مقالات وآراء

مذبحة تفلنق …. ماذا جرى؟ (1 – 3)

محمد التجاني عمر قش

 

دار الريح الليلة أصبح نهارها سموم

بس كلهم فرسان دار الأحامدة عموم

كما خضنا الحارة الصقيرها يحوم

ما تسالمينا يا الدعجة أم وضيباً كوم

 

“محمد قش”

تفلنق منطقة تضم قرى كثيرة وهي تقع في الطرف الشمالي الغربي من دار الريح بشمال كردفان . هذه المنطقة كانت مستقرة يأتيها رزقها رغداً من الزراعة والرعي والتعدين في الآونة الأخيرة . منطقة تفلنق يسكنها فروع من قبيلة دار حامد من الهبابين ، والنواهية وقليل من الفراحنة. وتجاور هذه الديار مجموعات من سكان الجبال البحرية من كاجا وكتول . هذه المكونات كانت ، حتى عهد قريب ، تتواصل وتتبادل المنافع فيما بينها وتتزاوج وتتعاون في السراء والضراء ، والنفير وغير ذلل من الفعاليات الاجتماعية . صحيح كانت هنالك نزاعات محدودة بين الأطراف فيما يتعلق بحدود الأرض والحواكير وموارد المياه ، كما هو الحال في كثير من مناطق السودان الأخرى ، ولكن ثمة مستجدات طرأت على الساحة زادت من حدة التوتر في منطقة تفلنق حتى وصل الأمر إلى إزهاق النفس ، التي حرم الله إلا بالحق ، وقتل النساء وكبار السن ، بدم بارد وبقدر من التشفي غير المعهود ، وباستخدام أسلحة لا تملكها إلا الجيوش والجماعات المسلحة ، ولكنها وصلت إلى أيدي المواطنين على حين غفلة من أولي الأمر ؛ فأودت بحياة الأبرياء في وضح النهار ! .

إن المذبحة التي جرت في تفلنق صبيحة 17 نوفمبر 2021 لم تكن “دوسة” عادية بل هي مذبحة بشعة مع سبق الإصرار والترصد والاستدراج الممنهج للناس الأبرياء العزل ، إلا من بعض العصي ، بقصد إحداث أكبر قدر من الخسائر في الأرواح ! وهذه الحادثة المؤسفة لم تكن وليدة اللحظة بل جاءت بتخطيط وتمويل كبير من جهات تريد زعزعة الأمن ونسف الاستقرار في دار الريح مع السعي لتمكين فئة من السكان على حساب الأخرى لأسباب عنصرية بغيضة لم تعهدها دار الريح من قبل ! .

هذه الحادثة لم تكن معزولة عن سابقاتها من الجرائم البشعة فقد سبق وأن اعتدت فرقة من ذات الجهات المعتدية على “دونكي الدويمة” بالقرب من مدينة حمرة الوز وفجرت الدونكي بقذائف الدانات وقتلت الرجل الذي كان يشرف على مورد المياه وينظم عمله ، الشهيد الحاج آدم الأمين لولاو الذي فقد حياته جراء عدوان غاشم من مجموعة متفلته ليس لها وازع ديني ولا أخلاقي ولا ترعى ذمة ولا عهد ولا ميثاق ، وقد دمرت عربته بذات السلاح والطريقة التي هوجمت بها تفلنق . ولهذا السبب يعتقد أن هنالك مخططاً متواصلاً للاعتداء على بعض مكونات دار الريح بمعاونة جهات تدعي أنها تسعى لتحقيق السلام والعدالة ، بينما هي ، في واقع الأمر ، توزع الأسلحة الفتاكة وتقدم التدريب والدعم اللوجستي لفئات سكانية بعينها دون الأخرى بدعوى أن تلك الفئة ظلت تعاني من التهميش دون غيرها من مكونات المجتمع ، بيد أن هذه الدعوة لا يسندها إلا الخيال المريض الذي يصور الأوضاع على غير حقيقتها ، فكما أشرنا فإن أهل دار الريح لم يعرفوا الشحناء ولا التباغض الإثني قبل أن تحل بديارهم هذه الجماعات الخارجة عن القانون التي باتت تمتهن الحرب والقتال داخل السودان وخارجه  وترتزق من أجل الحصول على حفنة من المال والسلاح ؛ وهي لذلك لا تبالي  بقتل الناس وحرق المنازل وممارسة سياسة الأرض المحروقة ، سواء في دارفور أو في شمال كردفان ، فمن يبيع نفسه للشيطان لا يردعه رادع عن ارتكاب الجرائم وإراقة الدماء والاعتداء على الحرمات بما في ذلك الأرواح والممتلكات .

حادثة تفلنق جرها على الناس غلمان أشأم كلهم كأحمر عاد ، دفعهم بعض لوردات الحرب للاعتداء على فتاة مسكينة كانت تحتطب قرب منزلها لتصنع الطعام لأطفالها الذين هدتهم المسغبة بعد أن تعرضت أمهم للضرب المبرح والهجوم الوحشي فكسرت يداها بكل قسوة وتشفي ، إذ نسي هؤلاء المجرمون أن ليس من المروءة التعدي على النساء مهما كانت الظروف والمبررات ، لكن القصد استدراج الناس “وجرجرتهم ” وإثارة الفتنة التي هي نائمة لعن الله من أيقظها. ومن بعد ذلك تلاحقت الأحداث حتى أزهقت أرواح ما يزيد عن ثلاثين شخصاً من الرجال والنساء من دار حامد وكتول ! .

هذا العدوان المستهجن لم يأتي من فراغ بل هو نتيجة حتمية لتراكمات كثيرة تشمل ولا تقتصر على غفلة الجهات المسؤولة عن حفظ الأمن من شرطة وإدارة أهلية ومحلية والسماح بانتشار الأسلحة في المنطقة بطريقة غير مسبوقة حتى صار سلعة رائجة يتاجر بها كل من هب ودب من الناس ، ويمتلكها المغامرون والمستهترون والسفهاء ، وهؤلاء  لا يهمهم إلا تحقيق نشوة القتل والتدمير مثلما فعلوا في الدويمة وربما يكررون ذات الجريمة في مواقع أخرى ؛ نظراً لعدم تطبيق الأحكام الرادعة بحقهم أو حتى القبض على الجناة منهم ؛ لأنهم يحتمون ببعض الحركات الموقعة على اتفاق سلام  جوبا ، الأمر الذي يوفر لهم قدر من الحصانة غير المشروعة ويفسح لهم المجال ليفسدوا في الأرض . من جهة أخرى هنالك تواطؤ من بعض زعماء الإدارة الأهلية في هذا الصدد ، للأسف الشديد .

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..