مقالات متنوعة

لماذ تريقون دماءنا؟ لماذا تغتالون الوطن؟‎

أحمد عثمان جبريل

بالأمس سقط من مسيرة نضال ثوار شعب السودان الأبي، شباب قض سفكت دمائه الذكية ، علي قارعة الطريقة ، برصاصات حاقدة غادرة أطلقها قتلة مجردون من الإنسانية والأخلاق والدين ، بكل وحشية ودم بارد، فصعدت أروح بعضهم إلى بارئها لتسكن بجواره في حواصل طير خضر مع كوكبة الشهداء الذين سبقوهم، والذي لم يلقى ربه شهيدا منهم يرقد الآن في العناية المركزة بين الحياة والموت يصارع البقاء، والذين نجوا من الموت ومصارعته يرقدون جرحي؛ منهم من لم تزل في جسده الطلقات النارية.. نترحم على الشهداء ونسأل الله أن يتقبلهم عنده في أعلى عليين، وأن يلطف بالجرحى ويعجل بشفائهم، وأن يواسي كل أم وأب فقدوا فلذات أكبادهم، ويربط على قلوبهم ويرزقهم الثبات والصبر والسلوان.

ما حذرنا منه بالأمس وقع تماما، ونعلم ما ذا تخبي الأيام القادمات، فسيكون ذات السيناريو مستمراً، لأن هناك من أراد أن يكون المشهد هكذا، سفك دماء غزيرة، وجثث قتلى حتى يعرف الشعب السوداني من هي الإنقاذ التي أسفرت لهم عن وجهها الحقيقي الكالح السواد، تحصد في الأبرياء العزل بكل غدر وخسة، كل جريرتهم أنهم، أشاوس أبطال رفضوا الضيم والذل والخنوع والهوان، فدفعوا حياتهم ثمنا لحريتهم وكرامتهم، بعد أن خرجوا إلى الشوارع عاري الصدور يهتفون بكل شجاعة وثبات في وجه الظالم (سلمية سلمية ضد الحرامية، الشعب يريد أسقاط الكيزان ، سقطت سقطت يا كيزان).

الآن لم يترك هذا النظام خيارا أمام هذا الشعب غير إزالته وكنسه إلى مذبلة التاريخ، لا خياراً آخر غير استئصاله من جذوره شعاره ” تسقط بس” لقد فقد هذا النظام أي رصيد له من تعاطف بين شعبه، ما يعني أنه لا خيار له إلا أن يغادر ويتركه يواجه مصيره لحياة أفضل ومستقبل أزهر.

لقد خرج الثوار إلى الشوارع، بعد أن ضاق بهم الحال وزكم الفساد الأنوف، وأصبحت بلادهم الحرة الأبية دولة كيزان قوامها الاستبداد والظلم، وقد كانوا قبل مجيئ الإنقاذ فقراء أبناء فقراء والآن نراهم انتفخت كروشهم وأوداجهم من أموال البلاد بعد أن حولوا أهلها إلى فقراء يتضورون جوعاً، وقد فتقت بهم الأمراض والأوبئة ولا يجدون حتى الدواء للعلاج؛ شبابها عطالة يملؤون الشوارع، فلم يعد أمامهم إلا الخروج ليقولوا إلى دولة الظلم والاستبداد والطغاة لا.. لا يهابون الموت يخرج الثائر منهم لملاقاته وهو يعلم أنه لن يعود إلى بيته يحملون أراوحهم في أكفهم ويرددون:” يا نعيش رجال أحرار يا نموت رجال”.

قبل أن تبرد الدماء التي سالت في مدن السودان المختلفة، سفكها القتلى من جديد بالأمس في أم درمان غزيرة؛ وقبل أن تجف ما سال منها على التراب نعلم أنهم يجهزون أنفسهم لمزيد من سفك الدماء الزكية البريئة من جديد.

ما يحدث الآن من ظلم وطغيان بقتل الأنفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، بدم بارد، وإرهاب واعتقال الشرفاء، وترهيب الأسر الآمنة، وضرب الناس وتعذيبهم في المعتقلات وفي الشوارع؛  ينبغي أن يقف عنده كل سوداني أصيل، لا يقبل الضيم والحقارة والظلم .. لماذا تقتلونا لماذا تضربونا لما ترهبونا .. ونحن أحرارا في وطننا، لا جرم أرتكبه هذا الشعب غير أنه يطالب بحقوقه وقد أدى كل واجباته، ويتطلع لغد أفضل وحياة كريمة في وطنه.

لقد وصلنا الآن مرحلة خطيرة من الفتنة بالتحريض لقتل العزل الأبرياء منا، أحد زعمائنا يدفع الناس إلى نبش القبر الذي سيرقد فيه وطننا والذي كنا نظن أن له من الحكمة ورجاحة العقل والمسؤولية،  ما يؤمن بها هذه البلاد من الانزلاق إلى هوة سحيقة؛ فكل ذلك من أجل ماذا ؟ سلطة ذائلة ونفس ذائقة الموت !! ستُسأل يا هذا أمام الله عن هذا الفتنه وهذه الدماء البريئة التي سالت، بأي ذنب قتلت.

كنا نظن إن مسؤولية القادة في حقن الدماء والحفاظ على الوطن، أعظم من النظر إلى سلطة لم تستطيعوا أن تحافظوا عليها بالعمل والجد ومخافة الله من أكل أموال الشعب بالباطل، فلن تحفظها لكم الكتائب والمجموعات والبندقية والرصاص، وكان بدلا من ذلك أن تبكوا نظاما وحزبا وتاريخا لم تستطيعوا أن تحافظوا عليه .. وما جنحتم لهم منزلق خطير أنتم أول من سيدفع ثمنه.

إننا نظن أننا أن هذا النظام لا يزال به من الحكماء والعقلاء من يقرؤون التاريخ  بصورته الصحيحة ويقرؤون المستقبل بدقة ومالاته الحتمية، وإن كان قد نفد الجراب من الرجل الرشيد في المؤتمر الوطني فعلى الشرفاء من رجال القوات المسلحة أن يتحملوا المسؤولية  ويمنعوا أراقة الدماء، واستمرار نزول الكتائب المتخفية وسط المتظاهرين في الشوارع لتقتلهم بدم بارد. ولا تقولوا لنا ليست هناك كتائب، طالما هناك قتلى من شبابنا يحصدهم رصاص الغدر و يدفن الشعب شهدائه، فهناك كتائب.

إن يحدث الآن في الشوارع مشروع فتنه لا يحمد عقباها، ولذلك نناصح كل أهل المؤتمر الوطني لا زال في الوقت بقية. توقفوا و لا  تدمرون هذا الوطن، فإنكم بهذه الأفعال والفتنة تغتالون وطنا بأكمله وليس عشرات الشباب.. واعلموا أن هذا الشعب حر كريم لم يعتاد على الظلم والضيم والهوان وتوق روحه دوما إلى حياة العز والكرامة وتعمل لها عملها، يقفون في وجه الطغاة الظالمون ويبذلون في ذلك أنفسهم رخيصة وسيستمرون في ذلك ما بغيت في أرواحهم أنفاس الحياة.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..