مشاورات الأمم المتحدة.. جهود لمنع “انزلاق السودان إلى الهاوية”

في الوقت الذي تطلق الأمم المتحدة جولة مشاورات بين المدنيين والعسكريين لحل الأزمة في السودان، ما تزال دوامة العنف من قبل قوات الأمن بحق المتظاهرين في تصاعد، وأسفرت حتى الآن عن مقتل 60 متظاهرا على الأقل منذ أكتوبر الماضي.
وكان رئيس الوزراء عبدالله حمدوك قد أعلن استقالته مؤخرا محذرا من أن البلاد تواجه “منعطفا خطيرا قد يهدد بقاءها” وأنه كان يسعى إلى تجنب “انزلاق السودان نحو الهاوية”.
ويعقد مجلس الأمن الدولي، الأربعاء، اجتماعا مغلقا غير رسمي للبحث في آخر التطورات في السودان، على ما أعلنت مصادر دبلوماسية مؤخرا.
فهل يمكن لمشاورات الأمم المتحدة حل الخلاف بين المدنيين والعسكريين؟ وهل يمكن للمدنيين تشكيل حكومة كفاءات لتسيير الأمور لحين إجراء انتخابات؟ وهل سينزلق السودان نحو الهاوية، ويعود إلى الديكتاتورية؟
لا حل في الأفق
الناشط السياسي السوداني، أيمن تابر يرى “أن المعطيات على أرض الواقع لا تشير إلى وجود حل يلوح في الأفق للأزمة ما بين المدنيين والعسكرين، وحتى لو كانت بجولات مباحثات ترعاها الأمم المتحدة”.
وأضاف الناشط المقيم في الولايات المتحدة في حديث لموقع “الحرة” أن “الشارع السوداني بقواه الثورية غير ممثل في المشاورات، وحتى أنها لا تضم قوى الحرية بين التغيير التي أعلنت تمسكها بإسقاط اللجنة الأمنية”.
ويرجح أن مبادرة المشاورات “ولدت ميتة” ولن يكون لها أثر حقيقي في رأب الصدع بين ما يريده الشارع السوادني وما سيتحقق على أرض الواقع، خاصة في ظل تمسك العسكريين في السلطة، وقمع وقتل المتظاهرين.
ويؤكد تابر أن الشارع السوداني يطالب بعودة العسكريين إلى الثكنات، ومحاسبة المتورطين في مقتل المتظاهرين، وتشكيل حكومة مدنية بالكامل تمثل الكفاءات خلال الفترة الانتقالية إلى حين إجراء الانتخابات.
وزاد أنه باستقالة حمدوك من رئاسة الوزراء جعل المشهد كله “عسكريا”، حيث لا يوجد مدنيين حاليا في السلطة، وبما جعل العودة إلى ما قبل 25 أكتوبر مستحيلة، وحتى بقدوم رئيس وزراء مدني جديد سيواجه التحديات ذاتها التي واجهها حمدوك بعدم القدرة على تشكيل حكومة كفاءات، فالأغلبية ترفض المشاركة ضمن “النظام الانقلابي العسكري”، حسب تعبيره.
واستمرار التظاهرات في السودان، يعني إصرار الشارع على إسقاط النظام بشكله الحالي، ورغم العنف الذي يواجهونه فما زال المتظاهرون يصرون على السلمية، وفق تابر.
ويرى تابر أن السوادن “انزلق إلى دكتاتورية عسكرية منذ 25 أكتوبر، حيث تم تفعيل آلة الاعتقالات للمدنيين والتي طالت الوزراء والمسؤولين، والمشهد الحالي أسوأ مما كانت عليه الأمور أيام الديكتاتورية العسكرية التي كان يحكمها عمر البشير”.
