حجب مواقع التواصل عبر الانترنت في السودان، المعرفة للجميع

عمار قاسم حمودة
٩ يناير ٢٠١٩ ، لندن
ما دعاني لكتابة هذا المقال هو ارتكاب النظام الحاكم في السودان لجريمة الحد من تواصل المواطنين و تعطيل وسائل التعبير السلمي عبر الوسائط منذ انطلاق ثورة ١٩ ديسمبر ٢٠١٨، مع حظر بعض وسائل التواصل الاجتماعية و تحديدا واتساب ( تطبيق التراسل الفوري ) و فيسبوك و تويتر ( مواقع التواصل الاجتماعي المعروفة ) دونا عن بقية المواقع. بل و انتهاك الخصوصية باستعمال خاصية التتبع و رصد المكالمات الهاتفية.
أحب هنا ان أورد بعض الملاحظات من منطلق معرفتي العملية و الأكاديمية المتواضعة بالمجال .
أولا و على المستوى الدستوري، فإن حق التعبير و النشر فيما لا يتعارض و حقوق الآخرين مكفول تماما ، و كذلك حرية التواصل في ارض الواقع او بواسطة الوسائط إلكترونية كانت او غيرها . و إن حرمان اَي فرد من التمتع بهذا الحق يعتبر عملا غير دستوري ما لم يخرق حقا دستوريا لآخرين و بطريقة منصوص عليها قانونا و مجازة . كما ان انتهاك خصوصية اَي شخص في التتبع و الرصد يعتبر عملا غير دستوري بنص الدستور ، ما لم تكن هناك ضرورة قضائية تستند الي بينات و شواهد تقدرها السلطة القضائية استنادا الى قانون مجاز .
ثانيا ، من الناحية القانونية و الإدارية المتبعة في حجب الانترنت او بعض المواقع على الانترنت ، يجدر بنا توضيح الآتي:
قانونيا نشأت الحوجة لتشريعات تستوجب حجب بعض المواقع لعدة دواعي عندما صار الانترنت متداخلا مع الاعمال بصورة وثيقة ، و لذلك نشأت الحوجة للتعامل القانوني فيما يمكن ان يتأذى منه أي متلقي او متصفح للإنترنت ،، و اكبر هذه المخاوف كانت تتعلق بالاحتيال المالي ، و غسيل الأموال ، و لاحقا مكافحة الإرهاب . كما ان هناك جانب يتعلق بحماية الأطفال . و طرف آخر تتخذه بعض الدول التي تجرم معاملات المقامرة و المواقع الاباحية . لكل ما ذكر فإن الامر بحجب المواقع التي تتعامل في ما ذكر من أنشطة تستوجب أمراً من جهة مخول لها الحكم علي طبيعة المواقع علي الانترنت و من ثم إصدار امر الحجب . هناك جهتان لهما هذا الحق ، السلطة القضائية ، و سلطة تنظيم الاتصالات في كل بلد تبعا لمعايير منصوص عليها. أما تفعيل الرصد و المتابعة و تحديد المواقع فهو يقتضي أمرا قضائيا .
يقع إصدار الأوامر الإدارية بحجب موقع معين من ضمن مهام الهيئة القومية للاتصالات ( او جسم تنظيم الاتصالات عموما في اَي دولة ) استنادا للمعايير المعلنة أو استنادا لامر قضائي . و هي الجهة المناط بها فنيا الجزم بحصول ضرر مادي او معنوي حتى تصدر امر الحجب.
يقع تنفيذ امر الحجب على شركات الاتصالات بعد صدور قرار رسمي يوضح المواقع الواجب حجبها ، و يسري بذلك امر اداري موحد متزامن لجميع الشركات مقدمة خدمة التوصيل بالإنترنت لإجراء الحجب.
تقوم الشركات مقدمة خدمة الانترنت عبر ذراعها التقني بعملية حجب المواقع من الناحية الفعلية .
تكتمل الدائرة الإدارية بالمخاطبات التي تثبت تنفيذ الامر الإداري او القضائي . و تتحقق الهيئة من ذلك بالاختبار العملي .
النقطة الواجب ذكرها هنا هو ان الهيئة لا تقتصر مهمتها علي الحجب و إصدار أوامر الحجب ، بل من واجبها ان توقع عقوبات ادارية اذا ثبت ان شركة ذات تصريح بتقديم خدمات إنترنت للجمهور قد حجبت موقعا ما عن المواطنين استنادا الي تقديراتها الذاتية .
