اقتصاد وأعمال
فئات الجنيه الصغيرة.. خلل في التركيبة الفئوية أم محاولة تجار رفض قبولها؟

بنك السودان يغلق أبوابه ولم يرد
خبير مصرفي: ارتفاع التضخم وانهيار الجنيه أديا لاختفاء الفئات الصغيرة
اقتصادي: يجب إصدار فئات نقدية أكبر وإلغاء الفئات الصغيرة التي أصبحت لا تصلح للتداول
اقتصادي: هناك خلل في السياسة النقدية والتركيبة الفئوية للعملات يفترض أن تراجع كل فترة
تاجر: نواجه مشكلة مع الزبائن لأنهم يتعاملون معنا كمستودع للتخلص من الفئات الصغيرة
تاجر: عند الشراء والبيع بالجملة نجد أفضيلة مع حملة الفئات الكبيرة أكثر من الفئات الصغيرة
مواطنة: معظم أصحاب البقالات يرفضون التعامل بهذه الفئات حتى أطفالي يرفضون حملها
تحقيق: خديجة الرحيمة
انهارت العملة الوطنية بشكل متوالي وأصبح التضخم لا يقوى على مصارعة الواقع الإقتصادي وحال السوق المضطرب مضاعفات تعانيها العملة الوطنية يوماً بعد يوم حتى أصبحنا تلك الدولة الإفريقية التي يحمل فيها المواطنون الأموال على ظهر (درداقة) لشراء بعض المستلزمات، هذه ليست سخرية وإنما واقع تكشف لنا خلال مشوار البحث عن المصير المتهاوي للعملة المحلية، وهناك تجار ببعض أسواق الخرطوم يقومون بوزن ربط فئة الـ(٥٠) جنيها بدلاً من عدها على نحو ما يقوم به موظف عبر ماكينة العد بأي بنك.
فبالأمر الواقع وحجم التضخم المتوالي للعملة السودانية خرجت فئة الجنيه الورقي والمعدني أصحاب التمييز والتسمية للعملة السودانية دون أن يقف إقتصادي أو مصرفي عند هذا الإختفاء المخل، تبع ذلك بسرعة فائقة فئة الجنيهين الورقية من حيز التداول، وبأمر الشارع تبعتها فئة الخمسة جنيهات لتخرج من قائمة الفئات المتداولة حيث لم يجد بنك السودان المركزي من سبيل في التعامل مع هذه العملة إلا بسياسة مغايرة لتلك التي نسمعها في الراديو (خرج ولم يعد).
إنهيار متوالٍ
حيث أصبح واقعنا الإقتصادي مؤلماً يصوره الإنهيار المتوالي للعملة المحلية بشكل أقل ما يوصف به مفارقات وغرائب أسئلة كثيرة تفرض نفسها.. أين ذهبت العملة المعدنية، وهل أغلقت أبواب سك العملة السودانية إلى غير رجعة ، وماذا تفعل هذا المؤسسة العريقة التي (صكت) العديد من العملات الوطنية على مر الزمان ولا تزال راسخة في ذاكرة من شهدوا الزمن الجميل
لا يكاد يمر شهر إلا وتكون فيه إحدى فئات العملات ضحية نتيجة لواقع تضخم الكتلة النقدية وإنسداد أفق التداول وتصبح في عداد الموتى لعدم تحملها مضاعفات الواقع الإقتصادي والسوق المفتوح، حيث لم تكن فئة الخمسة جنيهات آخر شهداء الواقع المتردي والتي تم قبرها، دون أن تودعها الحكومة ممثلة في البنك المركزي بنعي رسمي (هذه الفئة لم تعد مبرئة للذمة)، بالأمس القريب دخلت فئة العشرة جنيهات هي الأخرى غرفة الإنعاش من جراء مضاعفات الوضع الإقتصادي وباتت الـ(١٠) جنيهات فئة غير مرغوبة في التداول يرفضها الجميع، المواطن والتجار على حد سواء هذه الفئة لا تزال مبرئة للذمة ولكن بأمر الشارع والسوق باتت في عداد الموتى.
