مقالات وآراء

الواعي ما بوصوه

عثمان يس ود السيمت 
لأول مرة أكتب عنوان مقالي ثم أظل (أُبحلق) فيه زمناً حتى هممت بألا أكتب فيه ، وهنا تنطبق علي المقولة السودانية الشهيرة (لساننا إنقطع) أي أن هول الحدث يخرس الناس عن الكلام . كون أننا نتحدث كسودانيين عن الإغتصاب فهذا لم يعد جديداً بعد أهوال وفظائع دارفور . لكن ما أفظعنا هذه المرة سبب الإغتصاب وليس دوافعه . في دارفور استباح من ظن أنه المنتصر عروض من ظن أنه المنهزم ، وقد كانت الجيوش المنتصرة والتي تنتكس عقيدتها لعقيدة جيوش العصور الوسطى والعصور الظلامية تستبيح المدن المهزومة وتترك الجنود يفعلون فيها ما يشاؤون . وبرغم ذلك يندر أن يستبيح جيش حتى وإن انتكست عقيدته للعصور الوسطى شعبه فيفعل فيهم ما فعله فرعون إذ قتل الرجال واستحيا النساء بعد أن فعل فيهن الأفاعيل . لكن لم يعرف عن جيش متحضر أن يستبيح شعبه أو يغتصب نساء شعبه . جريمة الإغتصاب التي حدثت في دارفور تنتظر التحقيق وهي من ستنسف عقيدة القوات التي ارتكبتها أياً كانت بل تستوجب تصفية تلك القوات وتكوين قوات تلتزم بعقيدة صالحة مستمدة من قيم الشعب الذي تدافع عنه.
أما ما حدث في الخرطوم عاصمة السودان وفي الخرطوم عموم قلب عاصمة السودان وأمام القصر الجمهوري رمز سيادة أرض السودان وعلى بعد أمتار معدودة عن (المحكمة العليا) أو رئاسة القضاء السوداني ورمز (العدالة) في السودان ، وعلى بعد لفة واحدة من البرلمان التأريخي الذي شهد في نفس التأريخ في 1955 تصريح نواب وشيوخ السودان (بأن السودان أصبح دولة مستقلة كاملة السيادة) فهل يا تُرى أصبح الشعب مستقلاً (وصاحب سيادة) ، وفي حدائق القصر التي رويت بدماء شهداء أكتوبر 64 ، وسط كل هذه البنايات المهيبات التي تعتبر مزارات سياحية للريفي القادم للخرطوم وتعتبر ملاذات للأمن والأمان تكفي لبث الطمأنينة في قلوب السودانيين ، لكننا نراها تصبح أوكاراً ترتكب تحت حوائطها المهيبة جريمة الإغتصاب من قبل نفس الأجهزة التي تزعم أنها الحامية (والحارسة) لهؤلاء الضحايا . إن الاستهتار بالقيم وبالقانون وبالغير في السودان بلغ مبلغاً يتطلب التعامل بأي اسلوب غير السلمية بل ويتطلب موقفاً قانونياً يضع عقوبةً في القانون غير مسبوقة في كل القوانين والشرائع الأرضية والسماوية . خاصة وأن الدافع الأول لهذه الجريمة أصبح ردع الكنداكات عن المشاركة في المواكب وذلك بتخويفهن وتخويف ذويهن من عاقبة المشاركة وإجبارهم على (حبسهن) بالبيوت . إذاً فالإغتصاب الآن هو إغتصابٌ سياسي ودوافعه سياسية تهدف لحرمان (نساء السودان) من ممارسة حقهن المشروع في التعبير عن رأيهن . أي أنه يدخل ضمن الجرائم ضد الانسانية . ولا أريد هنا أن يتلقف بعض القراء هذه الجزئية للمطالبة بتحويل المجرمين للجزاء الدولي لينعموا بعقوبات (السجون فئة السبعة نجوم) . عقوبة هذه الجريمة اتفقت جميع المجتمعات على أنها يجب أن تكون مغلظة وبالغة الشدة لتوازي الجرم الشنيع ، هناك مجتمعات تحكم على مرتكب جريمة الإغتصاب ببتر عضوه الذكري وهي عقوبة أرى أنها الأنسب بالنظر للأثر الجسدي والنفسي الذي أحدثه المجرم بالضحية وفي تلك المجتمعات ينفذ الحكم علناً ودون تخدير إمعاناً في إذلال المجرم وردعاً لغيره من مريضي النفوس . ولم تذهب كثير من الأمم المتحضرة في أنظمتها القانونية بعيداً عن هذا النوع من العقوبة ، ففي بعض القوانين الأمريكية يعاقب المجرم بالخصي الكيميائي إن اراد أن يقلل عدد سنوات الحبس المؤبد . والهدف هو ألا يستطيع المجرم إرتكاب نفس الجريمة مجدداً ، وفي الشريعة الاسلامية يعاقب من تثيت عليه جريمة الإغتصاب بحد الحرابة (القتل أو الصلب أو القطع من خلاف أو النفي من الأرض).
