظار وتحظى باهتمام اقليمي وعالمي كبيرين بالاضافة الى ذلك فأن اديس ابابا تحتضن مقر الاتحاد الأفريقي وكما قال من قبل الأمير الراحل سعود الفيصل “الوطن العربي بلا مصر كالسفينة بلا قبطان” وبما أن لا وطن عربي بلا مصر فأن القادة الافارقة اكدوا ايضاً بأن “لا افريقيا بلا اثيوبيا” ولقد كان هذا أهم رسالة حملوها الى الشعب الاثيوبي إبان مشاركتهم في حفل تنصيب رئيس الوزراء ابي أحمد وهذا ما ذهب اليه الشيخ انتا ديوب في كتابه “الأصول الزنجية للحضارة المصرية” الذي أثار الكثير من الجدل في الاوساط الاكاديمية العالمية لما قدمه من دراسات وتنقيب في التاريخ الافريقي كما أوضحناها في الجزء الثاني من هذه المقالات، وفي كلمته في حفل التنصيب اكد الرئيس الكيني اوهورو كينياتا بان اثيوبيا هي أم الاستقلال في القارة الافريقية والدولة الوحيدة التي لم تستعمر “بالنسبة للقارة، اثيوبيا هي أمنا وكما تعرفون ان لم تكن الام تعيش في سلام فان الأسرة لا يمكن أن تكون سلام” اما الرئيس سلفاكير فلقد علق قائلا: “لا نريد امنا العظيمة ان تشهد نفس التحديات التي شهدناها في جنوب السودان” اما الرئيس الصومالي فلقد قال بان القادة الافارقة الذين يعملون من اجل مصلحة شعوبهم لا يمكن إيقافهم.
في أكتوبر ٢٠١٩ أعلنت لجنة جائزة نوبل النرويجية عن اختيارها لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد للفوز بجائزة السلام للعام 2019، متفوقا بذلك على نحو ثلاثمئة شخصية تم ترشيحها لهذه الجائزة. وقالت رئيسة اللجنة بيريت رايس أندرسن إن الجائزة منحت لأحمد تقديرا “لجهوده من أجل التوصل إلى السلام وخدمة التعاون الدولي، وخصوصا مبادرته الحاسمة التي هدفت إلى تسوية النزاع الحدودي مع إريتريا” وفي يوليو ٢٠١٨ وقعت إثيوبيا وإريتريا اتفاقية الإعلان المشترك للسلام والصداقة، وهو ما وصفه وزير الإعلام الإريتري بنهاية حالة الحرب بين البلدين. تتضمن الاتفاقية الموقعة خمس نقاط، هي: عودة العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارات، وفتح الاتصالات بين البلدين، وفتح الأجواء الإريترية الإثيوبية، واستخدام إثيوبيا الموانئ الإريترية، بالإضافة إلى وقف كافة أشكال التحركات العدائية بين البلدين. وأعلن وزير الإعلام الاريتري ان “حالة الحرب التي كانت قائمة بين البلدين انتهت، لقد بدأ عصر جديد من السلام والصداقة” وكشف يماني جبر ميسكيل بان البلدين اعلنا فتح صفحة جديدة وانهم سيشجعان التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية.

وجاءت هذه الخطوة تتويجا لجهود رئيس الوزراء الاثيوبي ابي احمد الذي كشف عن رغبة بلاده الانسحاب من بلدة بادمي وغيرها من المناطق الحدودية المتنازعة عليها مع اريتريا تنفيذا لقرار أصدره عام ٢٠٠٢ لجنة تدعمها الامم المتحدة بشأن ترسيم الحدود بين البلدين. الآن الكثير من الدوائر الغربية تتحدث بأن أبي أحمد لم يكن مناسباً لنيل جائزة نوبل للسلام لكن هذا لا يشير ألا الى ازدواجية المعايير حيث يتداخل الحقائق مع الأكاذيب ومع ذلك يمكن القول حتى الآن بأن رئيس الوزراء الاثيوبي اختار الانحياز الى مصالح شعبه ووطنه وليس إرضاء مصالح دول تبتغي نهب موارد الشعوب وتعيق تقدمه وكذلك في ذات الوقت فأن منحه الجائزة يؤكد بأن القارة في أشد الحاجة الى زعيم مثله. كنا نعتقد بأن القيادة الجديدة في السودان ما بعد البشير يمكنهم إتخاذ مثل هذه الخطوات الكبيرة نحو جيرانهم خاصة في جنوب السودان والاعلان عن الاعتراف بنتيجة استفتاء مواطني دينكا نقوك الذي عقد في 31 اكتوبر 2013 لكن للأسف فأن هذا لم يحصل وهذا يعني أن السودان لم يتغير وسيستمر في معاداة دول الجوار كما كانت تفعل حكومة المؤتمر الوطني في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير؛ وبما أن الحكومة في جوبا لم تعترف باستفتاء مواطني ابيي بصورة رسمية حتى اليوم وذلك لان الظروف السياسية والامنية والاقليمية لم تكن مناسبة في ذلك الوقت لكن الوقت قد حان الان والظروف أصبحت اكثر من مواتية لاتخاذ الخطوة والقرار المناسبين حيال قضية ابيي والتحرك اقليمياً ودولياً في هذا الاتجاه.

