“كشات”المقاهي.. تحريم أم تجريم؟

نبيل أديب: يمكن فتح أماكن “للشيشة” في أماكن مغلقة تفادياً لإحداث ضرر بصحة الناس لكن يجب أن لا تتعلق بالجندر أو القروش فهذا غير معقول
مرتادو المقاهي: ما تقوم به السلطات تجاه المقاهي عمل غير مقبول
جولة لـ”التيار” كشفت عما يتعرَّض له الباعة ومرتادي المقاهي من مضايقات من السلطات في ممارسة القبض عليهم وترحيلهم بصورة مذلة على متن دفارات رديئة ويتم نقلهم بصحبة المجرمين وشاربي الخمور ولاعبي الميسر.
الذين يتم القبض عليهم يتم تغريمهم مابين 1200 جنيه، إلى 2000 جنيه، ومن ثم يطلق سراحهم ليكونوا مع موعد جديد مع حملة جديدة.
تساؤلات عديدة طرحناها على أنفسنا عما تقوم به شرطة النظام العام من حملات ضد مقاهي الشيشة وبائعات الشاي والأطعمة والباعة المتجوِّلين، وهي تنفذ تلك الحملات بكل قوة وبطش وتنكيل وإهانة شديدة لا يقوى على مشاهدتها أي سوداني غيور على بلده على تلك الفئة الكادحة التي خرجت من منازلها من أجل التكسب الحلال في بيع الأطعمة والمشروبات في جميع الأسواق، ما دفعنا للتحقيق عن هذا الموضوع هو تلك الحملات التي إن لم نبالغ في تصويرها كأنها حملات الدفتردار الانتقامية أيام حكم محمد علي باشا للسودان، وأول التساؤلات هو لماذا تخالف قوات الشرطة القوانين التي تنظم ذلك، ولماذا تنفذ تلك الحملات الانتقامية القاتلة على تلك الشريحة البسيطة من المستضعفين في الأرض، ولماذا لا تمارس ذلك القمع بتجفيف وإغلاق المتاجر الكبيرة ” محلات الجملة ” والمصانع التي تقوم بتصنيع التبغ وتصديره خارج السودان؟ فكيف للدولة أن تتحصل على ضرائب ورسوم مختلفة من تلك الجهات وتسمح لها بالبيع في وضح النهار دون مساءلة وبالمقابل تبطش وتطارد الضعفاء وأصحاب الدخل المحدود، كلها تساؤلات طرحناها وعزمنا في البحث عن إجابات، بل وتحرَّكنا نحو الجهات المختصة والمسؤولة عن ذلك لعلنا نخرج بإجابات شافية نعرضها للرأي العام، فإلى مضابط الكارثة.
تحقيق : عبد الله ود الشريف: عمار حسن
مضايقات وإذلال
ضربة البداية كانت بجولة قمنا بها داخل أسواق طرفية شاهدنا فيها أماكن المقاهي وأصحاب المهن الهامشية الذين تحدثوا لـ(التيار) عما يتعرَّضون له من مضايقات من شرطة النظام العام في ممارسة القبض عليهم وترحيلهم بصورة مذلة على متن دفارات الشرطة الرديئة التي يتم نقلهم عليها بصحبة المجرمين وشاربي الخمور ولاعبي الميسر وفي ذلك تبشيع وتشهير بهم وسط الجميع بحد قولهم، لأن ذلك الدفار يتنقل بهم في مختلف الأسواق ومما لاشك فيه أن من ينظر لهم محمولين عليه يعتقد أنهم مقترفو جرم ما، الشيء الذي قد يقلل من مكانتهم أمام الأهل والعشيرة والمعارف.
