مقالات سياسية

البرهان والعد التنازلي

م. امجد مصطفي 

  

من نافلة القول ان ايام البرهان في سده الحكم اصبحت معدودة ، والسؤال الآن هو كيف سيتم ترتيب نوع من الخروج الآمن له ومن معه   

كنت قد ذكرت في مقالي السابق ان الإنقلابيين ، وبعد ان يذهب حمدوك ، سيجدوا انفسهم حيث كانوا صبيحة يوم ٢٥ اكتوبر ، في مواجهة شارع ثائر وعزله دولية وعقوبات وشيكة . هذا السيناريوا اصبح تقريباً امراً واقعاً الآن ، بالأخص بعد ان تمكنت جماهير الثائرين الابطال من إختراق جميع الحواجز ببساله منقطعة النظير يوم الاحد الماضي ١٩ ديسمبر ووصلت إلي القصر الجمهوري لأول مرة منذ بدء الثورة

  هذا الإختراق بالإضافه لرمزيته ، اصبح دليلاً بالغ الوضوح علي وفاة اتفاق البرهان مع حمدوك (الذي لم يبق له إلا إعلان استقالته) ، حيث ان فشل الاخير في تكوين حكومة التكنوقراط التي عاد من اجلها ، بالإضافة إلي عجزه عن تهدئة الشارع وإزالة توجس المجتمع الدولي من الإنقلابيين ، يعني كل ذلك ان بقاء حمدوك في المشهد السياسي اصبح غير ذي جدوي له و لكل الاطراف المعنية ، مما يحتم عليه الخروج من المشهد  

المؤسسه العسكرية وجدت نفسها بعد تحركات المشرعيين الامريكيين الاخيرة ، عاجزه عن الإستمرار في قمع الحراك

الشعبي بالذخيره الحيه خوفاً من عقوبات مؤلمه توجه إلي قياداتها وشركاتها وأموالها ، واجبره علي اعادة الانترنت ، مما زاد من زخم الإحتجاجات وسهل عملية التنسيق بين لجان المقاومة ، ما رفع سقف طموح المتظاهرين ، ومكن المراقبين من كشف الجرائم ضد المتظاهرين بشكل كبير وبسرعه ، ووفر دلائل دامغة علي جرائم الإنقلابيين بحق المتظاهرين السلميين العزل  

ما سبق يضع الانقلابيين ورعاتهم الإقليميين في فتيل، بعد ان فشل الإنقلاب في تحقيق اي من اهدافه ، واستعصي الشارع المقاوم علي الترويض ، واصبح سيناريوا الإنتخابات في العام المقبل (علي الطريقة المصرية) غير ذي جدوي طالما بقيت لجنة البشير الامنية في موقعها علي سدة السلطه ، حيث ان اي انتخابات تأتي بالبرهان او نائبه رئيساً لن تكون نزيهة ولا مقبوله من اي كان بالنظر الي كراهية الشعب السوداني الشديده لهم والعداوة المستحكمة التي تشكلت ضدهم خلال السنوات الثلاث الماضيه  

الإنقلابيين الآن اصبحوا مكشوفين بالكامل بدون اي ظهير شعبي ،بالأخص بعد ان لفظ الشارع تماماً حركات الإرتزاق المسلحه واحزاب المترديه والنطيحه التي فشلت فشلاً ذريعاً في تكوين حاضنه شعبية بديله للإنقلابيين  

لم يتبقي للمؤسسه العسكريه الآن (بقليل من الضغط من المجتمع الدولي و رعاتها الإقليميين المصرَّين علي نهب ثروات السودان) إلا التضحيه بالبرهان وحميرتي وتقديم وجه عسكري جديد لم تتلطخ يديه بالدماء ليكون علي رأس الجيش في المرحله القادمة التي قد تتطلب منها الإنحناء للعاصفه مؤقتاً والقبول بدور محدود في المشهد السياسي مقابل الحفاظ علي مؤسساتها الإقتصادية، بشرط ايجاد حل لمعضله الجنجويد والجيوش المتعدده التي تعيث فساداً في البلاد  

اذا لم يقبل عقلاء الجيش بالأمر الواقع ويتحركوا لتنفيذ السيناريو اعلاه ، فستتجه البلاد رويداً رويداً الي الفوضي الشاملة، في غياب حكومة فاعلة وفي ظل عزلة دولية وإنعدام اي شكل من اشكال الدعم الإقتصادي الدولي وتحت سيف العقوبات الأممية واستمرار القمع المفرط ، الأمر الذي سيولد حتماً إنفجاراً شعبياً لا راد له .. نسأل الله 

السلامة

[email protected]

‫3 تعليقات

  1. المخضرم أمجد
    اتفق معك في كل ما طرحته خلا ما ذهبت اليه من ان البلاد ستتجه رويداً رويداً الي الفوضي الشاملة
    فمن صنع اعظم ثورة سلمية في العالم قديمه و حديثه لن يسمح للامور ان تخرج من مسار السلمية
    واعظم دليل على ذلك فشل المحاولات الكثيرة والمتكررة لجرها نحو العنف ولكن سلميتها فاقت الخيال
    لنثق بالله وببعضنا البعض ولناخذ بالاسباب ولن تهزم هذه الثورة باذن الله مهما تكالب عليها الاعداء

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..