مقالات وآراء

حمدوك في حيرة من أمره

الباقر علي محمد الحسن

التغيير السياسي أو حركة التصحيح في 25 إكتوبر او الإنقلاب، والذي أصبح واقعا سياسيا ،عقد المشهد السياسي السوداني وألقى بظلال كثيفة عطلت الحياة العامة والخدمية على وجه الخصوص ، مسيرة التاسع عشر من نوفمبر أكدت أن الشارع الثوري حي وما زال على عهده مع الشهداء الذين مهروا ثورة ديسمبر المجيدة بدمائهم ، الثوار إستطاعوا بإرادة وعزيمة لا تلين من فرز كيمان القوى السياسية التي تملأ الفضاء السياسي السوداني ، برهنت القوى الثورية في 19 نوفمبر بأنها قد تجاوزت الأحزاب والحرية والتغيير وتجمع المهنيين ، وبذلك تكون قد أصبحت قوة فاعلة على الأرض ومستقلة ولكنها تفتقد الى من يمثلها كجسم سياسي يعبر عنها ويفاوض نيابة عنها ، كما أنها في أمس الحاجة لأن تطور من أدواتها النضالية أمام الذين يستخفون بوزنها في الشارع ، كما أن على هذه القوى الثورية أن تضع برامجها ممرحلة حسب خارطة الطريق التي وضعتها لمقاومة حركة التغيير التي تمت وأن تتجاوز الشعارات التي ترفعها في هذه المرحلة ( لا تفاوض ، لا شراكة ، لا مهادنة ولا إستسلام ) ،
، الانقسام السياسي في القوى السياسية في تعريف الحركة ما بين إنقلاب وحركة تصحيحية قد تجاوزتها التطورات السياسية، أي ما بين داعم ومعارض،  ، كما أن إتفاق د/ عبدالله حمدوك مع المكون العسكري في 21 من نوفمبر  ، و عودة حمدوك لرئاسة مجلس الوزراء قد عمقت من التشرذم والتشظي في صفوف الأحزاب وتجمع المهنيين وقحت الأولى والثانية ، الانقسام،  دفع لجان المقاومة الحقيقية والفصائل الثورية  الأخرى  الى اللجوء إلى الشارع مستمسكين بشعارات( لا تفاوض لا مساومةولا شراكة ) أي مع المكون العسكري والذي  أصبح مجلسا للسيادة مع شركاء جدد .
في ظل هذا الوضع السياسي المضطرب ،يأمل الشعب السوداني في الخروج من الضائقة المعيشية التي بلغت ذروتها ،تحت ظروف تشبه بظروف الحصار ، تهديد بإغلاق الميناء والطرق من و الى داخل البلاد في مهلة آت أجلها  ، تعليق المساعدات من الصناديق المالية الدولية وكذلك الدعم الغربي وعلى وجه الخصوص دعم الولايات المتحدة الأمريكية ، كل ذلك يضيف عبئا ثقيلا على حكومة حمدوك إذا ظل الحال كما هو في ظل معارضة تتنامى والتي قطعا تؤثر في دولاب العمل والإنتاج أو حتى في إمكانية تشكيل الحكومة المتعثر في ظل غياب توافق وطني ،
الفترة الإنتقالية المتبقية ستكون أكثر صعوبة على الطاقم التكنوقراطي في وزارة عبدالله حمدوك الثالثة إذا قدر لها أن تكون، وجود دولي وغربي كثيف في الساحة السياسية السودانية وتدخلات لم تعهدها السياسة السودانية من قبل ، والتي يرى الكثيرون بأنها مساس لهيبة الدولة وإختراق للأمن الوطني.
