مقالات سياسية

أهداف عكسية في مرمى الإنقلابيين

نور الدين سليمان جارالنبي 

يتمثل الهدف من أي عملية في الغاية التي يُراد تحقيقها أو الوصول إليها من تلك العملية ، وفي سبيل ذلك يتم استخدام إجراءات وتكتيكات تشمل الوسائل والأدوات اللازمة لتحقيق الهدف المرسوم وهو ما يعرف بالإستراتيجية.

وكما يعلم المتابع للشأن السوداني ، ومنذ اللحظات الأولى للإنقلاب كان الهدف واضحاً بالتصدي للشارع الثائر وكبح جماح مده الساخن ، متبعين في ذلك استراتيجية هوجاء تمثلت أدواتها ووسائلها كما أفادت الكثير من التقارير والشواهد على الأرض في القمع المفرط واستخدام مميت للقوة والبطش بأسوأ صوره والنهب المهين واغتصاب حرائر الوطن . مثل هذه الأدوات والوسائل لن تأتي بنتائج كما يتمناها الطغاة مثل إسكات وإخضاع الشعوب. حينما يتعلق الأمر بشعب يتلاحم بعضه بعضاً ، يتألم أحدهم في أقصى بوادي البلاد وضواحيها لتعذيب أو مقتل شخص آخر في منطقة أخرى ليس بينهما روابط غير الوطن وربما الدين ، عندها تأكد تماماً أن هذه الأدوات لن تحقق مبتغاها ، بل ستأتي بنتائج عكسية غير متوقعة لمن لم يفهم دم وطبيعة الشعب السوداني.
وبلغة الساحرة المستديرة كانت جلية نية البرهان وزمرته في هز شباك الثوّار والانتصار عليهم ، وقد فعل (رماته) كل الممكن وبعض المستحيل بكفاءة كبيرة (نعم بكفاءة لأن الكفاءة هي فعل الأشياء بطريقة مثالية بغض النظر عن وضعية الهدف من حيث الخساسة والعظمة، فهولاء الإنقلابيون مارسوا ما يتفوقون به على هتلر زعيم النازية). إلا أن هذه الأهداف التي حققوها كانت أهداف عكسية ولجت مرماهم الذي تحرسه الحاويات وقنابل الغاز والطلق المطاطية والرصاصات الحية. وبحديث التكتيكات العسكرية تعرضوا إلى نيران صديقة بفضل تموضعهم خلف أحلام ومغامرات واستشارات خاطئة واستخدام تكتيكات لا تجدي نفعاً مع هذا الجيل الذي لن يهدأ له مرجل غضب ولن يبارح مواقع النضال إلا بعودة العسكر لثكناتهم وتحقيق العدالة كاملة وبناء الوطن الذي يحلمون به حدادي مدادي تسوده المدنية والديمقراطية ، ينبلج فوق أرضه فجر الحرية والمساواة واحترام حقوق الإنسان . هذه النيران الصديقة والأهداف العكسية التي ضربت أحلامهم الوردية في كبدها، جعلت أمر سقوط عرشهم الواهن مسألة وقت ليس إلا بنصرٍ من الله مهما توهم بعض الخبراء الاستراتيجيون ومهما تكالبت مخابرات الدول التي لا تريد بإنسان البلاد خيراً.وفيما يلي أهم الأشياء التي أدت إلى حدوث الأهداف العكسية :
أولاً : القتل ، نظرية إخافة الناس بالقتل تأريخياً لم تنجح في كل الحالات ، بعض الأحيان تأتي بنتائج عكسية كما هو الحال في السودان ، وما أصوات الغضب الشعبي العارم والتنديد والشجب ضد هذه العملية إلا دليل على ذلك . هذه الوسيلة الجبانة حصدت أرواح بريئة عزيزة وطاهرة إرتقت إلى ربها نسأل الله أن يتقبلها مع الشهداء والصالحين في جنان الخلد ، وأصابت المئات بعلل وآهات وجروح لم تندمل حتى الآن . المتتبع للمشهد بعينين صادقتين يلحظ النتائج العكسية للقتل الذي تمت ممارسته منذ الإنقلاب المشؤوم ، وهذا الفعل قد قاد كثيرين كانوا على الرصيف أو بعيداً عن شوارع النضال لإعتباراتهم الخاصة جداً ، هذا الفعل قادهم إلى أتون الثورة غير آبهين بشيء من قبيل الخوف والترويع.ثانياً : اللعب على الزمن : ظل الانقلابيون يعزفون على هذا الوتر ظنأ منهم أو جازمين بأن الوقت كفيل بجعل الشوارع تنحسر منها أصوات الغضب وروح الثورة ، إلا أن مرور وقت طويل نسبياً على أمد الإنقلاب دون تحقيق أي بند من بنوده خاصة فيما يتعلق بمعاش الناس وإستكمال هياكل السلطة الإنتقالية من مفوضيات ومجلس تشريعي ومجلس وزراء وغيرها . هذا التأخير كشف الوجه الحقيقي للإنقلابيين لعامة الناس بأن الهدف الأول والاستراتيجي الذي يشغل تفكير جماعة الإنقلاب هو كيفية القضاء على الشارع الثائر ، فلا إهتمام بمعاش الناس بل حدوث مزيداً من المعاناة على المواطنين ليس بداية بزيادة أسعار الكهرباء أضعاف كثيرة وليس انتهاءً برفع الدعم عن الخبز والغاز .

