مقالات وآراء

حذروا مبادرة ڤولكر بيريتس المسمومة قبل أن يقع الفأس في الرأس

إبراهيم موسى

ما أن ظهر ڤولكر بيريتس بثياب الواعظين يقدم مبادرته الرامية إلى تشتيت القوى الثورية وإنقاذ الانقلاب من الضغط الثوري والدولي، حتى هرولت جميع القوى السياسية إليها دون توخي الحذر والاستفادة من تجاربهم مع المكون العسكري منذ إزاحة الرئيس السابق عمر البشير من السلطة. وهذا علاوة على عدم تدقيق هذه القوى في تحركات ڤولكر منذ توليه لمهامه في السودان، وفي سجله في الأقاليم التي عمل بها ومبادراته المغرضة التي عادة ما نفخت روحا جديدا لدكتاتوريات كانت على وشك الانهيار. فالقوى السياسية التي تتهافت لمبادرة ڤولكر بيريتس يجب أن تعي جيداً وتدرك تماما أن هذا الممثل أكبر كارثة على السودان وكل تحركاته مشبوهة ولا تصب في مصلحة الثورة أكثر مما ترمي إلى تثبيت أركان الانقلاب. وهو ذات الرجل الذي ساهم في إدخال السيد عبد الله حمدوك في محرقة الاتفاق السياسي الذي عزله من مؤيديه، ثم قاده إلى التنحي عن منصبه. بالإضافة إلى أنه ذات الشخص الذي أوصل سوريا إلى النفق المظلم الذي ترزح تحت نيره.
في حالة السودان، إن واجب ڤولكر هو إدانة الانقلاب والمساهمة الجادة في إسقاطه بكل الوسائل المتاحة للأمم المتحدة، وليس دعوة القوى الثورية للحوار والتفاوض مع الانقلابيين. البرهان وزمرته أجرموا في الحق السودان والسودانيين بالانقلاب على النظام الدستوري وقتل الثوار العزل الذين يطالبون بحقهم في العيش الكريم الذي لا يكفله لهم إلّا نظام ديمقراطي، وليس جمهورية الموز التي تسيطر عليها المليشيات. فبدلا عن الإدانة والمحاسبة على ارتكبوه من جريمة تقويض النظام الدستوري، وجرائم القتل الجائر، يسوق ممثل الأمم المتحدة الشباب إلى كارثة أخرى. يرى المفكر وائل محجوب أن “أي حوار مع هذه المجموعات هو تحقير وازدراء لنضالات السودانيين، واهدار لمطالبهم المشروعة ولحقهم في دولة الحريات والمؤسسات والقانون والعدالة، وهو ما يقود آجلا أو عاجلا لتقويض أسس الدولة، إذ انه لن يفضي لتهدئة الشارع ووقف التصعيد الثوري، ولن يحظى بدعم سياسي، وبالتالي لن يقود لتحقيق الشرعية والتراضي الوطني، بل سيزيد الشارع اشتعالا. الطريق الذي يفتح الباب امام معالجة الكوارث التي جر اليها البلاد الانقلاب لا يكون بمقاسمة الانقلابيين السلطة، انما بإبعادهم ومحاسبتهم على ما أقدموا عليه من فعل يخالف القوانين المدنية والجنائية والعسكرية، وتأسيس حكم مدني ديمقراطي كامل السلطات والصلاحيات.”
بقدر ما تحتاج القوى الثورية لأي مبادرة تضع حدا لنزيف الدماء والأزمة السياسية الماثلة، أيضا تحتاج إلى توخي الحذر والتأني من المبادرات التي تطرح كل يوم من جهات مختلفة، وخاصة المبادرة المشبوهة التي يقودها ڤولكر. لأن هذا الرجل لم يقدم للانتقال الديمقراطي شيئا يحمد له منذ أن تسلم مهامه في السودان. كلما قدمه تعميق الأزمة السياسية بدعمه للاتفاق السياسي الكارثي وإنقاذ الانقلاب الذي كان على وشك السقوط بسبب العزلة الدولية والإقليمية والمحلية والضغط الثوري. وثانيا، لم يقدم هذا الرجل تقريرا مفصلا للأمم المتحدة يعكس فيه انتهاكات المكون العسكري في حق المحتجين السلميين، ولا حتى إعاقتهم للانتقال الديمقراطي. وهذا فضلا عن فشل ڤولكر في كل المهام التي أوكلت له في كل الأقاليم التي عمل فيها مخلفا وراءه نتائج كارثية، كما هو الحال في سوريا. إذا يريد الرجل خيرا للسودان والانتقال الديمقراطي، فيسخر إمكانيات الأمم المتحدة في تفكيك المليشيات وخلايا الضباط الإسلاميين الذين ظلوا يعيقون الانتقال الديمقراطي منذ بداية الفترة الانتقالية إلى يومنا هذا.  لقد أصاب الأستاذ زهير أبو الزهراء تحركات ڤولكر في مقتل في مقاله الذي نشره في سودانيز أونلاين يوم أمس التاسع من يناير الجاري.
ففي مقاله الذي نشر تحت عنوان “ڤولكر بيريتس – منقذ الانظمة الديكتاتورية المفضل: هل سمعت بخطة (عنان)، أو مقررات مؤتمر جنيف (١) لحل الأزمة السورية؟،” يقول أبو الزهراء “عندما اشتدت الأزمة السورية في ٢٠١٤م وصار بشار الأسد في أضعف حالاته سياسيا وخروج كثير من المناطق عن سيطرة جيشه الذي مارس الفظائع تجاه شعبه، هبّ ڤولكر لنجدة بشار عبر طرحه لمبادرة حوار سوري – سوري يفضي إلى اتفاق وائتلاف معارضة تشارك بشار في حكومة انتقالية للخروج من الأزمة، واشترط على المعارضة الاحتكام إلى مقررات مؤتمر جنيف (١) الذي عُقد بين المعارضة والنظام السوري بجنيف في الـ٣٠ من يونيو ٢٠١٢م، ويُعطي الاتفاق الطرفين حق الفيتو في رفض او قبول اي شخص في الحل مما يعني ان الحكومة لو طرحت بشار الأسد كجزء من مبادرة الحل فستستعمل الحكومة حق الفيتو ضد المعارضة حال رفضها، رغما عن خرق بشار الأسد لاتفاق جنيف طوال العامين ما بين ٢٠١٢ و ٢٠١٤م.”
