مقالات وآراء سياسية

جرد حساب الثورة  

 النور العباس
 هذا المقال مكتوب قبل استقالة حمدوك
ظللنا نتحدث عن الثورة بقدسية ومبالغات كانها ليست صنع بشر ولايعتريها الخطأ رغم ما حققته من انجازات وضعت البلاد في المسار الصحيح وشهد العالم . بشجاعة وجسارة الشعب السوداني لكنها لم تستكمل غاياتها بعد رغم التضحيات الجسام وهذا يدعوا لرفع القدسية الثورية لتناول وتشخيص الاخطاء حتى تتم معالجتها ويقوى عود الثورة وتعود للسير في الطريق الصحيح لتحقيق اهدافها المعلنة والمتمثلة في الحرية والسلام والعدالة ورغم اتهاماتي نبيلة وقيم سامية مجرد من اي لون وشكل سياسي  الا انها لم يتم تطبيقها  بصورة مجردة وتم تجييرها بواسطة الفاعلين  السياسيين .

عندما انتصرت الثورة  في ابريل ٢٠١٩ نجح الثوار في فرض سيطرتهم واجبروا الجيش ان ينحاز اليهم وبدوره اقال البشير  وزمرته وتقلد الأمر قائد الجيش الفريق بن عوف ولكن بعد ساعة من اعلانه البيان تم الضغط عليه  حتى استقال خلال ١٢ ساعة من توليه القيادة ومعه تمت اقالة عدد من القيادات العسكرية والامنية المحسوبة على النظام السابق وتسلم القيادة الفريق البرهان وفي عهده جرت مفاوضات بين الحرية والتغيير والمكون العسكري انتهت بتوقيع الاعلان السياسي والوثيقة الدستورية اسسا لميلاد الازمة السودانية المتناسلة فعندها ادرك العسكر ضعف وتهافت الحرية والتغيير على السلطة بدات تتشكل لدى العسكر قناعة بان شريكهم ضعيف وطامع  لذلك اصبحوا يفكروا جديا في احكام السيطرة  على السلطة كاملة وهذا ما حدث بالفعل بل اصبحوا يتحينون الفرص لاقصاء شريكهم من السلطة في عدة مناسبات منها ٣ يونيو  ٢٠١٩ فض الاعتصام واحداث ٣٠ يونيو ٢٠١٩ المسيرة الكبرى وسالت دماء كثيرة واعلن البرهان فض الشراكة قبل ان تكتمل ولكن تصدى لهم الشارع ووفر حماية للحرية والتغيير واجبر العسكر للجلوس مع القوى المدنية مجددا لكن الاخيرة لم تستفد من الدرس ودخلت في مساومات على كثير من القضايا خصوصا استكمال هياكل السلطة التي تحمي الحكم وتحصن الحقوق فكان تغييب المجلس التشريعي والمفوضيات خصوصا مفوضية الدستور والانتخابات والمحكمة الدستورية ولجنة استئناف لجنة التمكين وغيرها تعمد لتغييب العدالة في دولة ينتظر ان تصبح دولة قانون وكان غياب هذا الهيئات بمثابة القشة التي قصمت ظهر الثورة باتفاق الطرفان لتمرير اجندتهما  ولاعزاء للثورة ولا اسر الشهداء .

للحديث عن المرحلة الاولى من الثورة نتحدث عن الطرفان الفاعلان في المشهد السياسي وهما المكون العسكري ونقصد به ممثلي الجيش في مجلس السيادة ولجنة ازالة التمكين وهي ممثل للحرية والتغيير فهذان الجسمان كان لهما التاثير الاكبر على المشهد السياسي وماسواهما كانت ادوارهم اقل درجة بما فيهما رئيس الوزراء الذي انصب جل اهتمامه على تنفيذ اجندة المجتمع الدولي الاقتصادية وهي على اهميتها لكنها ماكان لها ان تتحقق دون اصلاح داخلي حقيقي لمؤسسات الحكم واعادة هيكلة القوات النظامية وهذا مالم يستطع حمدوك القيام به طوال تاريخ توليه المنصب

