استقالة حمدوك تضاعف الضغوط على العسكريين والمدنيين

السودان يواجه سيناريوهات عديدة لا تخلو من شبح الانخراط في العنف المفرط مع تباعد المواقف السياسية وصعوبة الوصول إلى حل تقبله المكونات المؤثرة في المشهد السياسي.
وضعت استقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك كلا من القوى المدنية والمؤسسة العسكرية في مأزق جديد، بعد أن أصبحت البلاد أمام سيناريوهات عديدة لا تخلو من شبح الانخراط في عنف مفرط، مع تباعد المواقف السياسية وصعوبة الوصول إلى حل تقبله المكونات الداخلية المؤثرة في المشهد العام.
وأدت استقالة حمدوك التي أعلنها مساء الأحد إلى خلط أوراق المكون العسكري الذي راهن على ترويضه لتمرير الانقلاب على السلطة في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، وتجبره على التفكير في بدائل منتجة مع تصاعد الاستنفار تجاه تحركاته.
وخسر الجيش جولة جديدة من الصراع مع المكون المدني، بعد أن أحبطت الاستقالة مخطط إبعاد قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) عن المشهد السياسي تماما، وأصبح هناك تقارب بين رؤى التحالف الحكومي السابق والشارع، وقد تكشف الأيام المقبلة عن زخم على نحو أكبر يدفع إلى تحول في معادلة السلطة الحالية.
ومن المتوقع أن تتزايد الضغوط الدولية على العسكريين لتشكيل حكومة مدنية تلقى قبولا لدى الثائرين والقوى المدنية والشعبية الداعمة لهم، وهو أمر سيواجه صعوبات كبيرة مع إصرار القوى الثورية على استقالة قادة المجلس العسكري الذين دعموا الانقلاب على السلطة، وضرورة محاكمة من تورطوا في أحداث العنف التي وقعت في مناطق متفرقة الأيام الماضية وأدت إلى العشرات من الضحايا.وشددت وزارة الخارجية الأميركية الاثنين على أن تعيين رئيس الوزراء والحكومة السودانية المقبلة يجب أن يتماشى مع الإعلان الدستوري، لتحقيق أهداف الشعب في الحرية والسلام والعدالة وضمان استمرار الحكم المدني، وأن واشنطن تقف بجانب الشعب لأجل تحقيق الديمقراطية.
ويشير الموقف الأميركي إلى أن هناك حرصا على عدم السماح بهيمنة المكون العسكري على السلطة، وأن استقرار الأوضاع في الشارع ووقف العنف ضد المتظاهرين وإقناعهم بتشكيل حكومة مدنية سوف يكون مؤشرا على شكل الضغوط الدولية، ما يتضمن إشارة إلى وجود نوع من الحصار المفروض من الداخل والخارج حول العسكريين وعليهم تقديم المزيد من التنازلات، وليس جني المكاسب.
ومن بين تلك التنازلات عدم استبعاد التضحية بعدد من قيادات مجلس السيادة، وفي مقدمتهم رئيسه الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وأن محاولات تسكين الشارع بفرض إجراء انتخابات مبكرة لن تلقى قبولا، ما يعني أن الترتيبات التي بنيت على وجود حمدوك فشلت، ويقود الإصرار عليها إلى توسيع الغضب الشعبي وفتح الطريق للعنف.
وينظر المكون المدني إلى خروج حمدوك بقلق سياسي، لأنه كان يشكل منفذا مهما لتنفيذ رؤى وتوجهات تتقارب مع قناعات المدنيين في النهاية، وجرى التعويل عليه لاستعادة حضورهم في السلطة، وجاءت الاستقالة لتجهض محاولات قوى الحرية والتغيير في تحييد الحركات المسلحة التي انحازت من قبل للعسكريين.
ومن الصعب على قوى الإعلان السياسي، التي تضم الأحزاب المنضوية تحت لواء الحرية والتغيير (المجلس المركزي) وبعض الشخصيات القومية، أن تجد بديلا مقبولا لدى الشارع لتولي منصب رئيس الوزراء، وأن الاتجاه نحو التقارب مع المكون العسكري لن يكون مجديا وسيلقى رفضا من الشارع.
