أخبار السودان

الموازنة العامة.. هل عدمت الدولة الموارد القومية..؟

الخرطوم: علي وقيع الله

على غير عادة الاقتصاد وحساباته السنوية أن يطل عام جديد ولم تطل معه موازنته المالية أو كما كانت تعلن في السابق، ورغم محدودية انسياب حركة المال والأعمال في العام المنقضي جراء الاستنزاف الذي شهدته موارد البلاد القومية والتي ظهر أثرها المباشر في اهتزاز اقتصادها الوطني، وفي ظل عدم القدرة في التحكم على الاقتصاد الأساسي في الدولة تمثل عملية اتفاق السلام لواقع محاط بالعديد من التحديات التي تواجهها، وبالنظر لقيمة العملة الوطنية أمام أسعار العملات الأجنبية بجانب ارتفاع معدلات التضخم التي شكلت ضعفاً بائناً في المجالات الاقتصادية المختلفة، وعلى غير الاستراتيجية السنوية للدولة في وضع خطط وإعدادات الموازنة العامة وإجازتها ربما نتيجة للتأثيرات التي تعاني منها البلاد.

قال عضو مؤسسة فريدريش آيبرت لمراقبة الموازنة العامة، سامي عبد الحليم، إن المؤسسة جسم رقابي مكون من منظمات المجتمع المدني وتعمل بحكم سيادة القانون واستدامة الديمقراطية، وأضاف: عملت المؤسسة على مراقبة أداء البرلمان في عهد النظام السابق بجانب مراقبة الأداء الحكومي بيد أن هناك صعوبة في الحصول على المعلومات التي تتعلق بإصدارات وإعداد الموازنة العامة لمعرفة تفاصيل الموازنة فيما يتعلق بتحقيق العدالة الاجتماعية.

وأكد سامي في تصريح صحفي سابق أن اتفاقية السلام ستؤثر على الموازنة العامة نسبة للإيفاء بتنفيذ الالتزامات المترتبة عليها التي تتمثل في إنشاء المشاريع وتوصيل الخدمات التي تندرج بالتحديد في القضايا القومية بالإضافة إلى قضايا المناطق المتأثرة التي ستحظى بالتمييز الإيجابي، وأشار في الوقت ذاته إلى عدم إيفاء صندوق النقد الدولي لدعم عملية السلام، بل لم يشار إليه في دعم تنفيذ أي مرحلة حتى الآن، وأكد أن اتفاقية السلام من ضمن برنامجها أن يتم تكوين مفوضية قومية لعائدات الموارد القومية وذلك لمعرفة الموارد نفسها وكيفية تقسيمها وتخصيصها لعملية تنفيذ المطلوبات على أرض الواقع، لكن بعد تكوينها لم تكن ملتزمة بما نصت عليه نسبة لوجود فساد وتجنيب المال – على حد قوله، فيما اعتبر أن اتفاق سلام إقليم دارفور حركته ذات طابع مسلح، بينما اتفاق مساري الوسط والشرق حركته ذات طابع سياسي، وقال: لقد مضى من زمن اتفاقية السلام وكان من المفترض أن يتم تكوين مفوضية صندوق دعم السلام لتباشر العمل لمدة 10 سنوات هذا بجانب إنشاء بنك لإقليم دارفور، وألمح إلى أن اتفاق سلام دارفور بحسب المادة 29 من القانون ينبغي على الحكومة عدم تحصيل الرسوم الدراسية من طلاب دارفور بجانب إسراعها في إنشاء وتأهيل الجامعات والمعاهد والمدارس بالإضافة إلى التعجيل في مسألة رتق النسيج الاجتماعي بين مكونات الإقليم، كاشفاً عن تحديد مبلغ 750 ألف دولار كالتزام تدفعه الحكومة بشكل راتب طيلة فترة الـ10 سنوات القادمة لسد الفجوة والنقص المالي لإقليم دارفور بالإضافة إلى مبلغ 100 مليون دولار من المفترض أن تكون دفعت لسلام دارفور كدفعة أولية، وفي الأثناء توقع سامي أن يؤثر سلام المنطقتين النيل الأزرق وجنوب كردفان على الموازنة العامة، مشيراً إلى أن المادة 16 من القانون تعنى بتقسيم موارد المنطقتين على أن تستحوذ على 40% منها لصالح تلك المناطق رغم أنها موارد قومية بجانب أن 60% تعود للدولة وذلك لمدة 10 سنوات.