أفضلية عند الشراء
وفيما يتعلق بالفئات الأكثر أفضلية عند البيع والشراء يقول التاجر الرشيد أحمد انهم أصبحوا يواجهون مشكلة مع الزبائن بسبب العملات الصغيرة، لأنهم يتعاملون معنا كمستودع للتخلص من فئات العشرة والعشرين جنيهاً وعندما نردها لهم يرفضونها مشيراً إلى أنهم أصبحوا لا يقومون بعد وحساب هذه الفئات لافتاً إلى ان فئة العشرة جنيهات باتت شبه منعدمة، وأنهم عند الشراء بالجملة يجدون أفضيلة في البيع مع حملة الفئات الكبيرة أكثر من الفئات الصغيرة.
من ناحيته أكد التاجر محمد الإمام عدم تقبلهم الفئات الصغيرة عند الشراء خاصة فئة العشرين جنيهاً التي هوت بها الأيام جراء الوضع الإقتصادي بجانب إرتفاع الأسعار الذي أعتبره سبباً رئيسياً في تلاشي الفئات الصغيرة وأضاف قائلاً (الطفل في البيت إذا أديتوا خمسين جنيه ما بشيلها خلي عشرين جنيه) وتابع يجب على بنك السودان وجهات الاختصاص متابعة ذلك الأمر قبل تلاشي ما تبقى من هذه العملة قد يأتي يوم ونمتنع عن التعامل بفئة الخمسين جنيهاً أيضاً.
عدم قبول
وبشأن تداول الفئات الصغيرة من العملة تقول المواطنة علوية محمد أن أطفالها الذين يدرسون في المرحلة الإبتدائية يرفضون حمل العملة الصغيرة خاصةً فئة العشرين والخمسين جنيهاً وأضافت (حتى بتي الفي الروضة ما بتشيل فئة الخمسين) مشيرةً إلى معاناتها من ذلك الأمر وأكدت أن معظم أصحاب البقالات التي جوارها يرفضون التعامل بهذه الفئات وقالت أن هذه الفئات أصبحت ليس لديها قيمة ، وأردفت هناك دول تتعامل حتى الآن بالعملة المعدنية وعملتنا الورقية أصبحت بدون قيمة مناشدة بنك السودان بالنظر حول هذا الأمر واستعادة قيمة الجنيه كما كان عليه الحال.
قروش بالوزن
أصبح كثير من التجار لا يعدون فئات الخمسين جنيهاً ويقومون بوضعها في الميزان كما يظهر عليهم استياء واضح عند استلامها مما جعل البعض يرفضون التعامل بها على الرغم من تلاشيها ومنع تداولها لم يصدر البنك المركزي قراراً بذلك ومن خلال متابعتنا وجدنا كثيراً من التجار لجأوا لوزن ربط القروش فئات الخمسين جنيها بدلاً من عدها، بإعتبار أن حساب الفئات مضيعة للزمن مشيرين إلى أن صفقات البيع والشراء لم تعد مربوطة كما كان في الماضي(شيك ولا كاش) بل أصبحت مربوطة بفئات العملة الكبيرة فإذا كنت من حاملي فئات العشرين أو الخمسين فأن عرضك قد لا يجد القبول وبعد الجولة التي قامت بها الصحيفة وجدت استياء من بعض التجار والمواطنين جراء تلاشي العملة وإرتفاع معدل التضخم وتقول المواطنة فاطمة أنها ذهبت لإحدى البقالات لشراء بعض المستلزمات عندما أعطت التاجر فئة الخمسين قام برميها في الخزنة دون عدها وعندما سألته (لماذا لم تعدها إحتمال تكون ناقصة فقال لها أمشي ساي ما عندي زمن أعدها) وأضافت قبل أن أذهب جاء أحد المواطنين وقال للتاجر لدي (100) الف فئة الخمسين وأريد عدها واستبدالها بفئة أكبر إلا أن التاجر قام بوضعها في الميزان للعد ولكنه رفض استبدالها بإعتبار أن الكثير يرفضها وتابعت غادرت البقالة وفي ذهني كثير من الأسئلة ولكن يا بلادي عليك السلام.