جنوب السودان في خضم الأزمة:
يمثل سد النهضة بداية فقط لطموح إثيوبيا في أن تصبح مركز قوة على المستوى الاقليمي واوضحت خطة حكومية أن إثيوبيا ثاني أكبر دول افريقيا من حيث عدد السكان تستهدف أن يكون لديها قدرات لتوليد 37 ألف ميجاوات خلال 25 عاما بالمقارنة مع تقدير البنك الدولي لاجمالي انتاج دول أفريقيا جنوبي الصحراء باستثناء جنوب افريقيا ويبلغ 28 ألف ميجاوات. ويقول مسؤولين اثيوبيين أن جيبوتي وكينيا والسودان تستورد بالفعل ١٨٠ ميغاواط وذلك حسب تقرير نشرته روريترز في العام ٢٠١٤ بعنوان “تمويل سد النهضة قرار أثيوبي جريء يحبط مصر ويجلب معه المخاطر” اما ميكوريا ليما رئيس التخطيط لقطاع الشركات بشركة الكهرباء الحكومية الإثيوبية فيقول: “قبل أن تبدأ جيبوتي في الحصول على الكهرباء من إثيوبيا كان سعر الكهرباء فيها 30 سنتا أمريكيا للكيلووات. أما نحن فنبيع لها بسعر ستة سنتات.” فيما وقعت كينيا اتفاقا لشراء نحو 400 ميجاوات.

كما وقعت رواندا اتفاقا في مارس لشراء 400 ميجاوات بحلول عام 2018 ومن المتوقع إبرام اتفاق مماثل مع تنزانيا. كذلك من المتوقع إجراء محادثات حول تزويد اليمن بنحو 900 ميجاوات عن طريق كابل بحري. كما نرى من خلال تقرير رويترز وتصريحات المسئولين الاثيوبيين فان السد لها اهميتها الاستراتيجية بالنسبة لدولة خرجت للتو من حرب اهلية طاحنة وعانت من حالات مجاعة وكذلك بالنسبة للقارة الافريقية التي ما زالت تعاني من اشكاليات عدم توفر الكهرباء لذلك فان المشروع يستحق الاسم “سد النهضة” وكذلك يستحق أن يقاتل الاثيوبيين من اجلها وكذلك افريقيا ككل. منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير في ثورة أبريل ٢٠١٩ جذبت جوبا الانظار اليها حيث لعبت دورا أساسيا في الوساطة بين الحكومة السودانية الانتقالية والحركات المسلحة في كل من دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة وظلت جوبا تحتفظ بعلاقات جيدة مع قادة هذه الحركات ولقد ظلت تسعى مافي وسعها لدفع الاطراف في السودان للوصول الى اتفاق للسلام.

إبان حكم الرئيس عمر البشير ظلت جوبا تعيش في زوايا نظام المؤتمر الوطني المقروح تخشى إغضابها خوفا من تأثير الصراع مع السودان على استقرار نظام الحكم في جوبا كما حدث في أبريل ٢٠١٢ في هجليج/ فانطاو او في ديسمبر ٢٠١٣ في جوبا لذلك كانت أفضل إستراتيجية اتخذتها هي مداهنتها رغم تباعد المواقف الإقليمية والدولية، بعد تولي عبد الفتاح البرهان مقاليد الحكم في السودان على راس المجلس العسكري والسيادي ولدى أول زيارة له الى جوبا قام بتأدية التحية العسكرية الى الرئيس سلفاكير ميارديت ولقد كانت هذه إشارة جيدة بان الأمور بالفعل قد تغيرت في الخرطوم وان الوقت قد حان ليلعب جوبا دوراً متناميا في الإقليم بشكل عام وبشكل خاص في السودان، تمكن جوبا من دفع جزء كبير من الحركات المسلحة في دارفور والنيل الأزرق للتوقيع على اتفاقية السلام مع الخرطوم، جوبا أيضاً كانت أول محطة خارجية بالنسبة لرئيس الوزراء عبد لله حمدوك.

عندما اندلع الصراع في أثيوبيا بين رئيس الوزراء أبي احمد والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي TPLF ابدى الرئيس كير رغبته في التوسط بين الفرقاء الأثيوبيين من جانب وبين أثيوبيا والسودان من جانب آخر لكن لم يكتب للمبادرة النجاح رغم ما توفرت لها من فرص وذلك لان السودان لا يستطيع اتخاذ أي خطوة دون أن يحصل على ضوء أخضر من مكان ما. أن مستقبل العلاقات الجنوبية السودانية غامضة في ظل استمرار الاوضاع كما هي عليه الان وهذا يشير أن حالة الاستقرار الذي ميزت علاقات البلدين بعيد الإطاحة بالرئيس عمر البشبر لن يستمر طويلاً خاصة عندما يؤخذ في عين الاعتبار ضعف القيادة السياسية والعسكرية في السودان وافتقادهما للدعم الشعبي والثوري المطلوب حيث تحول عبد الفتاح البرهان وعبد الله حمدوك الى مجرد خائنين للثورة في نظر الشباب السودانيين الذين كانوا وقود للثورة.