في الوضع الحالي – اَي وجود حجب لبعض المواقع – فان المسؤلية تقع على الهيئة القومية للاتصالات سواء بموجب إصدارها لاوامر حجب ، او بالمسؤولية التقصيرية في عدم قيامها بالواجب تجاه الشركات التي قطعت الخدمة عن الجمهور فعليا . ( هذه النقطة سافصلها اكثر في فقرة لاحقة لما نحوية من مسؤولية إدارية و ربما مسؤولية جنائية ).
الانترنت و عالم الاعمال التجارية و الخدمات العامة :
لم يعد من الممكن عمليا الاستغناء عن الخدمات الإلكترونية المقدمة عن طريق الانترنت ، لا في الجانب الحكومي ، و لا في الجانب التجاري . بل هناك تشجيع لاستعمال النظم الرقمية لإنجاز المعاملات الحكومية و التجارية تقليلا للتكاليف و أحكاما للإدارة و تسهيلا علي طالب الخدمة . و لذلك فإن حجب الوصول لخدمة الانترنت بشكل كامل توازي الإضراب العام في دولاب الدولة و في عالم الاعمال خصوصا الخدمات المالية .
للنظام الحاكم بالسودان تجربة صارخة في قطع خدمة الانترنت كليا استنادا لقرارات سياسية أمنية في هبة سبتمبر ٢٠١٣ ، اذ قامت السلطات بتعطيل الخدمة وبصورة كلية. و لم تكتف بذلك بل ألصقت المسؤولية على المتظاهرين وقتها في طفولية مكشوفة ( راجع تقريرنا عن الفساد في قطاع الاتصالات بالسودان الصادر بالاشتراك مع ” المجموعة السودانية للديمقراطية اولا ” بعنوان : خارج نطاق التغطية ، اكتوبر ٢٠١٧).
لم يكن من الممكن او المقبول في ظل تنامي أهمية الانترنت للدولة و الاعمال تعطيله بالصورة السابقة ، و لذلك تم الامر عبر الحجب الانتقائي لمواقع بعينها ( فيسبوك ، واتساب، تويتر ) ، و ذلك فيما يبدو بعد تصنيفها الأكثر تاثيرا في تواصل الجمهور و تفاعله ، اذ شكلت صحافة حرة موازية لآلة النظام الإعلامية الموجهة ، و اكبر اثرا ، و اكثر مصداقية ، خصوصا في وجود بث حي .
تجاريا فإن شركات الاتصالات تضرر جراء حجب المواقع النشطة و المستعملة بكثافة من قبل الجمهور و ذلك لتقليل الاستهلاك لخدماتها . كما يخلق لها حجب المواقع (بدون وجه حق ) تعقيدات مع هذه المواقع في حال وجود اتفاقيات تجارية بينها و بين الشركات العالمية و التي تم ترويج و تسويق بعض الباقات بناءا عليها .
كل ما ذكرناه اعلاه هو من خلال الإطار النظري ، و ما يجب ان يكون عليه الحال في “دولة القانون و المؤسسات الدستورية” . لكن بطبيعة النظام فنحن لسنا كذلك . مما يعني ان ما يجري على الواقع انما يجري بمنطق و أغراض مختلفة كليا عن ما هو مكتوب دستورا . فعند وضع الجانب الأمني ( اعني امن العصابة الحاكمة ) في قلب التناول و البحث تطل علينا حقائق الاستبداد و الدكتاتورية بصورة جلية ، فنجد انتهاك الحقوق و تلبيس الباطل و المراوغة و الإيهام للحفاظ على السلطة و احتكار الثروة. و باعترافات سابقة لأشخاص كانوا يعملون في جهاز الأمن ، و آخذين في الاعتبار قرائن كثيرة نخلص الي وجود استعمال مفرط لآليات التتبع و التصنت و المراقبة خصوصا لمن ينشط في العمل العام المعارض للسلطة الحاكمة. حدث قطع فعلي لكامل خدمة الانترنت اثر اشتداد التظاهرات في سبتمبر ٢٠١٣. و “للمصادفة ” فإن من أعلن التضليل الإعلامي ملقيا باللائمة على المتظاهرين وقتها هو نفسه بشحمه و لحمه الشخص الذي تمت ترقيته بالتعيين في منصب مدير عام الهيئة القومية للاتصالات مع تصاعد التظاهرات لثورة ١٩ ديسمبر !!!
