
أمير شاهين
“من النادر جدا أن تجتمع كل عناصر الإبداع في إنسان واحد ، لكنها الحالة التي تحدث مع الفنان السوداني الكبير “عبدالكريم الكابلي”
رابح فيلالى اديب واعلامى جزائرى
من الممكن القول ان الكابلى عليه الرحمة والمغفرة كان شغوفا لحد الهوس بكل كلمة جميلة اينما ويرجع ذلك الى ان الكابلى هو فى الاساس شاعر مبدع لا جدال فى شاعريته واحتفائه وتعظيمه لكل كلمة جميلة وكنت فى مقال سابق ذكرت بان العملاقين وردى و الكابلى يتشابهان ويلتقيان فى العديد من الصفات ولكن اهم ما يميزهما عن بعض وعلى حسب رايى الخاص هو ان الكابلى كما وردى تثير فيه الكلمة الجميلة اروع الاحاسيس فيخرج لنا اغنية كاملة الدسم اما وردى فالكلمة المتفردة تحفزه ليجد لها اروع الانغام والاتيان لها بموسيقى مبتكرة وفريدة ولذلك فيمكن القول بان الكابلى فنان شاعر بينما وردى فنان موسيقار , وبلا شك فان الموسيقى السودانية قد ارتدت السواد وترملت برحيلهما وكما قال الحلنقى من قبل ساخطا لما وصل اليه حال الغناء السودانى “بصراحة عايزين 100 سنة عشان نجيب فنانين زي وردي والكابلي وود الامين ” نسال الله ان يمنح العملاق محمد الامين ” الباشكاتب” الصحة والعافية وطول العمر فهو اخر ما تبقى لنا !! والحلنقى يحكى قصة اغنية “شربات الفرح” عقبال بيك نفرح يا زينة التى تغنى بها الكابلى فيقول ان صديقه الاديب الاستاذ صديق مدثر قال مرة له مداعبا فيما يشبه التحدى (إذا عايزنى أعترف بيك كشاعر أقنع الكابلى يتغنى بكلماتك).. فالكابلى من أكثر الفنانين الذين يختارون الكلمة اللؤلؤة كما اتى قد بفراسة الشاعر كنت اعرف ان دواخل الكابلاى مليئة بالفرح والجمال فاردت ان اخرهما للناس فكانت اغنية شربات الفرح التى ادخل بها الكابلى الفرح لجميع الناس . والحق يقال فان الكابلى كان مهووسا بالكلمة الجميلة المتفردة وربما يعود ذلك كونه شاعر فنان او فنان شاعر ومن اجل ذلك يظل مطاردا باحثا بلا هوادة عن تلك الكلمة فنراه يغوص فى بحر التراث السودانى كالغواص الذى يصطاد اللؤلؤ فى شط البحرين تماما كما انشد الشاعر البحرينى على شريحة فى رائعته ” اغلى من لؤلؤة بضة صيدت من شط البحرين” والتى يمجد فيها استشهاد الفتاة الجزائرية ” فضة” شهيدة الثورة الجزائرية فيخرج الينا بروائع ودرر مثل ” ماهو الفافنوس ” و ” خال فاطمة ” و ” الموز روى ” و ” لويعة الفرسان ” و ” الحسن صاقعة النجم ” و ” الشيخ سيرو وعلى الجانب الاخر واذى قد يبدو مختلفا كلية عن التراث الشعبي وهو الادب والشعر العربى الكلاسيكى المعتق فان الكابلى هو من علمنا ان يزيد بن معاوية ليس هو ليس فقط ذلك الخليفة الذى اثيرت حوله الكثير من الجدل والاختلاف بل والانتقاد خصوصا بعد ان تولى الخلافة بعد وفاة والده معاوية بن ابى سفيان فى الحكم وقام بتاسيس الدولة الاموية والذى شهدت فترة حكمه الكثير من الاضطرابات والحروب ولعل اكبر خطيئة يحسبها منتقدوه هى ما يقال عن دوره فى مقتل الامام الحسين بن على فى كرباء تلك الواقعة التى لا تزال تلقى بظلالها الكئيبة والحزينة حتى يومنا هذا , بل هو ايضا كان شاعرا لا يشق له غبار ويعتبره البعض انه يعد وقيس بن