التقديم للمحاكمة
بعد تلك الجولة التي تجوب الأسواق وتمر بالعديد من الأحياء يذهب بهم الدفار إلى قسم الشرطة ويتم فتح بلاغات في مواجهتهم ومن ثم يشرعون في تقديمهم للمحاكمات والتي دائماً وفي الأغلب يقومون بتغريمهم مابين الـ 1200 جنيه، إلى الـ 2000 جنيه، ومن ثم يطلق سراحهم ليكونوا مع موعد جديد مع حملة جديدة، وتفيد متابعات الصحيفة بمحلية طرفية في منطقة أم درمان بوجود حملات مكثفة على بائعات الشاي وصغار التجار والفريشة، ويصف التاجر عبد الباسط إبراهيم، الذي يرتاد أحد المقاهي لشرب كوب من القهوة عقب تناول الإفطار كل يوم، واصفاً هذه الحملات بالوحشية ولا تمت للإنسانية بصلة وأن الذين يقومون بتنفيذها لا يفرِّقون بين من يتعاطى الشيشة ومن يشرب الشاي والقهوة فيداهمون المقاهي ويرمون بكل من بداخلها إلى الدفار بصورة مهينة لجهة أنهم لا يستثنون بائعة الشاي نفسها، وتنتهي بهم إلى محاكمات سريعة في اليوم التالي بغرامات تصل إلى 2000 جنيه، كما ذكرنا سالفاً في ثنايا التحقيق ومن يخالف أو يرفض يعرض نفسه إلى السجن.
تلكؤ المكتب الصحفي للشرطة
خاطبنا المكتب الصحفي للشرطة لطلب الحصول على الإذن منهم لمدير شرطة النظام العام بالولاية للحديث أو التصريح الصحفي عن تلك الحملات التي تنفذها إدارته بطريقة أخشى أنه لا يدري عنها شيئاً، المهم أننا سلمناهم خطاباً من الصحيفة في الثاني والعشرين من شهر نوفمبر الماضي، لاستنطاق مدير شرطة النظام العام والاستماع لرؤيته بشأن القضية، ووعدنا العقيد مرتضى بالرد خلال يومين، وذهبنا لهم سوياً نحن أعضاء هذا الفريق الصحفي الذي أنجز هذا التحقيق .. ست مرات، متتالية ومتقاربة بعد إيداع الخطاب، وقال لنا أنه سيتابع الموضوع لكن في كل مرة نهاتفه يرد علينا بوعود جديدة وفي الآخر تجاهل الرد على مكالماتنا الهاتفية، ومر شهران كاملان ولم ننجح في الحصول على تعليق من الشرطة.
إخفاء الحقائق
فشلنا في الحصول على إذن المكتب الصحفي للحديث مع مدير شرطة النظام العام بولاية الخرطوم، ورسخت لدينا قناعة بأن الحصول على إفادة رسمية من مصدرها الأساسي أمر بات مستحيلاً، رغم أهمية هذا الرد لأن الجهة المعنية بالإجراءات ضد المواطنين هنا هي الشرطة وتتطلب الشفافية أن تجهر برأيها وتفسيرها لما أثرناه في هذا التحقيق.
غرامة تصل 10 آلاف جنيه
قال عدد من الشباب مرتادي مقاهي الشيشة وبعض أصحاب هذه المحلات لـ(التيار) حول كشات النظام العام، أجمعوا على أن ما يحدث عمل غير مقبول ، ويرون أن السلطات تتحايل على القانون بفصل ترخيص الشيشة عن عمل المقهى “الكافي” وكان خلال الأعوام الماضية تم منح تصديق الشيشة فقط للفنادق مما دعا الكثير من المحلات للتحوُّل إلى فنادق وأن كانت متواضعة من أجل الحصول على ترخيص عمل الشيشة، لأن الشيشة هي التي تدر الدخل العالي لصاحب “الكافي” ومؤخراً بعد أن منعت السلطات تصاريح الشيشة كانت بمثابة السيف المسلط على رقاب أصحاب الكافيهات وذلك بالكشات المتواصلة والجبايات فيأتي الدفار ويقوم بأخذ متعلقات الشيشة وصاحب المحل والعاملين ومن ثم عرضهم في اليوم الثاني و تفرض عليهم غرامات باهظة تصل -أحياناً- إلى (10) آلاف جنيه، بالإضافة إلى مصادرة المعروضات والتي ربما يتم بيعها أو إرجاعها -أحياناً- بعد دفع الغرامة مما زاد من أسعارها -أيضاً- لجأ أصحاب المحلات إلى مضاعفة سعر (حجر الشيشة ) بعد تلك الحملات وخلال فترة وجيزة ارتفع من (20) جنيهاً إلى (150) جنيهاً، في بعض المحلات.
