مقالات وآراء سياسية

السودان على شفا حفرة من الانهيار … دولة المليشيات

اكرم ابراهيم البكري 
المتابع للمشهد السوداني يعي تماماً ان السودان الان يعيش حالة من اللا دولة بكل معاني الكلمة وان المشهد السوداني تتصدره المليشيات الى تتبع لأكثر من جهة ولم يعد هناك شكٌ في أن  تلك المليشيات العرقية ، المنتشرة على طول البلاد وعرضها أصبحت  التهديد الرئيسي لمفهوم الوطنية والدولة في السودان ، ليس فقط لأنها ترتبط بأطراف خارجية لها أجندة واضحة وأطماع تاريخية كما هو الحال حول تلك العلاقة المريبة التي تربط قوت (الدعم السريع) (الجنجويد) بدولة الامارات او السعودية ولكن في اعتقادي ان الخطر الأكبر نابع من ان تلك الشلليشات والمليشيات العرقية  تقف وراء تلك الأزمات المختلفة التي يعاني منها السودان سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو أمنية ، وهذا ملاحظ لكل المتابعين لتطور الاحداث في السودان فتلك القوات مليشيا عرقية او حزبية تعمل على استنزاف قدرات الدولة وإصابتها بالشلل التام ، والذي يجعلها عاجزة عن ممارسة أدوارها ألطبيعي بعد ثورة ديسمبر المجيدة
المتتبع لممارسات هذه المليشيات خلال الأيام الماضية سيلحظ بوضوح كيف صارت تمثل خطرا قائمًا وتهديدًا وجوديًّا للدولة الوطنية ، فقد أصبحت مليشيا الدعم السريع وقيادتها الاسرية  دولة اخري بدون اى مؤهلات تذكر تتحدي المؤسسة العسكرية السودانية بل ان مليشيا الدعم السريع وفى تحديها للحكومة السودانية ومؤسستها العسكرية تقوم باستعراض قوتها العسكرية المدعومة من الخارج باعتقال رتب كبيرة من ضباط الجيش السوداني وتقوم بإهانتهم وتعذيبهم واذلالهم دون أي رد رسمي من تلك المؤسسة العريقة ، وفى جانب اخر تقوم مليشيا المؤتمر الوطني المعروفة باسم (الامن الشعبي) بالتعاون مع قوات الدعم السريع فهي التي خلقتها وعملت على تغذيتها خلال حقبة حكمها التي امتدت 30 سنة تقوم ونقصد هنا مليشيا الامن الشعبي ومن خلال ممارستها بتكبيل التحول الديمقراطي  وزعزعة الامن والاستقرار في السودان بعمليات قتل ممنهجه تستهدف الثوار السلميين ، وحتى تلك المليشيات العرقية التي كان لها وجود داخل الخرطوم والعاصمة السودانية بعد اتفاق جوبا الهزلى والتي تسمى بقوات الكفاح المسلح اثبتت انها قوات همجية عرقية  لها تحالف (عرقي) واضح نابع عن اختلال نفسي رهيب داخل قيادتها السياسية والميدانية مع مليشا الجنجويد وتصر على الاحتفاظ بأسلحتها أو دمجها كقوات نظامية تابعة للجيش وبذلك تمثل مليشيا الجنجويد ومليشيات الحركات المسلحة تحالفاً  واضحاً في خلق دولة ذات ابعاد عرقية تعيد للمشهد ذلك الصراع الذي ادي لنهاية الدولة المهدية بسبب تغول عبدالله ود تورشين على القبائل النيلية فقيادة تلك المليشيات رضينا ام ابينا قول الحقيقة الشاخصة امامنا الان  تسعى بكل السبل  للسيطرة على مؤسسات الدولة الرسمية ، والتحكم في عملية صنع القرار بها ، والتي أسهمت في فترة وجيزة في تدمير الاقتصاد، وانهيار قيمة الجنية أمام الدولار الأمريكي بعد كل تلك الإصلاحات التي كانت في فترة الحكومة المدنية بقيادة حمدوك .