“تواصل بيريتس تحت مظلة الامم المتحدة مع الأطراف الدولية، فأقنع الرئيس الأمريكي باراك اوباما المعارض جدا لبشار بجدوى المبادرة، وبالتالي قبلت الدول الاوربية برضى امريكا عن الصفقة، وبالتأكيد فإن دول المحور الداعمة للأسد (روسيا – إيران) رحبت بالمبادرة قبل الجميع، لكن الخطة الخبيثة التي اكتشفتها المعارضة في وقت متأخر هي ان الاتفاقية مهدت لتنصيب الأسد لاعبا اساسيا في الخطة عبر افساح المجال لتنظيـم الـَـدولة المصنوع استخباراتيا واشعال صراع أخر يجعل من وجود الأسد ودعم نظامه أمرا حتميا من أجل استقرار الإقليم ووضع الغرب أمام الأمر الواقع و صرف الانتباه عن احتجاجات المعارضة على الفخ الذي اوقعها فيه بيرتس عبر تسليط الضوء على محاربة التنظيم الوحشي، وهذا ما حدث بالفعل ونجحت الخطة في تشتيت وتقسيم المعارضة والقوى الثورية، وتثبيت اركان نظام الأسد الذي مازال يواصل القمع والقتل وتفتيت سوريا التي يحتاج اعادة بنائها إلى معجزة و سنوات لا تحصى .”
“وفي السودان يعود بيرتس لتنفيذ نفس الخطة، وطرح ذات المبادرة، والتي سيفرض فيها فولكر على المعارضة القبول بالوثيقة الدستورية كأساس للتفاوض لضمان بقاء البرهان او المؤسسة العسكرية على أقل تقدير كجزء من الاتفاق المزمع … ولن يتوقف الأمر هنا، فالرجل يُدرك أن القرار لم يعد بيد قوى الحرية ولا الأحزاب المعارضة للعسكر، بل الأمر يعتمد على قبول الشارع و لجان المقاومة سيدة الموقف الصلب و المتماسك امام أي وعود او إغراءات، ڤولكر يرى أن المكون العسكري الذي ارتكب اخطاء لا تغتفر في موضع ضعف بعد انقلاب ٢٥ اكتوبر الذي افشلته لجان المقاومة منذ يومه الأول، ويدرك أن الجيش الذي يأتمر بأمر الجنجويد والمخابرات المصرية  ودول المحور لن يسمح بتسليم قادته للمشانق، ولن تسمح المحاور بخسارة امتيازاتها في السودان وبالذات مصر التي تعول على العسكر في حسم ملف سد النهضة الذي يهدد بقاءها من الأساس.”
“لذا فالخطوة القادمة أمام الرفض المتوقع ستكون (خلق فتنة قبلية او صراع جانبي او حتى عدو وهمي او شيطنة لجان المقاومة نفسها لصرف النظر عن عجز المجلس العسكري الانقلابي، واقناع المجتمع الدولي بنفس الخطة السابقة وصرف الجميع عن مطالبات لجان المقاومة وسعيها لتحقيق اهداف ثورتها (.مما اعلمه فإن لجان المقاومة سبقت الجميع واستعدت لهذه المواجهة من واقع قراءتها للمشهد وتاريخ كل الاطراف فيه، و بالأخص تاريخ بيرتس و تدخلات الأمم المتحدة، وأيا تكن النتائج فإن الخاسر الأكبر في هذه الأزمة سيكون اطراف العملية السلمية الذين اصبحوا عائقا امام خروج العسكر من أزمة المعادلة الصفرية ، واعداء للمكونات المدنية التي انقلبوا عليها مع العسكر، و فشلهم في جلب السلام او تحقيق ادنى جزء من مستحقاته، والفرق هو أن من يريد الحل يجب عليه ان يفكر في مبادرة على ضوء مقترحات واشتراطات لجان المقاومة التي تملك سلاحا اقوى من الجميع …سلاح السلمية الذي يقيها كل خطط ودسائس العسكر وثعلبهم الألماني العجوز.”
فبناء على ما سلف الذكر، إن مبادرة ڤولكر لا تصب في مصلحة الثورة، وإنما ترمي إلى تشتيت القوى الثورية وتثبيت ركائز الانقلاب المشؤوم. وهذا علاوة على محاولة ڤولكر لفك الخناق والضغط الثوري والدولي على الانقلاب الذي بات على وشك الانهيار. فعليه يجب على القوى الثورية الاستفادة من تجربة الثورة السورية التي فصل ملابساتها الأستاذ أبو الزهراء، بالإضافة إلى الاستفادة من التجارب السابقة مع المكون العسكري منذ سقوط البشير. الأزمة السياسية الحالية لن تحل بالحوار مع المكون العسكري الذي يتربع على أركان السلطة والمال محروسة بالمليشيات المدججة بالسلاح، وإنما تحل بإبعاده وتفكيك المليشيات، وإعادة هيكلة جميع القوى العسكرية والأجهزة الأمنية. ومن يعتقد الحل في غير ذلك، لا يحلم بإقامة حكم مدني في السودان إلى الأبد.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..