شهدت المرحلة الاولى من الثورة التركيز على الاشخاص وتجاهل الموسسات والسياسات والقوانين فكان تشكيل لجنة ازالة التمكين بطريقتها المعلومة معيبة قانونيا وسياسيا واصبحت ملهاة حقيقة عن تحقيق اهداف الثورة فعلم العسكر ان الحرية والتغيير  متعطشة لتصفية خصومتها من اعضاء النظام السابق فجاء تشكيلها كمساهمة للكف عن الدعوات لاصلاح القوات النظامية مقابل تشكيل لجنة التمكين بصلاحيات موسعة وتحت رئاسة ضابط عسكري مسؤليته وهذا من الناحية الادارية والقانونية معيب فكيف لضباط عسكري ان يتحكم في اجهزة مدنية ويقيل قضاة ودبلوماسيين ومستشارين وموظفي خدمة مدنية اخريين دون  توفير ادني معايير العدالة بحيث لا يحق للمفصول ان يدافع عن نفسه فضلا ان التشهير به في مؤتمرات صحفية هزلية وكذلك حال لجنة الاستئناف التى لم تر النور وهي برئاسة ضابط عسكري وثالثة الاثافي هي تبعية اللجنة للمجلس السيادي رغم انها تختص بالخدمة المدنية كما ان قانون لجنة التمكين كحال الوثيقة الدستورية يتم تعديله متى ماكانت حاجة الشركاء بما يحقق اغراضهم وعاثت اللجنة فساد وظلما واصبحت اداة لتصفية الحسابات لكل من يخالف تعليمات الحرية والتغيير والعسكر .

كان تغييب المحكمة الدستورية الكارثة الكبرى بغرض تحصين قرارات الطرفين حتى اصبحت اجهزة العدالة لعبة في ايدي العسكر والحرية والتغيير فنسمع اطلاق سراح اشخاص وادانة اخرين وتهريب اشخاص خارج البلاد باوامر من العسكر او من لجنة ازالة التمكين والامثلة كثيرة ولاحصر لها نذكر منها ملابسات اطلاق سراح رجل الاعمال التركي اوكتان وقضية زوجة الرئيس المخلوع وقضية رشاوي الشركة الصينية  واعتقال معمر موسى وبلغت قمة الاستهانة بالعدالة عند اندلاع الخلاف بين البرهان وصلاح مناع وانا المصالحة بينهما كان الامر شخصي وظهرت موهراً قضية فساد اعضاء لجنة التمكين والحسابات البنكية لضابط الشرطة العاملين مع لجنة التمكين وغيرها الكثير من القضايا التي وسمت الفترة الانتقالية بالفوضى القانونية وتفشي المظالم والمحسوبية لاسيما في التعيينات .

الشاهد في كل ماتقدم ان شخصنة القضايا اضاع كثير من قيم الثورة تحت عنوان مصالح الطرفين وكان من المنتظر  ان يقف رئيس الحكومة ويتصدى لهذه الممارسات الانتهاكات من اعتقالات وتهريب ومضاربات كانت تتم تحت سمع وبصر اجهزة الحكومة ولم تكن هناك جدية من  الاطراف في ايقافها مما انعكس على الاوضاع السياسية والاقتصادية والامنية فتردت الصحة والتعليم ومعاش الناس وحتى الحريات التى هي من اقدس قيم الثورة تم انتهاكها بصورة مخجلة حتى اضطر مجلس حقوق الانسان ارسال مبعوث خاص السودان وكنا نظن ان السودان قد تجاوزنا هذه المرحلة بذهاب النظام السابق .

كانت النيابة العامة الخطيئة الكبرى في عهد الثورة حيث أصبح النائب العام موظف لدي العسكر والحكومة في حين انه  طرف مستقل عن كلاهما ولايخضع لهما ولكن بسبب طريقة تعيينه اصبح يجتهد في تنفيذ طلبات الشريكين واصباغ الصفة القانونية عليها وفي احيان كثيرة يحدث تقاطع واضح بين النيابة العامة والمكون العسكري ولجنة التمكين وكانت الامور تسير حسب رغبات متخذي القرار وهذا الوضع افرغ النيابة العامة من صلاحياتها واصبحت مجرد مكتب شرعنة لتجاوز القانون  وتصفية الحسابات .

كان مكتب رئيس الوزراء على ضعف دوره في صنع القرار السياسي في البلاد يعد مثالا لابرز اوجه الفشل والفساد بداءً من طريقة تشكيله ومهامه واختصاصاتها ومخصصاته التى كانت تحوم حولها كثير من الشبهات ويكفي ان يكون رئيس الوزراء ورئيس الحكومة وهو يحمل جنسية دولة أخري والحال ينطبق على اغلب سكرتارية مكتبه الذين يقبض عدد منهم رواتبهم من جهات اجنبية  بل ان بعضهم موظف في دول او منظمات اجنبية .

منذ ذهاب النظام السابق وحتى الان لم يتغيير شي في شكل السلطة والدولة فقد استمر الفساد  والمحصاصات والافلات من العقاب وقمع للحريات وتكميم افواه الخصوم وظلت على ماهي عليه وكانت حكومة ولاية الخرطوم تصدر النشرات  باغلاق الكباري في حال قيام مظاهرات سلمية بتوقيع والي الخرطوم  الذي أتت به الثورة ويتم قنص المتظاهرين واعتقالهم فلم تستطع حكومة الثورة ايقاف قتل المتظاهرين السلميين وكانت الحكومة تتبرم من التظاهرات السلمية .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..