الملوح من فرسان القصيدة العاطفية في زمانهم حتى ان الكثيرين يبدون دهشتهم من التناقض الواضح فى شخصية يزيد فهو كما معروف عنه سياسى قوى وصارم لا يتورع عن سفك الدماء وبطش معارضيه وفى نفس الوقت هو ذلك الشاعر الذى يذوب رقة وحنان وينشد اجمل الاشعار العاطفية البديعة , فقام الكابلى بتلحين وغناء قصيدة ” نالت على يدها ما لم تنله يدى هذه القصيدة وجدت اهتماما كبيرا من محبى الشعر العربى و يكاد لا يخلو كتاب من كتب البلاغة العربية ، لامتلائها بالصور والتشبيهات والاستعارات اللغوية التي يتذوقها الدارسون . هذا بالرغم من انتقادات البعض لها ” والتى تالق فيها لحنا واداء واثبت بما لا يدع مجالا للشك بانه لا منافس له فى تلحين القصائد واجادتها وهو مجال وضرب من ضروب الابداع لا يجيده الا قلة قليلة من الملحنين وكان على راسهم فى الوطن العربى الموسيقار المصرى رياض السنباطى ملحن ” الاطلال ” و ” ثورة الشك ” و ” اراك عصى الدمع ” والتى قام ايضا الكابلى بتلحينها لحن مختلف كلية عن لحن السنباطى كما سوف نرى لاحقا , ولعل اشهر ما فى قصيدة “نالت على يدها “الابيات التى تقول:
وَأَمْطَرَتْ لُؤْلُؤا مِنْ نَرْجِسٍ وَسَقَتْ وَرْدًا وَعَضَّتْ عَلَى العُنَّابِ بِالبَرَدِ
ويواصل الكابلى فى تفرده و اختياره لاعذب الاشعار فيقوم بتلحين وغناء رائعة الشاعر الفارس او الفارس الشاعر ابوفراس الحمدانى ” اراك عصى الدمع ” وكانت هنالك نكتة مشهورة وهى ان احد الكيزان قد ذهب الى صراف الاذاعة مطالبا باستحقاق الاغنية بوصفه شاعرها الذى قام بتاليفها والقصيدة كما ذكرنا سابقا بانها قد تغنت بها سيدة الغناء العربى ام كلثوم بثلاثة الحان مختلفة لعبده الحامولى وزكريا احمد واللحن الاخير والاكثر شهرة وهو السائد للموسيقار العبقرى رياض السنباطى , والقصيدة تعتبر من عيون الشعر العربى فقد كتبها ابوفراس الحمدانى وهو اسير لدى الروم , ومن وجهة نظرى فان الكابلى قد بلغ بها قمة ليس بمقدور احد من بلوغها فاللحن قمة فى الابداع والسبك والموسيقى تبهرك بتعددها وتنوعها وتعدد الكوبليها التى تدل دلالة واضحة على علو كعب الكابلى وغزارة خياله الموسيقى اما الاداء فان الكابلى يدهشك برحابة صوته الباريتون والمساحات الكبيرة التى يملاها بكل ارتياح وتراه يتجول بين القرار والجواب بسلاسة فائقة وبدون مشقة وخراج روح كما يفعل بعض اصحاب الاصوات ” السخلية” التى تمتلئ بهم ساحة الغناء الان فتراهم يختنقون ويجدون صعوبة فى الغناء وتكاد ترى شرايين واوردة عنقهم تنفجر لدى الغناء فى النوتات العالية !! وتصدر عنهم اصوات كصرير الابواب الصدئة . ويبدو تمكن الكابلى واضحا جليا
عندما يؤدى مقطع “بدوتُ ، وأهلي حاضرونَ ، لأنني * أرى أنَّ داراً ، لستِ من أهلها ، قفرُ ” وهذا مع نطق سليم وفخيم لمخارج الحروف ومعروف ان الكابلى كان استاذ فى هذا المجال واذكر بان الفنان الراحل زيدان ابراهيم قد ذكر فى اكثر من مناسبة بان الكابلى هو استاذه الذى علمه اسس الاداء السليم والتحكم المحترف فى مخارج الحروف , والكابلى يدهشك ويمتعك اذا تحدث ليس فقط بالعربية بل باللغة الانجليزية التى كان يجيدها تماما كاهلها .