أن خطورة هذه المليشيات العرقية والحزبية لا تقتصر على زعزعة الأمن والاستقرار في السودان فقط وإنما تمتد إلى تهديد وجود الدولة الوطنية ومحاولة القفز عليها والقيام بدورها ، واتخاذ القرارات المصيرية بالنيابة عنها ، وهذه حقيقة واقعة تؤكدها ممارساتها ، وزير المالية ونائب رئيس المجلس الانقلابي حميدتي فتبنى العديد من المواقف التي تناهض الموقف المفترض ان تكون عليه دولة مثل السودان في اخر ما بدر من قيادة المجلس الانقلابي تسليم مناهض لسياسات دولة اخري ومستجير  في السودان تم تسليمة للدولة التى هرب منها بغض النظر اننا متفقين حول توجه المعارض ام مختلفين معه لكن تلك بادرة مرفوضة تماماً لنا كسودانيين ، بل ذهب الامر لأكثر من ذلك بتورَّيط السودان في صراعات وحروب خارجية، بداية من الدخول في حرب اليمن مرورًا بتورط في الحرب مع دولة شقيقة ليس لنا ان نحل خلافاتنا معها بالحرب كما حدث مع اثيوبيا ، والتي أسهمت في تأجيجها بصورة واضحة عماله  قيادتنا العسكرية لدولة اخري .
الأمر نفسه تأكد مع مليشيا الحركات “المسلحة التي تورطت في الحرب الدائرة بدولة ليبيا وكانت تحارب بجانب حليف الامارات حفتر متجاوزةً في ذلك الدور الحيادي الذي وضعة السودان بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول على مدار السنوات الماضية ، في الوقت ذاته نجد ان هذه المليشيات متعددة الولاء لدول إقليمية اخري وتنحاز كل مليشيا إلى القوى والأطراف الخارجية الداعمة لها ، ما يفاقم الأزمات ، التي تواجه الدولة الوطنية . فمنهم من يحاول ان يحمي مصالح الدولة المصرية في حربها مع اثيوبيا ملف سد النهضة وخلق حرب مع الجارة الاثيوبية ؟، ومنهم من يحمي مصالح الامارات العربية ومنهم من يسعى لإعادة التيار الإسلامي البائد للواجهة السياسية مدعوماً من تــــــــركيا وقطر وبهذا يكون الوطن قد تفرق دمه بين الأمم بعد قتله مع سبق الإصرار
الامارات توظِّف مليشا ال دلقو في إدارة الصراع الداخلي بحماية مناجم الذهب والمعادن ، وكثيرًا ما قامت بتحريضهما على مهاجمة القبائل التي تستوطن حول مناطق الذهب ومواردة ، أو الدخول في مناوشات ومواجهات عسكرية مع قبائل اخري من حين إلى آخر حتى يتثنى لها تهريب اكبر قدر منه ، وهنالك مصر التي تستغل القائد العام للجيش في تهريب خام الثروة الحيوانية والمحاصيل الزراعية من قطن وسمسم وغيره عن طريق شركات الجيش التي تسيطر عليها مليشيات الامن الشعبي . وهنالك المافيا الروسية التى تسعي لعقد تحالفات مع  تلك المليشيا من اجل نفس الغرض .
الواقع السوداني معقد بأكثر مما يتصور الجميع فالوصول الى تسويات سياسية بين المدنيين وعسكر اللجنة الأمنية ليس هو الحل الناجع للمشكلة فالاتفاق بين تلك المليشيات أيضا امام محك كبير فالذي يجمع هذه المليشيات في الوقت الحالي على كلمة سواء هو قمع الاحتجاجات الشعبية التي ترفض تربعها على السلطة ولكن بمجرد ان يخفض صوت الثورة السودانية فان الذي ينتظر الوطن هو انزلاق السودان الى مستنقع امراء الحرب بتوزيع مناطق النفوذ بينهم وبالتالي يكون النهب حسب هيمنه كل مليشيا على  مناطق الموارد ان كانت معادن او ثروة حيوانية ,… الخ