مرتبات بالأكياس
في عهد وزير المالية إبراهيم البدوي شهدت مرتبات وعلاوات المعلمين قفزة كبيرة وإلتقطت صور للمعلمين وهم مبتهجين يحملون المرتبات في الأكياس بدلاً من الجيوب في فرحة غامرة بالزيادة غير المسبوقة، مشهد صور للجميع أن أوضاع إقتصادية وردية ستحل على هذا البلد وستعم فيه الزيادات لكافة فئات العاملين، حلت تلك الفرحة اللحظية وما درى عامة الشعب انها كانت بداية الإنهيار المتوالي للعملة الوطنية ويقول الخبير الإقتصادي محمد الناير أن المرتبات عندما تمت زيادتها في حينها كانت مؤثرة ولكن مع مرور الوقت وسريعاً تآكلت بسبب إرتفاع معدل التضخم وإنخفاض القوة الشرائية للجنيه مشيراً إلى أن المرتب أصبح الآن لا يكفي إلا لـ(10) أو (15)% للحد الأدنى لمستوى معيشة الأسرة لذلك أصبح لا قيمة له وزالت فرحة المعلمين على حد قوله وأضاف أن زيادة المرتبات الجديدة يفترض أن تتم بمعدلات كبيرة شريطة أن تكون من موارد حقيقية من إرادات حقيقية للدولة لتكون آثاره التضخمية قليلة معتبراً أن ذلك سوف يشكل تحدياً كبيراً في الموازنة القادمة.
خلل السياسات النقدية
وفي هذا الشأن يرى الخبير الإقتصادي محمد الناير أن خلل السياسات النقدية في البلاد أثر بشكل كبير في تلاشي بعض الفئات من العملة الوطنية بإعتبار أن التركيبة الفئوية للعملات يفترض أن تراجع كل فترة بما يتوافق مع حجم الأوضاع الإقتصادية في البلاد مشيراً إلى عدم صدور قرار رسمي بإلغاء فئة الجنيه أو ما دونه مع أنها تلاشت من السوق وما زالت بفعل القوانين سارية متمنياً أن يعلن ذلك في السياسات النقدية العام المقبل وإعادة النظر في التركيبة الفئوية للعملات بإعتبار أن الفئات الدنيا أصبحت لا قيمة لها وطباعتها تعد خسارة على الدولة والإقتصاد لأنها ليست لديها قوة شرائية لأية سلعة آملاً أن يراعى ذلك في السياسات الجديدة لافتاً إلى وجود عدم متابعة من جهات الاختصاص لأن هذه الفئات تم الحكم عليها في السوق بأنها لم تعد قابلة للتداول وأصبحت الحركة التجارية ترفض استلام هذه الفئات وقال لابد أن تتماشى سياسات الدولة مع التطور الذي يحدث وأضاف هناك إرتفاعاً في معدل التضخم وتدهور كامل للعملة الوطنية بصورة كبيرة خلال الفترة الماضية واستقرت بعد تآكل الفئات الدنيا الجنيه والخمسة والعشرة والعشرون أيضاً موضحاً أن الجنيه أصبح لا قيمة له وقال من المفترض ألا تطبع الدولة فئة الجنيه لأن ليس لديه قوة شرائية بجانب أن الدولة لديها عدة خيارات في طباعة العملة أما أن تقوم بحذف أصفار مثل ما حدث من قبل أو أن تفعل الدفع الإلكتروني أو تصدر فئة الألف جنيه وتلغي الفئات الدنيا وأردف هناك كثير من الدول تتعامل بالعملة المعدنية بإعتبار أن الجنيه أو الريال المعدني لديه قوة شرائه متوقعاً خسارة الدولة مبالغ ضخمة في حالة صك الجنيه مؤكداً أن القوة الشرائية للجنيه السوداني تساوي صفراً.