اتفاق مسار الشرق

فيما أشار سامي إلى اتفاق مسار الشرق الذي يضم 3 ولايات البحر الأحمر وكسلا والقضارف، قائلاً إن أبرز أولوياته الاهتمام بتنمية السياحة ومعالجة قضايا الكهرباء والمياه والتهريب الجمركي وتهريب البشر، ولفت إلى أن الاتفاقية نصت أن قسمتها من الموارد التي تمتاز بها تلك الولايات تكون حصتها منها 30% لمدة 7 سنوات، وبحسب قوله فإن اتفاقية مسار الشرق بناءً على المادة 72 من القانون تمنح تكوين صندوق لتنمية وإعمار الشرق ويمول من الخزينة العامة للدولة، كاشفاً عن رصدهم لمبلغ 348 مليون دولار لهذه الاتفاقية بحيث لا يكون هذا المبلغ خصماً على الموارد أو التمييز الإيجابي، مشيراً إلى إنشاء بنك شرق السودان الأهلي بناءً على توجيهات بنك السودان المركزي.

 

مساري الوسط والشمال

وفي غضون ذلك أشار سامي إلى اتفاق مساري الوسط والشمال قائلاً: لم يحظيا بمخصصات مالية لجهة أن قضاياها قومية ذات طابع اقتصادي سياسي متمثلة في قضايا السدود وحجم الضرر الناتج من استخدامات مواد استخلاص الذهب بجانب إشكاليات القطاع الزراعي ومحاربة أوبئة الثروة الحيوانية، وأضاف أن الموازنة تضع انعكاس الدولة على اتفاق السلام وهذا الأمر سيؤثر على تنفيذ أي عمل استراتيجي فضلاً عن أن عملية إكمال السلام ذو أثر إقليمي ودولي، كما دعا إلى تكوين لجنة عليا حتى تصير مرجعاً لتنفيذ السلام في حال أي تباطؤ أو إخفاق حال دون ذلك التنفيذ، مبدياً خشيته من الرجوع إلى مربع الحرب نسبة لسوء إدارة الصرف على السلام وضمان استدامته مستقبلاً.

شفافية حصول المعلومة

من جانبه أقرّ منسق عام المنبر السوداني لمراقبة الموازنة العامة، عبد العظيم محمد أحمد بأن وزارة المالية تأخرت في بدء عملية إعداد مقترح الموازنة العام المالي القادمة الجديد، وقال إن هذه الأسس لم تتضمن أي رؤية أو إجراءات جادة لتوسعة فرص مشاركة المواطنين في إعدادها، واعتبر أن وزارة المالية بتأخيرها وطريقتها في إدارة عملية الإعداد لم تلتزم بالمعايير المقبولة دولياً من ناحية الشفافية، وأوضح أن مسألة الشفافية تكمن في حصول الجمهور على المعلومات حول الموازنة العامة للدولة في وقت مناسب وبطريقة سهلة ومفهومة، كما أعاب على غياب الشفافية والنزاهة في ظل عدم توفر الآليات الرسمية المتاحة للمواطنين وتنظيماتهم المدنية المختلفة للمشاركة في عملية وضع الموازنة، كما أشار الى عدم وجود سلطة تشريعية مستقلة كآلية رسمية تمثيلية يتاح من خلالها لممثلين عن الشعب المشاركة في عملية إعداد الموازنة العامة.