ان اكبر عقبة الان امام التوصل الى حل مرضي في السودان ليست المؤسسة العسكرية بكل الآراء السلبية التي قد نتفق عليها ولكن وجود تلك المليشيات هو المثبط الرئيسي أمام تسوية الأزمات والصراعات التي تشهدها في السودان اليوم لأن قرارها يرتهن بالأطراف التي تدعمها ، والتي دائما ما توظفها كورقة ضغط ، بل وتحرّضها على عدم التجاوب مع الجهود الأممية والدولية لحل هذه الأزمات ، إنَّ الخطر الذي تشكله هذه المليشيات (الجنجويد / الامن الشعب / الحركات القبيلة المسلحة)  على مفهوم الدولة الوطنية  في السودان يتطلب من المثقفين والسياسيين والأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني وكل من له شأن  بالسودان بسرعة التحرك للتصدي لها ، وممارسة ضغوط حقيقية على الأطراف والقوى الخارجية التي تدعمها وتقف وراءها  لأن تجاهل ذلك يُنذرُ ، ليس فقط بانهيار الدولة السودانية والذي من الممكن ان يشهد تنامي  وتتطور بدخول التسليح لمناطق وقبائل اخري بدعوي الحماية ورد العدوان وهذا بدورة يؤدي الى تهديد الامن والاستقرار في كامل المنطقة  القرن الافريقي وجنوب مصر وسواحل البحر الأحمر وحتى كامل السودان الفرنسي .
بات لزاماً على تلك الدول ان ترفع يدها عن دعم المجموعات العرقية والمليشيات التي ترعها وان تدرك بان انفلات الامر وانهيار لسودان كدولة سوف يكون وبالاً عليها  وعلى القارة العجوز التي  سوف تواجه بكم هائل من الهجرة غير الشرعية بافتراض انهيار الدولة في ليبيا والسودان قد يساعد  على ذلك وان تدرك دولة شمال الوادي بان ما ترمى اليه من ثروات السودان الزراعية والحيوانية لن يكون بتلك السلاسة التي تكون وفق اتفاق تجاري مع دولة ذات سيادة ، وحتى حصة المياه التي تسعى اليها من الممكن ان تتكدر بفعل انقسام السودان وانهيار الدولة وبالتالي الغاء كل الاتفاقيات والمواثيق المبرمة سابقاً ـ يجب على المجتمع الدولي ان يتحمل  مسؤوليته كاملة  في مواجهة هذه المليشيات التي تحاول حكم السودان الان ، التي تُشكّل ممارساتها انتهاكًا للقانون الدولي ومبادئ السيادة الوطنية ، وتمثّل تهديدًا للأمن والسلم الإقليمي والدولي بقتل ممنهج وليس بعيد ان تظهر دولة الدواعش مرة اخري في القرن الافريقي في ظل هذا الهرج من قبل مليشيات ومرتزقة العمق الافريقي التي تريد حكم السودان .

‫3 تعليقات

  1. الكلام دا من زمان وين؟؟
    انحنا كتبنا ونبحنا لامن فترنا عشان ننبه اهلنا الجلابة من خطر مليشيات دولة دارفور القبلية

    مفروض كل الكتاب يقولوا نفس الكلام دا وبصورة يومية ولازم يسموا الاشياء بمسمياتها
    الخطر القادم من دولة دارفور لايمكن تخيله ابدا
    ولنا في تجربة دولة الدراويش بقيادة السفاح المحتل عبدالله التعايشي الرجل الدموى عبرة وعظة
    ان اوان فك الارتباط مع دولة دارفور الاسلامية التى ضماها المستعمر الانجليزى لنا في يوم الاثنين الاسود الموافق ١يناير ١٩١٧م بعد مقتل سلطانهم علي دينار علي يد الانجليز في في ١٦نوفمبر ١٩١٦م

  2. افضل مقال…..ضع مقر اليونيميد الذي تعرض الي النهب محل السودان الوطن مجموعات مسلحة ما بينهم من تحالف مجرد شهر عسل تحرس المقر ………الكل يتم باقي تعليقي حسب فهمه…..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..