مسؤولية وأزمة أوراق نقدية
بالمقابل يقول الخبير الإقتصادي محمد المصباح أن تحديد فئات العملة هو مسؤولية بنك السودان مشيراً إلى أنه وفي ظل التردي الذي وصلت إليه قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأخرى وأسعار السلع يتحتم على بنك السودان إصدار فئات نقدية أكبر وإلغاء الفئات الصغيرة التي أصبحت لا تصلح للتداول بسبب ضآلة قيمتها، لافتاً إلى أن ما نشهده من عدم قبول للفئات الصغرى من البنوك والمتعاملين التجاريين والمواطنين أمراً طبيعياً حيث أن تكلفة تداول هذه الفئات الصغيرة مكلفة بالمقارنة بقيمتها، كما أنه في ظل مجتمعنا التقليدي الذي يكثر فيه التعامل النقدي فأن وجود فئات بقيمة مناسبة وبعدد كاف أمر ضروري لاستمرار الأنشطة الإقتصادية بشكل سلس وأضاف عدم وجود عدد كاف يغطي قيمة مناسبة يؤدي لإكتناز المواطنين والتجار للفئات الكبيرة بدلاً من توريدها للبنوك مما يمكن أن يؤدي لأزمة أوراق نقدية وأردف قائلاً من الضروري رفع سقف السحوبات من الصرافات الآلية لتقليل الإزدحام في البنوك وتسهيل التعامل معها وفيما يتعلق بالعملات النقدية قال المصباح أن تكلفة العملة المعدنية ستكون أعلى من قيمتها في حال تم إصدار جنيه حديدي ولذلك من الأجدى إلغاء الجنيه أو إلغاء صفر من العملة ثم صك عملات معدنية بفئة أعلى موضحاً أن الحكومة ستضطر لإصدار فئات أعلى وإلغاء الفئات الصغيرة مبيناً أنه ليس من المنطق أن تكون أقل سلعة بـ (500) جنيه ويقوم الشخص بحمل (500) ورقة منها بمعنى خمسة ربط لشراء علبة حليب بجانب أن قيام التاجر بعمل غرفة للكاش لكي يحتفظ بهذه الفئات وأضاف أن مصير العملات التي يرفضها الشارع أصبحت غير عملية مناشداً بنك السودان بإلغاء تلك الفئات وإصدار أخرى حسب الحاجة وبما يناسب الأسعار.
تضخم وتبرئة للذمة
ويقول المدير السابق لفروع بنك الخرطوم الخبير المصرفي مبارك أحمد أن مشكلة إختفاء من السوق الفئات الصغيرة سواءً كانت معدنية أو ورقية تعود لإرتفاع نسبة التضخم وإنهيار قيمة الجنيه السوداني أمام العملات الأخرى مشيراً إلى أنه ليس من المنطق في ظل هذه الظروف أن يقوم البنك المركزي بطباعة عملات جديدة ورقية كانت أم معدنية لافتاً إلى أنه لا يستطيع تحديد مصير هذه العملات التي يرفضها السوق لأنها أصبحت غير مشجعة ويمكن أن تسبب كثيراً من المشاكل لكيفية حملها والتعامل بها على الرغم من أنها مبرئة للذمة ولا يوجد ما يمنع العمل بها وأضاف طباعة أية عملة بالفئات الصغيرة تصبح ذات تكلفة عالية ولا تساوي قيمتها.
إغلاق أبواب
وفيما يتعلق بمصير العملات التي يرفضها الشارع وعودة قيمة الجنيه حاولت (الإنتباهة) الوصول إلى محافظ البنك المركزي للحصول على هذه الإجابات إلا أنها فشلت في ذلك عدة مرات وبعد التواصل مع إدارة الإعلام في البنك المركزي التي تعذرت بحجة إنشغال المحافظ بعدد من الإجتماعات وطلبوا إرسال الأسئلة على أمل الرد عليها لاحقاً ولكن لم يحدث ذلك.
صحيفة الإنتباهة