عند السؤال البديهي ، من حجب مواقع التواصل الاجتماعي ؟ او من امر بحجب مواقع التواصل الاجتماعي ؟؟ فانه و بالرغم من الحقيقة الماثلة و المتمثلة في عدم القدرة على الدخول علي هذه المواقع بصورة طبيعية ، الا ان المسؤولية لن تجد من تقع عليه ، و ذلك للتحايل الكبير على القانون . مثلها مثل من قتل المتظاهرين ؟ فلن تجد جوابا برغم ان هناك سلاحا استعمل و هناك شهداء و هناك سرادق عزاء .
الجاني يعلم انه جاني ، و لذلك يحاول ان يتباعد من كل ما يمكن ان يدينه من شواهد . لنأخذ مثلا واحداً وهو وجود امر مكتوب و وارد عن طريق القنوات الرسمية ، هذا الامر لن تجد له سبيلا . لا الآمر يفعل ذلك ، و لا المأمور له الجرأة على طلب القرار بصورة رسمية ، و لا الهيئة القومية للاتصالات لها الجرأة لكتابة الامر نيابة عن الجهة الآمرة و لا هي قادرة على مساءلة الشركات عما اقترفت بدون ان يصدر لها قرار من الهيئة .
الفاعل الظاهر الخفي هنا هو بلا شك جهاز الأمن ، سواء كان الأمن الرسمي او الأمن الشعبي ( للملاحطة فإن مدير الأمن الشعبي لفترات طويلة كان هو مدير سوداتل أيضا، و لا تخفى صلات الأمن بمن هم الان في سدة شركات الاتصالات ) . فهو موجود بصورة رسمية ( او شبه رسمية ) داخل الشركات ، و له قنوات تقنية تمكنه من بيانات و رصد و تسجيل و تحديد أماكن اَي رقم هاتف . مما يعني انه قادر علي التتبع بدون اخطار الشركات او طلب الدعم الفني كما في حالة حجب مواقع الانترنت .
يمكن البدء من أي نقطة و من ثم تتبع الامور ، فيمكن لحماية المستهلك او اَي جهة او حتى لأي شخص ان يرفع دعوى قضائية ضد شركات الاتصالات و ضد الهيئة القومية للاتصالات لمنعه من الوصول للمواقع المحظورة . و قد استبقت بعض شركات الاتصالات التعقيدات القانونية بإصدارها بيانات للرد على الحملات الشعبية التي هاجمتها . جاءت البيانات تحمل نصف الحقيقة و تغض الطرف عن ” الفيل ” . فهي قد ردت على عدم قطع خدمة الانترنت بصورة كلية ، و أحالت أنر حجب المواقع مثار الجدل الى جهات ” خارج دائرة اختصاصها” . لكن المؤكد ان الشركات قد قامت ” تقنيا ” بحجب تلك المواقع . فالخلاصة انها أبعدت عنها التهمة و بذلك تكون قد دحرجت الكرة الى ملعب الهيئة القومية للإتصالات التي تجد نفسها امام خيارين لا فكاك منهما ، كلاهما يدينها :
اما انها أصدرت أمراً من جانبها – حسب تقديراتها – بالحجب ، يتوجب الدفاع عنه ، او استجابة لسلطة قضائية و عليها إثبات ذلك الطلب الرسمي المكتوب .
أو انها عليها تقصير بائن في عدم قيامها بواجبها في إلزام شركات الاتصالات بازالة الحجب ، مع تفعيل الإجراءات الإدارية و القانونية ضدها .
و لذلك فهي في الحالين مدانة اما بخرق القانون او بالامتناع عن تنفيذ القانون . خاصة و ان الحجب مستمر حتي اليوم و لأكثر من أسبوعين .
و لكن ، في بيئة الخوف ، و في وجود نظام لا علاقة له بالقانون او الدستور ، فكل شيء وارد الحدوث و ربما تم فقط بالتهديد او بالتعاون و الامتثال او حتى بالترهيب شفاهة فقط .
