مقالات سياسية

إذا لم يسقط “البشير” فمن يسقط؟؟

اجو لول

كثيرين مهتمين هذه الأيام بما يجري في السودان من غضب شعبي عارم ضد نظام الرئيس عمر البشير رغم ان تلك المظاهرات ليست هي الأولى كما لم تكون هي الأخيرة المناهضة لحكم عمر البشير وحزبه الذي حكم السودان لثلاثة عقود بإيعاذ من الإخوان المسلمون.

بما ان المظاهرات لها ما يبررها من اوضاع اقتصادية متردية جدا وخروج الأوضاع عن السيطرة تماما من يد البشير وأعوانه في الدولة وأصبح من المستحيل ان يتم استعادة مفاتيح الحل بواسطة نفس العناصر الفاشلة، الا ان القضية الأقوى والأكثر الحاحا هذه المرة هي ان السودانيين يتطلعون الي التغيير ولهذا السبب سيكون الوضع في السودان مرشح بقوة لاشتعال ثورة شعبية تختلع نظام البشير وقد يبدا الربيع الأفريقي علي غرار الربيع العربي من داخل السودان طبقا لهذا السبب.

سقوط نظام البشير مهما جدا بالنسبة لملايين السودانيين لأسباب عديدة بعضها داخلية خاصة بحزب البشير وأخرى خارجية مرتبطة بفشل المؤسسات التي انعكس بصورة سيئة جدا في شكل إنهيار اقتصادي عميق لن يستطيع حكومة عمر البشير حله في القريب العاجل نسبة للعقوبات الاقتصادية المفروضة علي السودان والملاحقة الدولية لعمر البشير.

لا يملك نظام البشير أي خيار يقنع به المتظاهرين أو الثائرين للعودة الي منازلهم لانه استنفد كل الخيارات منذ ان بدأ برفع الدعم عن المحروقات وتعويم الدولار وتقييد حركة رأس المال وشل أنشطة البنوك ورفع الرقابة علي الأسواق، وبالتالي فان جنوح النظام الي قمع المتظاهرين هو الخيار الراجح هذا بالطبع في حالة عدم استجابة البشير لمطالب الرحيل.

حزب المؤتمر الوطني بطبيعة الحال لم يعد يتحكم في كل الأمور كما كان في السابق قبل المفاصلة الشهيرة في الجبهة الإسلامية أدت الي خروج عبد الله الترابي بتيار من تيارات الجبهة الإسلامية أو الإخوان المسلمون وبقاء عمر البشير في السلطة بجناح العسكر في الجبهة الإسلامية ومنذ ذاك الحين اصبح كرسي البشير يهتز كلما  اشتدت الخلافات بين التيارين المنفصلين وصاحب ذلك محاولات انقلابات فاشلة ضد البشير وكانت دموية للغاية.

بالمقابل هناك عدد من قيادات داخل المؤتمر الوطني الحاكم الان يتربصون بالبشير وهم بالمرصاد لأي خطأ يرتكبه البشير ويطيحون به علي نفس النهج الذي يطيح به البشير بقيادات حزبه من تصفيات واغتيالات والزج في السجون والملاحقة الأمنية لذلك فان الخونة الحقيقيين ليسوا هم اؤلائك المتظاهرين كما يصفهم البشير إنما قيادات حزبه المتشائمين منه ومن طريق ادارته للدولة أو اؤلائك الذين ينافسونه في السلطة وهو يمسك بكرسيه بيد من حديد ويعلن بدون وجل ترشحه لانتخابات ٢٠٢٠ بدلا ان يتنحي كما وعد بذلك.

السؤال هو: إذا لم يسقط البشير فمن يسقط؟… حتي الان ومع دخول المظاهرات أسبوعها الثالث، هناك ما يفوق أربعين شخصا قتلوا برصاص قوات امن البشير وأكثر من الف جريح وكل مؤسسات الدولة معطلة بما في ذلك المدارس والجامعات وبعض المستشفيات عوضا عن اعتقالات ومداهمات ليلية وقد اكتظت سجون نظام البشير بالمعتقلين السياسيين عوضا عن تحريض البشير المستمر للمؤسسة العسكرية لقمع المتظاهرين مما يوحي ان البشير قد اتخذ نفس القرار الذي اتخذه معمر القذافي إبان الثورة الليبية ضد حكم معمر الذي استمر لمدة أربعة عقود وكذلك يسير البشير علي خطي علي عبد الله صالح في اليمن ونهايته الدراماتيكي علي أيدي الحوثيون والأمثلة كثيرة.

الأمر الخطير هو ان البشير لا يملك أي خطاب محترم يسكت به المتظاهرين أو يجذب به انتباه الدول المجاورة والصديقة للسودان للوقوف معه في محنته، وقد بدي له علامات الغضب الي الدرجة الذي جعلته يعيد ويكرر خطابه القديم المتجدد عن المؤامرة والعمالة والارتزاق والخيانة بطريقة غريبة أربكت حتي الدول الصديقة للسودان والتي باستطاعتها تقديم يد العون خاصة في الجانب المتعلق بتحسين الأوضاع المعيشية وقد فشل وزير خارجية مصر ومدير أمنه في فهم ما يجري في السودان في زيارة لهما في الأسبوع الثاني من المظاهرات ليس لأي سبب غير عدم وجود رؤية عملية لمعالجة الأوضاع السياسية والاقتصادية المعقدة في السودان، فكلما ما البشير الي تعنيف المتظاهرين وقمعهم زاد بذلك فرص سقوطه وخروجه من السلطة لان السب والتخوين والصراخ لن تحل مشكلة الجوع في السودان.

علي البشير ان يتعظ من تجربة زيمبابوي، بين الرئيس العجوز روبرت ومغابي وقائد الجيش إميرسون مناغاغوا حينما فشلت كل محاولات نقل السلطة سلميا من موغابي الي شخص اخر بحزب الجبهة الوطنية للمقاومة ولكن وقوف موغابي ومحاولته تسليم السلطة لزوجته أدي الي تدخل الجيش كما اغلق الباب أمام الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لتقديم المساعدة لموغابي وفتح ذلك الباب واسعا للجيش للإطاحة لموغابي وحزبه ونظامه وخرج موغابي مهزوما لانه كان يعتقد ان قوته في جيشه وأسرته ولكن الأيام كشفت ان جهله كان اكبر بكثير من ظن أصدقاءه فيه، ولان المعتاد عليه في أفريقيا في تغيير الأنظمة هو الانقلاب فان البشير سينقلب عليه جنرالاته كما انقلب هو علي النظام المدني في السودان عام ١٩٨٩، هذا في حال عدم استجابته لمطالب الشعب.

البشير الان يتعامل بحماقة مع المتظاهرين ويقسم شعبه بين عميل وموالي، وبين مأجور وسيد،  وبين متمرد وخاضع وهي تقسيمات ليست بجديدة في الواقع إلا انها هذه المرة تأتي في وقت مختلف وفي ظروف مختلفة ولكن البشير لا يفهم ذلك ولا يعرف ان الخطاب العقيم ليس إلا سب الزيت علي النار ويزيد من عزيمة المتظاهرين ومطالبهم المشروعة في “التغيير ” هذه الكلمة التي تسبب حمى مستديمة للحكام المستبدين والبشير واحد من هؤلاء المستبدين الذين يجب تغييرهم في أفريقيا والعالم لانه قتل جون قرنق وقسم السودان ويدعم الإرهاب ويستهزاء الان بالمواطن السوداني في عيشه وأمنه ومستقبله.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..