وفي ظل هذه الأوضاع السياسية والامنية في اوغندا والسودان واثيوبيا على جنوب السودان إعادة تقييم مواقفه من اجل تحقيق مصالحها الاستراتيجية على المستويين الإقليمي والقومي فبينما تستمر جوبا في لعب دور الوسيط في السودان فأن الخرطوم لا تبدي أي مرونة حول ملف المناطق المتنازعة عليها في كافي كنجي، وحفرة نحاس، وهجليج، وابيي والميل 14 وغيرها لذلك فالسؤال الذي يطرح نفسه كيف يؤثر وساطة جوبا على الوضع في السودان سلماً وحرباً، وماذا حققت جوبا من علاقاتها مع مصر حتى الان. يجب ألا تنظر جوبا الى ما يدور في أثيوبيا بانها مجرد شان داخلي فقط ويجب الأخذ في عين الاعتبار أن الدول التي تحارب أثيوبيا الآن بهدف إعاقتها من تحقيق التنمية ستحارب جوبا غدا إن فكرت في تنفيذ مشاريع اقتصادية وتنموية، إن السماح بهزيمة أثيوبيا وتحطيم أمالها يعني هزيمة أفريقيا ودول القرن الإفريقي. طالما أن جنوب السودان كان قد تقدم بمبادرة للتوسط بين الحكومة الاثيوبية والمتمردين من تيغراي فيجب لها السعي الجاد لعقد قمة اقليمية لبلورة المبادرة واعادة التاكيد على حق اثيوبيا في الاستفادة من مياه النيل وأن سد النهضة ليس فقط مشروعاً اثيوبياً بل مشروع اقليمي سيستفيد منها الإقليم في مجملها.
أعتقد بأن تصريحات وزير الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة والتي جاءت عقب اجتماعات مجلس الوزراء الجمعة الماضي 10 ديسمبر يعتبر بداية صحيحة للتوسط بين الفرقاء الأثيوبيين؛ أن الخلاف السياسي بين الاثيوبيين حول طريقة إدارة بلادهم أمر صحي مهما كانت الوسائل المستخدمة وهذا لا يعني بأي حال من الاحوال بأن جبهة تيغراي يستخدم من جهة ما بل هي تعتقد بأن طريقة إدارة البلاد الان من قبل ابي أحمد ليست صحيحة وهي تسعى لتصحيح المسار وهنا يكمن دور دول القارة والاقليم في جمع صف الفرقاء وتقريب وجهات نظرهم وتفويت الفرصة على المتربصين، أن تصريحات مايكل مكوي جاءت في الوقت المناسب ويجب أن يتبعها خطوات عملية، حيث جاء في تصريحاته كما نقلتها SUDAN POST نفى سيادته بأن يكون الحكومة في جوبا تقدم أي دعم أو تسليح للمتمردين وأكد وقوف حكومة جمهورية جنوب السودان وشعبها بجانب الحكومة الأثيوبية وشعبها في هذه الأزمة وأن أثيوبيا كانت من الدول القليلة في الإقليم التي وقفت مع نضالات شعب جنوب السودان “يجب لنا أن نوضح ونؤكد هذا الأمر للحكومة الأثيوبية والشعب الأثيوبي بأننا معهم ولن نعمل ضدهم أبداً” وأعاد “مكوي” التأكيد بأنه من دون الدعم الأثيوبي طوال فترات النضال لما نال جنوب السودان استقلالها.

وكذلك في لقاء جمع النائب الأول للرئيس الدكتور ريك مشار مع السفير الأثيوبي في جوبا أكد سيادته نفس الرسالة، في رأيي أن هذا الإجماع الحكومي والشعبي بالوقوف مع أثيوبيا في هذه الفترة يجب أن يترجم الى عمل دبلوماسي بدءاً من وزارة الخارجية بالمبادرة بعقد اجتماع لوزراء الخارجية في القرن الافريقي ومنطقة البحيرات العظمى وأن يعقبها قمة لرؤساء الاقليم في جوبا للتفاكر والتباحث حول كيفية المساهمة في حل الصراع والتوصل الى السلام في اثيوبيا تفادياً لتطبيق نظرية ادوارد لوتواك الداعية لمنح الحرب فرصة ” Give War a Chance ” وتحويل المنطقة الى واحة للحرب والدمار.

[email protected]@yahoo.com

تعليق واحد

  1. امال ان نرة مثلك في امكان حساسة في دولة جنوب السودان .لان امثالك ليس لهم محل في الفاسدين سياسية…ويريد لو كان وزارة الخارجية أي دولة تقراء تقريرك لو أصبحت خبير دولي .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..