اما فى مجال الشعر العربى الحديث فكان للكابلى القدح المعلى فى تعريف المستمع السودانى بعدد كبير من تلك الروائع .
ونواصل بإذن الله
رابح فيلالى اديب واعلامى جزائرى
من الممكن القول ان الكابلى عليه الرحمة والمغفرة كان شغوفا لحد الهوس بكل كلمة جميلة اينما ويرجع ذلك الى ان الكابلى هو فى الاساس شاعر مبدع لا جدال فى شاعريته واحتفائه وتعظيمه لكل كلمة جميلة وكنت فى مقال سابق ذكرت بان العملاقين وردى و الكابلى يتشابهان ويلتقيان فى العديد من الصفات ولكن اهم ما يميزهما عن بعض وعلى حسب رايى الخاص هو ان الكابلى كما وردى تثير فيه الكلمة الجميلة اروع الاحاسيس فيخرج لنا اغنية كاملة الدسم اما وردى فالكلمة المتفردة تحفزه ليجد لها اروع الانغام والاتيان لها بموسيقى مبتكرة وفريدة ولذلك فيمكن القول بان الكابلى فنان شاعر بينما وردى فنان موسيقار , وبلا شك فان الموسيقى السودانية قد ارتدت السواد وترملت برحيلهما وكما قال الحلنقى من قبل ساخطا لما وصل اليه حال الغناء السودانى “بصراحة عايزين 100 سنة عشان نجيب فنانين زي وردي والكابلي وود الامين ” نسال الله ان يمنح العملاق محمد الامين ” الباشكاتب” الصحة والعافية وطول العمر فهو اخر ما تبقى لنا !! والحلنقى يحكى قصة اغنية “شربات الفرح” عقبال بيك نفرح يا زينة التى تغنى بها الكابلى فيقول ان صديقه الاديب الاستاذ صديق مدثر قال مرة له مداعبا فيما يشبه التحدى (إذا عايزنى أعترف بيك كشاعر أقنع الكابلى يتغنى بكلماتك).. فالكابلى من أكثر الفنانين الذين يختارون الكلمة اللؤلؤة كما اتى قد بفراسة الشاعر كنت اعرف ان دواخل الكابلاى مليئة بالفرح والجمال فاردت ان اخرهما للناس فكانت اغنية شربات الفرح التى ادخل بها الكابلى الفرح لجميع الناس . والحق يقال فان الكابلى كان مهووسا بالكلمة الجميلة المتفردة وربما يعود ذلك كونه شاعر فنان او فنان شاعر ومن اجل ذلك يظل مطاردا باحثا بلا هوادة عن تلك الكلمة فنراه يغوص فى بحر التراث السودانى كالغواص الذى يصطاد اللؤلؤ فى شط البحرين تماما كما انشد الشاعر البحرينى على شريحة فى رائعته ” اغلى من لؤلؤة بضة صيدت من شط البحرين” والتى يمجد فيها استشهاد الفتاة الجزائرية ” فضة” شهيدة الثورة الجزائرية فيخرج الينا بروائع ودرر مثل ” ماهو الفافنوس ” و ” خال فاطمة ” و ” الموز روى ” و ” لويعة الفرسان ” و ” الحسن صاقعة النجم ” و ” الشيخ سيرو وعلى الجانب الاخر واذى قد يبدو مختلفا كلية عن التراث الشعبي وهو الادب والشعر العربى الكلاسيكى المعتق فان الكابلى هو من علمنا ان يزيد بن معاوية ليس هو ليس فقط ذلك الخليفة الذى اثيرت حوله الكثير من الجدل والاختلاف بل والانتقاد خصوصا بعد ان تولى الخلافة بعد وفاة والده معاوية بن ابى سفيان فى الحكم وقام بتاسيس الدولة الاموية والذى شهدت فترة حكمه الكثير من الاضطرابات والحروب ولعل اكبر خطيئة يحسبها منتقدوه هى ما يقال عن دوره فى مقتل الامام الحسين بن على فى كرباء تلك الواقعة التى لا تزال تلقى بظلالها الكئيبة والحزينة حتى يومنا هذا , بل هو ايضا كان شاعرا لا يشق له غبار ويعتبره البعض انه يعد وقيس بن الملوح من فرسان القصيدة العاطفية في زمانهم حتى ان الكثيرين يبدون دهشتهم