لكن مهما  ابتدع نظام القهر الحالي من أساليب لإبعاد الكنداكات عن طريق النضال فلن يفلح وسيظل صوتهن وهتافهن وزغرودتهن هي ضربة البداية لمواكبنا ومليونياتنا منذ أن صدحت حكاماتنا وشاعراتنا يلهبن المشاعر ويخرجن الرجال يتدافعون نحو المجد . منذ أن سألن عن علي الفارس البقود تسعين ومنذ أن بكين موسى اللي الرجال خوسة ومنذ أن تقدمن صفوف الرجال في الثورة الديسمبرية الميمونة البالغة مراميها مهما تفنن الظلاميون في ابتداع فنون الجريمة ضد الحرائر.
يجب أن أؤكد هنا أن الإغتصاب لا ولن يسلب المرأة شرفها بل يسلب المغتصب رجولته ومروءته، ويجب أن نتوقف عن الحاق الشرف بجريمة الإغتصاب فالشرف محفوظ والعفة محفوظة والكرامة محفوظة ، هذا إن أردنا ألا نصطف مع المجرم وهدف المجرم في كسر ضحيته. أما ما حدث يوم 19 ديسمبر يوم الاستقلال وفي الذكرى الثالثة للثورة فحدث يجب أن يتوقف عنده الزمان برهة لنعيد الحسابات ، نعم علينا أن نعيد الحسابات :
يجب أن نُخرج حماية حرائرنا عن مبدأ السلمية وأن نقطع الأيادي التي تمتد لهن دون تردد ، دون أن يكون ذلك انتهاكاً لمبدأ السلمية . ومبدأ في شريعتنا (من مات دون عرضه فهو شهيد) .
يجب أن نسأل من وقع يوم 21 نوفمبر إتفاق الخزي والعار بدعوى حماية الثوار ونسأله عن أي حماية وقع وماذا هو فاعل بعد أن رأى من وقع معهم يغتصبون (المحميات باتفاق 21 نوفمبر) في الشوارع.
يجب ألا نسقط ما حدث عن ذاكرتنا ونحن نكتب دستورنا وقوانينا عندما تنقشع هذه الطامة لنضع أكثر القوانين صرامة وردعاً في العالم ضد هذا الفعل .
يجب أن نضيف هذه المجزرة المهينة ضد قيمنا لما أُرتكب ضدنا من جرائم مثلها مثل جريمة فض الاعتصام ونحقق فيها .
وكلمة أخيرة لكل كنداكة حاولوا كسرها أقول لم ولن يكسروك ، بل نحن من كسرنا لأننا لم نقم بواجب الحماية نحن من أهنَّا ففي أعرافنا السودانية :
الواعي ما بوصوه
من أمس الضحى
توري أبزنود ساقوه
ده مقناع ولياته
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..