لا ثقة بالعسكريين
المحلل السياسي، فريد زين، يرى أن مشاورات الأمم المتحدة “يمكنها حل الخلاف بين المدنيين والعسكريين ولكن وفق مبادئ مختلفة عما جاء في الوثيقة الدستورية، خاصة وأن العسكريين أثبتوا أنه لا يمكن الثقة بهم”
وأوضح زين المقيم في الولايات المتحدة لموقع “الحرة” أن “الأمم المتحدة عليها التأكيد على مدنية الحكم، وعودة العسكر للثكنات”، مشيرا إلى أن الشعب السوداني سيستمر في نضاله حتى رغم سقوط ضحايا بينهم وحتى الوصول للحكم المدني الذي يصبون إليه.
وأضاف أنه لدى المدنيين إذا أتيحت لهم الفرصة، قدرة حقيقة على تشكيل حكومة كفاءات لتسيير الأمور لحين إجراء الانتخابات.
ويؤكد زين أن الشعب السوداني كان قد “مر بتجربة قاسية خلال الحكم العسكري الديكتاتوري الذي تعرض له، ولن يكرر تجربته مرة أخرى على الإطلاق”.
فتح الباب أمام مبادرات وطنية
الكاتب الصحفي السوداني، سنهوري عيسى يستبعد “انزلاق السودان إلى الهاوية” مؤكدا أنه يوجد “وعي كبير لدى الشعب السوداني وحتى القوات المسلحة والمنظومة الأمنية في البلاد، وهو ما سيمنع من من استمرار حالة الفوضى”.
وأضاف أن استقالة “حمدوك كانت أفضل شيء إيجابي يشهده السودان منذ بداية المرحلة الإنتقالية، والتي تكمن في انتهاء فترة رئاسة وزراء ضعيفة غير قادرة على اتخاذ القرارات”.
وأشار عيسى في رد على استفسارات “الحرة” أن حمدوك أصبح عقبة أمام إنجاز الاستحقاقات المطلوبة، وباستقالته يفترض انتهاء الاتفاق مع المكون العسكري، وبما يفتح الباب أمام مبادرات وطنية لحل الأزمة السودانية”.
ويؤكد أن “المكون العسكري يمكنه التحرك ربما بمرونة أكثر للوفاء باستحقاق الفترة الانتقالية وخاصة استكمال الهياكل التنظيمية وإجراء الانتخابات في موعدها”.
وأوضح عيسى أن الشارع السوداني “على أمل في مبادرة وطنية يدعمها ويحميها الجيش وتحافظ على اتفاق سلام جوبا”، وأما فيما يتعلق بمبادرة الأمم المتحدة فهي تأتي في سياق الجهود الدولية والإقليمية لمنح حدوث انزلاق أمني بالسودان، ونجاحها رهن بالتوافق الداخلي.
مواصلة العمل الجماهيري السلمي
من جهته، رد ائتلاف قوى الحرية والتغيير الذي أدى دورا محوريا في التظاهرات التي أدت إلى إسقاط البشير، في بيان السبت على إعلان الأمم المتحدة، مكررا موقفه “الذي لا تراجع عنه، وهو مواصلة العمل الجماهيري السلمي لهزيمة انقلاب 25 أكتوبر وتأسيس سلطة مدنية كاملة”.
وأوضح الائتلاف أنه لم يتلق حتى الآن “أي تفاصيل حول مبادرة البعثة الأممية”، مؤكدا أنه “سيدرسها حال تلقيها بصورة رسمية ويعلن موقفه للرأي العام”.
وكان قائد الجيش عبدالفتاح البرهان قد عطل في 25 أكتوبر الماضي استكمال انتقال السلطة إلى المدنيين عبر اعتقال رئيس الوزراء وغالبية القادة المدنيين وتعليق عمل مجلس السيادة.
ومنذ ذلك الحين، يكثف الناشطون السودانيون المطالبون بحكم مدني ديمقراطي احتجاجاتهم في موازاة تصاعد العنف من قبل قوات الأمن بحق المتظاهرين
ورغم تعهد البرهان إجراء انتخابات عامة في منتصف 2023 استمرت الاحتجاجات على الانقلاب وعلى التسوية التي وافق بموجبها رئيس الوزراء حمدوك على العودة إلى منصبه في 21 نوفمبر وهو ما اعتبره المتظاهرون “خيانة” ما دفع الأخير لاحقا إلى إعلان استقالته.
الحرة