هناك حالة شبيهة حصلت اثناء الثورة المصرية ( ٢٥ يناير ) ، فقد اصر بعض الإداريين علي وجوب وجود امر مكتوب من السلطات فيما يختص بايقاف الخدمة ، و بعد الكثير من التهديدات و الشد و الجذب تم الاكتفاء بتسجيل مكالمة من تلفون ثابت الي التلفون الرسمي لتلك الشركة ، المكالمة تحوي أمراً ( شفهيا او تلفونيا ) بقطع الخدمة . لحسن حظهم نجحت الثورة ، و لسوء حظهم لاحقا فقد عاد الحرس القديم بعد مدة . جدير بالذكر أن تلك الحادثة وجدت تناولا أكاديميا رفيعا ، إذ وجدتها كدراسة حالة في مادة ” الاعمال الدولية ” في مقرر إدارة الاعمال.
ما العمل ؟
أفلح الكثير من الشباب في تجاوز الحجب باستعمال تطبيقات تقدم خدمة VPN اَي الشبكات الافتراضية الخاصة و التي تمكن المستخدم من الوصول للمواقع المحجوبة عن طريق استعمال مخارج عالمية لدولة أخرى لتجاوز الحجب . الطريف و المضحك ان رئيس وزراء النظام قد غرد بعد عشرة ايّام من الحجب ، مما يعني انه استخدم تلك الطريقة .
يمكن استخدام الكثير جدا من مواقع التواصل البديلة التي تقدم خدمات التراسل الفوري و المكالمات الصوتية عبر تطبيقاتها مثل ڤايبر و ايمو و سكايب و المواقع الاخرى الأقل شعبية بالسودان مثل تليغرام و انستغرام و غيرهم. و من الجيد ان معظم هذه التطبيقات مشفرة و تحترم الخصوصية في الغالب ، و اكاد اجزم ان جهاز الأمن في السودان بعيد جدا عن ان يخترقها .
للحد من التتبع و التعقب و تسجيل المكالمات ،. ينصح دائما بالتحدث عبر التطبيقات و ليس عن طريق المكالمات العادية ، فالمكالمات العادية و الرسائل العادية SMS هي الأكثر قابلية للرصد و التسجيل .
تغيير الشريحة لوحدها غير كافي ، اذ بجب ان لا تستعمل الشريحة الجديدة على نفس التلفون الذي كان مستخدما من قبل ، و ذلك لكون جهاز الهاتف نفسه اصبح مرصودا كما الشريحة .
عدم حمل الهاتف ( المعروف ) عند الإحساس بالمراقبة . و ان كان و لابد فان اغلاقه عند التحرك و فتحه عند الضرورة يقلل من خطر التتبع . كما يمكن تركه مفتوحا بمكان آخر للتمويه ،، فليس هناك اخطر من وجود اكثر من تلفون مراقب في نفس المكان .
عند التخلص من هاتف ما يجب توخي استخدامه من قبل شخص مقرب او معك على اتصال دائم .
تكلم قد الإمكان عبر تطبيقات ، و ان لم تجد استعمل شريحة من شبكة اخرى مع تغيير الأجهزة باستمرار .
أفضل وسيلة للاجتماعات هي عبر التطبيقات المتخصصة مثل سكايب . و هذه الخدمة مجانية و تتيح مكالمات جماعية بجودة عالية .
استعمال واي فاي ثابت في البيانات يجعلك اكثر عرضة للقبض و المداهمة . استخدم شريحة داتا او شريحة عادية .
في حالة الهواتف الذكية ، يفضل اعتماد كلمة سر قوية للمرور لهاتفك و تجنب تفعيل البصمة .
تفعيل مشاركة مكاني مع شخص موثوق تعتبر جيدة .
بعض الهواتف تتيح أخذ صورة بالكاميرا الامامية و إرسالها لبريد او جهة تحددها سلفا في حال حاول احدهم فتح جهازك الذكي عدة مرات خاطئة ، فعل هذه الخاصية فلن تخسر شيئا و ربما ساعدت في كشف من يحاول ان ينتهك حقوقك .و اتمنى للجميع السلامة و النصر في وطن حر نتمتع فيه بكامل للحقوق و ننهض بكامل الواجبات .
#الحلفياستعادةالدولةالمسروقة
عمار حمودة قاسم [email protected]