وقال القيادي بقوى الحرية والتغيير البشري الصائم إن جميع الأطراف المشاركة في السلطة خاسرة، خاصة المكون العسكري الذي تصور أنه أعطى شرعية لانقلابه بالاستعانة بحمدوك لتوقيع الاتفاق السياسي في الحادي والعشرين من نوفمبر الماضي.
وأضاف لـ”العرب” أن توقيع حمدوك على هذا الاتفاق منفردا ودون أن يكون ممثلا رسميا للمكون المدني وفاقدا للحاضنة السياسية كان خطأ فادحا، ومع استقالته أصبح الاتفاق فاقدا لقيمته وأثره، ومستمرا من طرف واحد، وهو ما يدخل المكون العسكري في أزمة ويعيده إلى حالة الانقلاب من جديد.
ويقول مراقبون إن إقدام المكون العسكري على تعيين حكومة لتصريف الأعمال يمكن أن يواجه برفض من غالبية القوى المدنية، واعتراضات من القوى الثورية في الشارع التي لن تتقبل هذه الخطوة، وقد تعتبرها التفافية وعودة جديدة للشمولية التي لفظها الشعب مع ثورة ديسمبر في ظل عدم إنجاز متطلبات الفترة الانتقالية.
ومن الصعوبة على أي حكومة أن تحدث أثرا إيجابيا سريعا على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، مع استمرار قادة المجلس العسكري على رأس السلطة.
وذكر الصائم لـ”العرب” أن القوى المدنية تواجه أزمة داخلية هيكلية، لأنها غير متوافقة حول رؤية موحدة للحل السياسي، وكافة المبادرات التي قدمت من قبل حزب الأمة القومي وتيار الميثاق الوطني هي بلا جدوى، بعد أن فشلت في عدول رئيس الوزراء عن استقالته.
وباتت القوى السياسية مطالبة بحسم موقفها والاختيار بين الانحياز للشارع ودعم مطالب إسقاط العسكريين، وبين الانخراط في مفاوضات معهم لتشكيل حكومة جديدة، وفي الحالتين يمكن أن تتكبد القوى المدنية خسائر باهظة.
وعبّر توجه حمدوك باستقالته إلى الشعب عن غياب حضور القوى المدنية التي دعمت تعيينه كأول رئيس حكومة بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير، ما يعني أن الاستقالة ذاتها مثلت لطمة على وجه القوى السياسية قد يستفيد منها خصومها.
وقالت المحللة السياسية انتصار محمد الحسن إن الشارع هو الطرف الوحيد الذي حسم موقفه ولم يتأثر بالاستقالة، بعد أن تجاوز في تحركاته جميع القوى المدنية والعسكرية، وتتسابق الأحزاب حاليا لتقديم وجوه جديدة للساحة بديلة لتلك التي لفظها، أو سيلفظها، الشارع منذ اندلاع الثورة، وهو الأمر ذاته بالنسبة للمكون العسكري الذي سيجد نفسه مضطرا إلى اللجوء إلى تغيير في الوجوه للحفاظ على مكانته في قلب السلطة.
وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن التساؤل الذي يفرض نفسه يرتبط بماهية الطرف الذي ستكون لديه شرعية تعيين رئيس وزراء جديد للفترة المقبلة، لأن إقدام المكون العسكري على تلك الخطوة يرسخ لمكاسب الانقلاب العسكري في أكتوبر الماضي، وسيكون هذا التعيين مرفوضا من غالبية القوى المدنية.
ويعد التوصل إلى حالة من التوافق النسبي بين الأحزاب السياسية والشارع، أو بين القوى المدنية الرئيسية والمكون العسكري من القضايا الصعبة، ما يستوجب الدفع نحو المزيد من الضغوط الدولية لتمرير الفترة المقبلة وعبور المرحلة الانتقالية وتقليل منحنى الانزلاق إلى العنف.
العرب اللندنية