مفهوم البناء والهدم والإدارة والحكم

د. الفاتح إبراهيم / واشنطن
في الحياة بعض الناس يريدون ممارسة مهنة لم تكن ضمن اعدادهم وتدريبهم ومن الطبيعي ان يكون مصيرهم الفشل.. والاسوأ من ذلك الاستمرار في ذلك الفشل مع الظن انهم يحسنون صنعا .. ويتكرر هذا السناريو الخبيث في تاريخ السودان الحديث عندما يتصدى للحكم من هو غير معد او مؤهل له .. وتحضرني هنا قصة في التراث عن أحد الملوك في سالف الزمان عندما قرر أن يبني قصرا جديدا على انقاض القصر القديم .. اختار لهذه المهمة الطموحة أشهر مهندسي البناء في مملكته على أسلوب “أعطي الخبز لخبازه” .. وكان فعلا اختيارا موفقا إذ جمع هذا المهندس بين جودة هندسة البناء مع الحكمة وبعد النظر .. وتم البناء على أكمل وجه وانتصب القصر الجديد تحفة فنية لا مثيل لها جمالا وجلالا في كل أرجاء البلاد .. وقرر الملك عمل احتفال كبير يليق بالمناسبة ودعاء كل وجهاء المملكة وحشد كبير من الرعايا لحضور الافتتاح الكبير .. غير انه كان للملك ملاحظة هامة في أسلوب العمل الذي اتخذه المهندس .. ولذلك تم استدعاء المهندس قبل يوم من الافتتاح للقاء هام مع الملك .. وجاء المهندس متوجسا خوفا من ان يكون هناك عيبا او شيئا في البناء لم يعجب الملك .. لكن للمفاجأة ما حدث خلاف ذلك تماما حيث رحب به الملك ومدح ما قام به من عمل فني بديع ..غير أنه أبدى ملاحظة انه بعد أن أتم هدم القصر القديم استبدل المهندس العمال بآخرين عندما شرع في بناء القصر الجديد وسأله الملك لماذا فعل ذلك؟ .. وكانت الإجابة حاضرة لدى المهندس الحكيم ذلك ان من هو مؤهل لعملية الهدم ليس بالضرورة ان يكون مؤهلا لعملية البناء ..
وعلى هذا الأساس فان عملية الحكم عملية بناء معقدة تحتاج الى اعداد وصبر خاصة في عصرنا الحديث حيث ازدهر الحكم الديمقراطي وحقوق الانسان .. ومن المفارقات المضحكة ان هناك نسخة من الحكام الديكتاتوريين الذين جاءوا الي الحكم بقوة السلاح يعتقدوم انه هم الذين – اذا شاؤوا ــ عمل الحكم الديمقراطي للشعب .. وهؤلاء بحكم تركيبتهم وعقليتهم يعتقدون ان النظم الديمقراطية يمكن ان ينفذها ويقوم بها الحاكم الفرد ! وللمخلوع مقولة معروفة حينما تعجب ان هناك معارضة واحتجاجات وذلك بعد الانتخابات “المخجوجة” إياها وقد قال معلقا : ماذا يريدون الانتخابات وعملناها ليهم عايزين ايه تاني ؟
والفهم المغلوط الخطير ليس عنده فقط ولكن مازال حتى الآن ساريا .. بعد الثورة الشبابية الفريدة والتضحيات التي مازالت مستمرة يعتقد الانقلابيون ان الديمقراية نظام يقام بتطبيقه والتخطيط له من اعلى يقوم به الانقلابيون انفسهم هدية منهم الى الشعب !!
لا يدري هؤلاء أن االيمقراطية وحكم الشعب عملية وثقافة جماهرية تنمو من القاعدة أو كما يقول الفرنجة
“Grass Root movement”
وهذا ما يقوم به شباب الثورة ولجان المقومة وبطرق مبتكرة عبقرية تؤسس لقيام مجتمع معافى سياسيا واقتصاديا تسود فيه قيم الحرية والسلام والعدالة .. وعلى هذا الأساس وبهذا الوعي الشبابي تنمو حركة القاعدة
Bottom Up not Top down
إلى نظام ديمقراطي أشمل .. وهذه لعمري هي ثقافة الوعي التي يبثها الشباب في أوصال الوطن وهي منتصرة لأنها لغة العصر في بيئة العلم والتكنولوجيا ..
لشبابنا التحية ورفع القبعات اجلالا وعرفانا بالجميل ..