مقالات وآراء

يوميات الإحتلال (18) السودان و عالم خلو من القيم   

جبير بولاد

.. كانت كاميرات الإعلام البارحة موجهة الي السيد الأنيق في حلته، فولكر ذي الوجه الثعلبي و العينان الزروقان المدربتان لسنوات طويلة علي العمل في الظلال لهندسة العالم و خرطه و شعوبه، كان نموذج ساطع جدا في وقفته المعلنة عن قواعد لعبة جديدة و مؤكد لدوره كربان فيما يخص السودان و لطالما أشرنا لهذا الدور في كتاباتنا السابقة ..  في ذات اللحظة و التوقيت كانت بحري تشيع شهيدها المعصوم و كذا بانت شرق و سراديق العزاء في مناطق متفرقة من العاصمة لم ترفع بعد  .. حزن هنا في موازة  محفل هناك يحفل بكل مناقص الإنسانية تحت رصد كاميرات الإعلام و فولكر يعرض فيه قوانين العالم الجديد المنحاز الي الطواغيت، بل يصنعهم صنعا لعالم جديد يتشكل لا قيم له و لا مواريث مرتبطة بتراثه الإنساني ، عالم تحكمه المصالح المشتركة و تقاطعاتها المميتة مهما كانت الأثمان   .
.. السودانيين يتعامل معهم الخارج و الإقليم اما مظنة في انهم  قوم جهلة او ساذجين يسهل الضحك عليهم في كل مرة   .
.. عندما تدخل العالم آخر مرة، عقب مجزرة إعتصام القيادة الذي ارتكبه برهان و ثلته ، كان المشهد مأزوم و مختنق بعبرات السودانيين لأنهم خذلوا من بني جلدتهم الذين ظنوا أن هناك ثمة قيم مشتركة بينهم، و لكن للأسف لم يكن هناك اي مشترك لقيمة واحدة تشفع لهذا الموت المجاني في طرائقه الفظيعة حين قتلوا و اغتصبوا و رموا الجثث في النيل  .. جاء العالم الخارجي و بعد نقاشات وصل الناس الي إتفاقية رغم بؤسها الا انها خلقت نوع من الشراكة مع البرهان و جلاوزته تنتهي بانتهاء فترة انتقالية نصفها الاخر يكون السيادي فيه برئاسة المدنيين  .
.. في صبيحة يوم 25 اكتوبر 2021 قام البرهان بأنقلابه المشؤوم و مزق الوثيقة التي شهد عليها العالم الخارجي و اعتقل رئيس الوزراء و حكومته و زج بالناشطين في المعتقلات و أعلن عهد حزبه المسلح الجديد، ثم أفرج عن حمدوك رئيس الوزراء و في تراجيديا كان كل السودانيين يشاهدونها عقد معه إتفاق شرعن فيه لأنقلابه و ميلاد حزبه المسلح، و لست ادري ماذا كان ينتظر برهان و حمدوك من السودانيين ان يفعلوا ؟ هل كانت مخيلتهما المعتلة تظن مجرد ظن ان هذا العمل الخؤون سوف يقابله السودانيين بالتهليل و التكبير و المباركة؟!!
.. خرجت الجموع منددة _ ما زالت الي يومنا هذا _ بهذه الخطوة الخرقاء و جوبهت هذه الجموع بعنف غير مسبوق و استخدمت فيه كل الوسائل التي تستخدم في الحروب ضد شعب أعزل جريمته انه صرح بصوت واضح عن رغبته في كيفية ان يحكم  !
.. العالم تدخل للمرة الثانية و كان المؤمل و الامر الطبيعي هو إدانة الانقلاب و تمزيق الوثيقة التي كان شهيد عليها و معاقبة من قام بهذا الخرق الواضح، و لكننا بدلا من ذلك نري دور جديد لرئيس البعثة الاممية في السودان(فولكر ) الذي كان مناط  ببعثته المساعدة في إجراءات و عمليات التحول الديمقراطي بدلا عن دوره الجديد و الذي فيه يصبح هو بوصلة الانقلابيين و الحادب علي إيجاد تخريجة لهم من كل تلك الجرائم التي ارتكبوها، ثم العمل علي قبول السودانيين بالعسكر حكام لهم الي امد لا يثق فيه أحد و لا يعلمه الا الله! ، هذا السلوك للمرة الثانية من تدخل العالم لإيجاد مخارج لبرهان وعصبته يعني أمر واحد لا ثاني له و هو ان الأمم المتحدة ممثلة في رئيسها و مدير بعثتها و امريكا و رباعيتها و الحلف الإقليمي و كل من يمثل هذا الخارج يعمل علي أمر واحد فقط و هو هزيمة الثورة السودانية و سوق الشعب السوداني للأستكانة و القبول ببرهان و حزبه المسلح قادة و حكام للبلاد لأنهم افضل من يخدم مصالح هذا الخارج الانتهازي و اللا أخلاقي ؛ اذا المعركة اصبحت واضحة جدا و سافرة في الإعلان عن أجندتها و كل ما هو قادم هو عملهم الدؤوب لتحقيق هذا المشهد علي ارض السودانيين، لذلك عندما بدأنا منذ وقت بوصف ما يجري علي أنه احتلال لم نكن نغالي او نبالغ في الوصف، بل هو نظرة مبكرة تستند علي إدراك لعالم يفقد كل يوم قيمه و مثله التي أقامها من خلال تراث طويل من الحروب و الصراعات فقدوا فيها نساء و رجال أحرار حياتهم ليشهدوا تلك القيم و المثل مضمنة في قوانين و تشاريع دولية و عالمية  .
.. اليوم السودان يشهد موات هذا التراث بكل قيمه و مثله، و علي السودانيين الآن يقع عاتق خوض معركة أحياء هذه القيم و المثل من جديد، ليس للسودان وحده فقط، و إنما لكل العالمين  .
.. عليه أرجو و منذ اليوم التعامل مع البعثة الاممية و ممثلها كعامل في خانة العدو و كل ما يصدر عنها ليس في صالح السودانيين و ثورتهم، بل هو خيانة بائنة لهم و لشهدائهم و جميع التطلعات التي استشهدوا من أجلها  .
.. أيضا كل الذين يبشرون بهذه المبادرة و ممثليها ما هم إلا جوقة الخيانة التي تكمل حواف المشهد المهتريء  .
.. ايضا كل من يرتجي من فولكر و بعثته و كذا ممثلي الإحتلال خير فهو مؤكد واهم و مغطي بالسذاجة حتي اخمص قدميه  .
.. علي جذوة الثورة ان تكون حية و متقدة في معركتها الشريفة ضد كل تصورات و قوانين الإحتلال و المحاولات الدؤوبة لتركيع السودانيين و استتباعهم كقطيع و الاستحواذ علي مقدراتهم و مواردهم و حتي تاريخهم و الذي كان يسرق علي الدوام و لم يتبقي الا الأطباق عليه تماما  .
.. أنتم امام اكبر معارككم يا كنداكات بلادي و ثوارها الاماجد و لسوف تنتصرون في نهاية المطاف و هذا وعد غير كذوب لأننا نراقب إرادة الله في الأرض و مسار التاريخ و اللذان يؤكدان بأستمرار هزيمة الباطل في نهاية المطاف و أن طال النضال و دروبه  .
.. الثورة وعي و فعل و بناء مستمر .

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..