من التناقض الواضح فى شخصية يزيد فهو كما معروف عنه سياسى قوى وصارم لا يتورع عن سفك الدماء وبطش معارضيه وفى نفس الوقت هو ذلك الشاعر الذى يذوب رقة وحنان وينشد اجمل الاشعار العاطفية البديعة , فقام الكابلى بتلحين وغناء قصيدة ” نالت على يدها ما لم تنله يدى هذه القصيدة وجدت اهتماما كبيرا من محبى الشعر العربى و يكاد لا يخلو كتاب من كتب البلاغة العربية ، لامتلائها بالصور والتشبيهات والاستعارات اللغوية التي يتذوقها الدارسون . هذا بالرغم من انتقادات البعض لها ” والتى تالق فيها لحنا واداء واثبت بما لا يدع مجالا للشك بانه لا منافس له فى تلحين القصائد واجادتها وهو مجال وضرب من ضروب الابداع لا يجيده الا قلة قليلة من الملحنين وكان على راسهم فى الوطن العربى الموسيقار المصرى رياض السنباطى ملحن ” الاطلال ” و ” ثورة الشك ” و ” اراك عصى الدمع ” والتى قام ايضا الكابلى بتلحينها لحن مختلف كلية عن لحن السنباطى كما سوف نرى لاحقا , ولعل اشهر ما فى قصيدة “نالت على يدها “الابيات التى تقول:
وَأَمْطَرَتْ لُؤْلُؤا مِنْ نَرْجِسٍ وَسَقَتْ وَرْدًا وَعَضَّتْ عَلَى العُنَّابِ بِالبَرَدِ
ويواصل الكابلى فى تفرده و اختياره لاعذب الاشعار فيقوم بتلحين وغناء رائعة الشاعر الفارس او الفارس الشاعر ابوفراس الحمدانى ” اراك عصى الدمع ” وكانت هنالك نكتة مشهورة وهى ان احد الكيزان قد ذهب الى صراف الاذاعة مطالبا باستحقاق الاغنية بوصفه شاعرها الذى قام بتاليفها والقصيدة كما ذكرنا سابقا بانها قد تغنت بها سيدة الغناء العربى ام كلثوم بثلاثة الحان مختلفة لعبده الحامولى وزكريا احمد واللحن الاخير والاكثر شهرة وهو السائد للموسيقار العبقرى رياض السنباطى , والقصيدة تعتبر من عيون الشعر العربى فقد كتبها ابوفراس الحمدانى وهو اسير لدى الروم , ومن وجهة نظرى فان الكابلى قد بلغ بها قمة ليس بمقدور احد من بلوغها فاللحن قمة فى الابداع والسبك والموسيقى تبهرك بتعددها وتنوعها وتعدد الكوبليها التى تدل دلالة واضحة على علو كعب الكابلى وغزارة خياله الموسيقى اما الاداء فان الكابلى يدهشك برحابة صوته الباريتون والمساحات الكبيرة التى يملاها بكل ارتياح وتراه يتجول بين القرار والجواب بسلاسة فائقة وبدون مشقة وخراج روح كما يفعل بعض اصحاب الاصوات ” السخلية” التى تمتلئ بهم ساحة الغناء الان فتراهم يختنقون ويجدون صعوبة فى الغناء وتكاد ترى شرايين واوردة عنقهم تنفجر لدى الغناء فى النوتات العالية !! وتصدر عنهم اصوات كصرير الابواب الصدئة . ويبدو تمكن الكابلى واضحا جليا
عندما يؤدى مقطع “بدوتُ ، وأهلي حاضرونَ ، لأنني * أرى أنَّ داراً ، لستِ من أهلها ، قفرُ ” وهذا مع نطق سليم وفخيم لمخارج الحروف ومعروف ان الكابلى كان استاذ فى هذا المجال واذكر بان الفنان الراحل زيدان ابراهيم قد ذكر فى اكثر من مناسبة بان الكابلى هو استاذه الذى علمه اسس الاداء السليم والتحكم المحترف فى مخارج الحروف , والكابلى يدهشك ويمتعك اذا تحدث ليس فقط بالعربية بل باللغة الانجليزية التى كان يجيدها تماما كاهلها .
اما فى مجال الشعر العربى الحديث فكان للكابلى القدح المعلى فى تعريف المستمع السودانى بعدد كبير من تلك الروائع .
ونواصل بإذن الله