ثالثاً : نهب تلفونات وتخريب ممتلكات الكثيرين المتزامنة مع فض المواكب من قبل بعض القوات النظامية ، قد يكون له أبعاد تتمثل في تحفيز هؤلاء الذين يقومون بتلك العملية ، وقد تجعل بعض الثوّار يخرجون في المواكب دون إستصحاب هواتفهم الذكية وبالتالي تقليل عمليات تصوير المواكب والانتهاكات التي تتم فيها، لكن ما يجهله البعض أن هذا الأمر خطير وبالضرورة قد زاد الشرخ في العلاقة بين الشعب وقواته الأمنية وهذه لا يتمناها أي فرد ذو عقل رصين .
رابعاً : اعتذار الانقلابيون لقناة العربية والحدث عن انتهاكات جنودهم ضد هاتين القناتين . الإعتذار والرجوع عن الخطأ بكل تأكيد فعل حميد يستحق الثناء ، ولكن كما يعلم المتابع ظل السؤال منتصباً، لماذا قناة العربية والحدث دون غيرهما مع أن انتهاكات ذلك اليوم طالت قنوات أخرى كالشرق ومصور قناة روسيا اليوم وبعض الصحفيين ، وأن دماء الشهداء لم تجف على تراب الوطن في ذلك اليوم ولم تتم موارة جثثهم الثرى ، لماذا لم يذهب الإنقلابيون إلى ذوي الشهداء أو حتى الترحم عليهم عبر وسائل الإعلام؟ لأن من عرف السبب تعجب لما يفعله الريال والدرهم بضمائر الناس.

خامساً: تقفيل الكباري بالحاويات بغرض منع تدفق الثوّار من أم درمان وبحري إلى وسط الخرطوم ، قد حققت لهم هذه الغاية إلا أنها أصبحت تستخدم ضدهم ، بمعنى أنه لو تم قفل الكباري بالحاويات سوف تعيش الخرطوم في عصيان مدني بأمر الإنقلابيين أنفسهم ، وإذا تركت الكباري دونها سيتدفق الثوّار إلى قلب الخرطوم لتعزيز ودعم إخوتهم وأخواتهم هناك وبالتالي سيول بشرية تجرف كل طوق أمني وتسرِّب الخوف والهلع في قلب كل إنقلابي والذين بشجعونهم . وقد يحقق الاعتصام في أي مكان يختاره الثوّار لأن تجاربهم العملية أثبتت أنهم يبلغون وجهتهم مهما كانت المتاريس والعقبات .

سادساً: استباحة دور العبادة وبيوت المواطنين والمستشفيات بقنابل البمبان ، لن يعود على الانقلابيين بشيء غير الحنق والغضب من مختلف قطاعات المجتمع وتعريف الناس الذين كانوا يظنون خيراً في الإنقلابيين بهذه الجرائم عن تجارب عملية وليست إدعاءات.

على هؤلاء الانقلابيون أن يدركوا حقيقة أن هذا الإنقلاب لن يمضي إلى الأمام كما يتخيلون ، وأن إنشاء دولة الطغيان التي يتمنونها لن تتم ، وأن يد العدالة ستطالهم مهما بطشوا ..

وإذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بدّ أن سيستجيب القدر.

[email protected]

تعليق واحد

  1. كلام في الصميم والله.. اسأل الله العلي القدير أن ياخذهم اخذ عزيز مقتدر.. وان يتقبل شهدائنا ويشفي جرحانا…

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..