تحقيق الاستقرار الاقتصادي

وأكد عدم نشر مقترح الموازنة العامة من السلطة التنفيذية إلى الهيئة المشتركة التي بدورها تحل مقام المجلس التشريعي للموافقة عليها، ويرى عبدالعظيم أنها وثيقة يجب أن تتاح للمواطنين قبل إجازتها بصورة تمكنهم من الحصول على تفاصيل مصادر الإيرادات بشكل عام بالإضافة إلى معرفة مخصصات الوزارات والتغييرات المقترحة في السياسة بجانب المعلومات المهمة لفهم الوضع المالي في البلاد من أجل المشاركة فيه بالحوار والمناقشة حوله ومراقبة أداء التشريعي عند تعديل أو إجازة المقترح، وأضاف قائلاً إن مقترحات الموازنة المقبلة تأتي في ظروف بالغة التعقيد بسبب جائحة كورونا وآثارها الصحية على البلاد، مؤكداً بذلك أنها فاقمت الأزمة الاقتصادية في السودان الذي يعاني من اختلالات هيكلية مما يتطلب سرعة المعالجة الآنية، وشدد في ظل هذه الأزمة ينبغي على وزارة المالية أن تكون من أهم أولوياتها التركيز على تحقيق الاستقرار الاقتصادي وذلك بالعمل على خفض معدل التضخم الذي بلغ مستويات مرتفعة لم تشهدها البلاد منذ العهود السابقة، كما طالب بضرورة تضافر الجهود لاستقرار سعر الصرف لدرجة أن عدم استقراره أضر بالتجارة الخارجية والاستثمار بصورة ملحوظة، في وقت أشار فيه إلى أن الدولة باتت تعتمد على طباعة مزيد من النقود باستمرار وهذا ما خلق تصاعداً في معدلات التضخم، لافتاً إلى أنه فاقم من استقرار حالة عدم استقرار الاقتصاد الوطني بجانب اختلال موازنة العام السابق.

 

برامج للقياس والتقييم

ويشدد على ضرورة الالتفاف للسياسات العامة البديلة التي تتطلبها موازنة 2021 القاضية بجذب تحويلات المغتربين السودانيين في بلدان المهجر بجانب تعزيز دور القطاع العام لا سيما مؤسسات الصمغ العربي والأقطان والثروة الحيوانية والحبوب الزيتية والتعدين لتصدير منتجاتها إلى الخارج وبالتالي يكون عائد إيراداتها بالعملات الصعبة إلى خزينة الدولة عبر النظام المصرفي الموحد، وأكد على أهمية أن تحرص وزارة المالية بتوضيح الخطوات والإجراءات العملية التي تنوي القيام بها بجانب الكيفية التي ستتخذها لتخفيض العجز الذي يدفع الدولة إلى الاستدانة من البنك المركزي، كما طالب بضرورة وضع موجهات واضحة تقود إلى برامج عمل بأهداف محددة قابلة للقياس والتقييم يتم نشرها بعد إجازة الموازنة العامة بطريقة مبسطة يسهل على الجميع متابعة تنفيذها.

 

برامج عملية فعلية

في الوقت ذاته أضاف أن مجلس الوزراء وثق لمراقبة الموازنة المقترحات والمعالجات المطروحة عبر الحوارات التي نظمها في فضاء المجتمع المدني والتي ركزت بصورة كبيرة على أهمية خلق التنسيق والتكامل اللازمين في برامج عمل أجهزة الدولة متمثلة في برنامج عملي يؤدي إلى وضع كل الأموال العامة في وعاء واحد يصرف منه بحسب الأولويات بجانب برنامج لتنظيم صادرات الذهب باعتبارها من أهم موارد السودان في الوقت الحالي سيما أن قطاع الذهب التقليدي ذات عرضة أكثر لعمليات التهريب بالإضافة كذلك لبرنامج متكامل بين الوزارات يركز على قطاع الزراعة ومعالجة المشكلات المتداخلة بما فيها عدم توفر الطاقة وإعادة تأهيل طرق النقل وإنارة المساكن والمدارس وتشغيل الأجهزة والمعدات الخاصة والحكومية وبالإضافة إلى برنامج عملي يركز على الاستفادة من الموارد المحلية وتطويرها وجنباً إلى ذلك برنامج لمشاريع زراعية وإسكانية وصناعية للمغتربين بتسهيلات مجزية حتى تسهم في حل لمشكلاتهم في المجالات كافة كما حث على ضرورة برنامج عملي لتقليل الصرف على الأمن والدفاع والقطاع السيادي فضلاً عن توجيه المصروفات الفعلية للتعليم والصحة والحماية الاجتماعية فضلاً عن برنامج عملي لمحاربة الفساد يشمل القيام بتفعيل الأنظمة الإلكترونية المختلفة والحوسبة لأهميتها في مكافحة الفساد.

اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..