كشات متواصلة ومصادرات
ويقول أصحاب تلك المحلات، إن ما دفعهم إلى هذه الزيادات الكبيرة هي الكشات المتواصلة ومصادرة (الشيش) والغرامات الباهظة مما اضطرهم لزيادة أسعارها، وقال (م هـ) صاحب مقهى، إنهم اعتادوا على كشات السلطات المحلية على الرغم من وجودهم في منطقة راقية بالرياض، إلا أن الكشات تطالهم كل فترة وتقوم بمصادرة متعلقات الشيشة ويضيف نضطر لإخفاء العمالة الأجنبية حتى لا يتم القبض عليهم خوفاً من الغرامات الباهظة وغير المعقولة، وأضاف -أيضاً- نضطر إلى قفل الأبواب وإدخال الزبائن بعد التحقق من هويتهم أو إدخالهم عبر أبواب خلفية، ودعا محمد السلطات إلى إيقاف هذا الأمر فالشعب السوداني -على حد وصفه -لا يجد أماكن ترفيه يذهب إليها سوى الكافيهات فاتركوه يستمتع بحياته .
شماعة التصديق
وقال (ص ع) صاحب “كافي”، إن الغرامات والكشات أصبحت تؤثر جداً على عمله، فاضطر لتقليل عدد العمال والعاملات بالكافي، ويضيف: نحن ندفع الكثير من الرسوم للمحليات فعليهم مراعاة ذلك ويجب أن لا يتحججوا بأن تصاديق الشيشة ممنوعة ونظل عرضة لهذه المشاكل .
رواية شاهد عيان
وقال الشاب (ب خ) من رواد إحدى الكافيهات التي تقدِّم الشيشة، قال: كنت شاهداً على منظر إحدى الكشات على الكافي الذي يمتلئ بعدد من الأجانب الذين ارتعبوا جداً من منظر رجال الشرطة وهم يقتحمون المكان مثل أفلام الآكشن وحمل الشيش ونزعها من الزبائن ويضيف عملت على تطمينهم أنهم لن يتعرَّضوا لهم وشرحت لهم الموقف لكنهم غادروا بسرعة وعيونهم مليئة بالخوف ، ويضيف اضطرت إحدى العاملات الأجنبيات للاختباء تحت الطاولة التي نجلس عليها لمدة نصف ساعة حتى استطاعت الخروج بعد ذهاب الشرطة حتى لا تقع تحت قبضتهم ويضطر صاحب المحل دفع مبالغ كبيرة لها على سبيل الغرامة .
غير معقول مصادرة الحريات
وقال نبيل أديب، المحامي لـ (التيار)، إن القانون إذا كان غير معقول فإنه يكون غير دستوري، لأن السلطة بطبيعتها تستمد من حرية الفرد، والحريات العامة يجوز للقانون تنظيمها حسب الدستور، لكن لا يجوز له مصادرتها، ووصف نبيل مصادرة الحريات العامة ومطاردة بائعات الشاي والباعة المتجوِّلين بأنه أمر غير عقلاني، وأضاف لابد أن تكون الحملات والكشات وفق الدستور طالما يتعلق الأمر بالصحة العامة، وتابع تحريم الشيشة غير عقلاني إذا كان المنع من أجل الصحة هذا شيء آخر لكن منع البنات من تناولها والسماح للرجال وكونه يتم السماح لجهات بعينها لأنها تدفع مبالغ معينة فهذا غير صحيح، وزاد يمكن فتح أماكن للشيشة في أماكن مغلقة تفادياً لإحداث ضرر بصحة الناس، لكن يجب أن لا تتعلق بالجندر أو القروش فهذا غير معقول.
التيار




من يقف ويهرب فعل شئ
من يقف ويهرب فعل شئ قبل ان يحتسي قهوته كاملة