مشكلة شرق البلاد بالرغم من عدالتها الا أن حركة التصعيد التي يقودها مجلس نظارات البجا والعموديات المستقلة تجئ متزامنة مع عدم إستقرار سياسي وتشرذم للأطياف السياسية مما يضعف الحلول أو يبطئ فيها وستمثل في حالة تمترس أهل الشرق خلف مطالبهم عبئا إضافيا على حكومة الفترة الإنتقالية حالما إنتهت المهلة التي منحت للحكومة ليس بهدف إلغاء مسار الشرق في إتفاق جوبا فحسب بل إعادة صياغته والعمل بموجبه.
الحرب في أثيوبيا ، سترمي بظلالها  وتبعاتها على الوضع السياسي في السودان ، كما أن حركة النزوح الأثيوبي الى داخل السودان سيضاعف من العبء  على حكومة  د عبدالله حمدوك ، والجدير بالإشارة الى أن هناك حركة مخابراتية نشطة لدول لها مصالح في عدم الاستقرار السياسي في السودان حيث تعمل على جر السودان والدخول في حرب مع الجارة أثيوبيا بالرغم من عدم رغبة الطرفين في نشوب أي نوع من أنواع الصراع العسكري .
التحركات التي يقوم بها رئيس مجلس الوزراء في جمع شمل الكيانات السياسية بغرض التوافق الوطني والمواءمة مع الوضع الراهن ولتصبح هذه الكيانات حاضنة سياسية يعتمد عليها د حمدوك في تشكيل الوزارة الجديدة قد تكون بعيدة المنال إن لم تكن مستحيلة في ظل تواجد عناصر من الدولة العميقة التي تسعي لإعاقة عملية الإنتقال المدني الديمقراطي وتسعى في آن واحد  لإفشال الشراكة الجديدة بين المكون العسكري والمدنيين الجدد في مجلس السيادة ولعرقلة أي حراك لجماعة الميثاق الوطني ( قصر لصداقة ) والتي نجحت في إبعاد مجموعة الأربعة والتي كانت محتكرة للسلطة في حكومة حمدوك الثانية .
الإعلان السياسي الذي تم الإعلان عنه يجد معارضة شرسة وقوية من الكيانات الحزبية الكبيرة ، ولا أعتقد في إمكانيته تحقيق هدفه من خلق حاضنة سياسية تمكن د حمدوك من دعمه في تشكيل الحكومة أو دعمه في مشروعات الفترة الإنتقالية.
على كاهل الفترة الإنتقالية المتبقية والتي لا تتعدى العام والنصف ،   تحقيق مشروع الترتيبات الأمنية والذي يحتاج الى تمويل لان عملية دمج القوات تحت مظلة واحدة تحتاج الى تدريب وإعادة تموضع والى خلق وظائف إدارية ، وهذا يحتاج الى جهد ورضاء دولي لتوفير الدعم المالي .
المضي قدما في مشروع التطبيع مع إسرائيل سيلقي بظلاله السالبة على الفترة الإنتقالية إن كانت بمسيرات رفض أو معارضة ناعمة في منصات التواصل الإجتماعي والتي تعتبر قياسا للرأي العام .
أجهزة الإعلام السودانية العامة والخاصة ، متنازعة بين الدعم لحكومة حمدوك القادمة وبين رفضها للإتفاق الذي وقع في الحادي والعشرين من نوفمبر 2021 .
المحكمة الجنائية الدولية وحركتها المحمومة في السودان بغرض تسليم المطلوبين في النظام السابق ، غياب وزير العدل ، وعدم تشكيل الحكومة أيضا يشكلان عبئا سياسيا على حكومة حمدوك القادمة حتى تمكنت الحكومة من تشكيل مجلس تشريعي إنتقالي غير مفوض لاتخاذ مثل هكذا قرار مختلف عليه شعبيا وحزبيا
ويبقى التساؤل المشروع في مثل هكذا ظروف ،كيف لحكومة د حمدوك في مقبل أيامها أن تهيئ المناخ السياسي لإنتقال مدني ديمقراطي ، ؟

[email protected]

‫2 تعليقات

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..