مقالات وآراء سياسية

نحو سودان جديد ..!

 احمد بطران عبد القادر 

اعتقد جازما ان هبة شعبنا في ثورة ديسمبر المجيدة  لم تكن حراكا سلميا عفويا إنما كانت نتيجة طبيعية لنضالات شعبنا الباسل لعقود طويلة من الكفاح المرير ومقاومة الانظمة الشمولية الدكتاتورية المستبدة التي تعاقبت علي حكم البلاد والتي أعاقت مسيرة النهضة والتطور واقعدتنا في بؤرة التخلف والانحطاط الثقافي والفكري والسياسي وهزمت مشاريع الوحدة الوطنية والنهوض واورثتنا الفقر والعوز والحروب وخلفت الدمار والخراب وأنهكت الجماهير وانتهكت
حرياتها العامة وحرماتها الشخصية وافسدت كل شيئ في حياتنا حتي اضطر الشباب للاغتراب والهجرات بحثاً عن الأمان والرزق عبر مراكب الموت في شواطئ الخوف علي عتبات بلاط سلطان دول الدولار والامبريال
وقد تجلت عظمة قوي الثورة في دقة التنظيم والقدرة علي الاختراق والمبادرة والمحافظة علي السلمية رغما عن العنف المفرط والقوة القاهرة التي استخدمتها السلطة الغاشمة ضدها وقد شارك فيها الجميع النساء والرجال شيبا وشبابا وهؤلاء كان لهم الدور الابرز والاهم في نجاح الثورة فقد تحلوا بالبسالة والصمود والتضحية والفدائية مع وضوح الرؤية ووحدة الهدف والشعور والإصرار على مواصلة المشوار بصدق وثبات عظيمين الي ان تحقق الانتصار بسقوط نظام الثلاثين من يونيو ١٩٨٩ الاجرامي في الحادي عشر من شهر ابريل ٢٠١٩م
سقوط النظام وضع القوي الثورية امام التحدي الحقيقي ثم ماذا بعد ؟ .
كانت القوي الثورية الجذرية تمتلك رؤية شاملة لإعادة بناء الوطن وحددت مطلوبات جوهرية لا بد من توفرها لانطلاق مشروع التغيير الجذري نحو الدولة المدنية الديمقراطية كان اولها عودة الجيوش الثكنات وخروجها من كافة اشكال العمل التنفيذي حتي الأعمال التجارية بوضع كل مؤسساتها التجارية تحت ولاية وزارة المالية والاقتصاد الوطني وحل جميع المليشيات وهيكلة كل المنظومة الأمنية واعادة بنائها علي اسس مهنية قومية ليجد السواد الأعظم من بنو وطني نفسه فيها .
ثانيا تفكيك بنية تمكين النظام المباد ومحاكمة منسوبيه واسترداد الاموال المنهوبة منهم والقصاص العادل للدم الطاهر .

ثالثا المضي قدما في استغلال فرص ترحيب العالم بالتغيير في السودان واعجابه ببسالة الثوار ودعمه للثورة في بناء علاقات خارجية متوازنة تتسم بالاحترام المتبادل والمصالح المشتركة بعيدا عن سياسة المحاور واليد السفلى ورفض اي مساس بالسيادة الوطنية ليتبوا السودان مكانه الطبيعي والطليعي في عالمه العربي ومحيطه الأفريقي بيد ان موقعه الجغرافي الاستراتيجي يؤهله للتواصل مع شعوب العالم وبلدانه تجارة وصناعة وسياحية وكل الخيرات الذاخرة فيه مصدر ثراء لشعبه وجواره الافريقي المرتبط به تاريخيا وحضاريا وتجمعه بشعوبه أواصر المحبة والإخاء والمصير المشترك .
رابعا تحقيق العدالة الانتقالية بارساء دعائم السلام الشامل والتنمية المتوازنة والديمقراطية المستدامة لينطلق مشروع النهضة المتكاملة التي تلبي اشواقنا في حياة كريمة واستقرار سياسي وتعافي وطني لكن كانت هنالك قوي رجعية انتهازية متحالفة مع الرأسمالية الطفيلية وبقايا النظام المندحر اعتلت صهوة جواد الثورة وفرضت تسوية سياسية مضرة تحت تهديد السلاح اسفرت عنها الوثيقة الدستورية المعبرة عن مشروعها في اشراك العسكر في العمل التنفيذي ليخدم مصالحها ويحافظ علي نفوذها والذي عرف بمشروع الهبوط الناعم الناعم والذي اكتفي بتغيير الأشخاص والتزم ببرنامج وسياسات النظام المباد وهي في مجملها سياسات معيقة لمشروع التغيير ومجهضة للثورة وواضعة السودان تحت هيمنة الشمولية والقوي المعادية للثورة وسيطرة الاملاءات الخارجية علي المشهد بصورة مؤثرة علي استقلالية القرار السياسي الوطني في عدم حيادية مواقفه.
وصول جماعة الهبوط الناعم للسلطة واكتمال عقدهم الفريد بتوقيع اتفاقية سلام السودان بمنبر جوبا اكتملت حلقة المؤامرة على الثورة واقدموا فورا علي تشكيل مجلس شركاء الحكم لتصفيتها نهائيا والقضاء علي ما تبقي من رمق فيها يمثله وجود تحالف قوي إعلان الحرية والتغيير في السلطة كقوي حاكمة حسب منطوق الوثيقة الدستورية التي اخترقوها وتحايلوا علي اكمال هياكلها في مواقيتها المحددة حتي لا تتمكن الحرية والتغيير من التحكم في نشاط الدولة وإدارتها لتكمل مشروع التغيير وانجاز مهام الانتقال .
الوثيقة الدستورية رغم انها لم تكن في حجم طموح الشارع السياسي الثوري الا انها وبشكل واضح حددت تحالف قوي اعلان الحرية والتغيير كجهة حاكمة فهي التي تشكل هياكل سلطة الانتقال ابتداءا من تعين رئيس الوزراء وحكومته مرورا بحيازتها علي٦٧٪ من مقاعد البرلمان وماتبقي يكمل من قوي الثورة بالتوافق معها عليه الا ان وصول القوي المعادية للثورة الي مفاصل السلطة وإقصاء الشباب الثوري وتهميشه افشل مسير الانتقال ومهد الطريق لإنقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١م الذي اعدوا له جيدا ليبعدوا تحالف الحرية والتغيير ويستعيضوا عنها بقوي مدنية انتهازية تتوافق مصالحهم مع مصالحها فينغضوا علي الثورة وعناصرها من ادارة الانتقال ليخلوا لهم المشهد تماما فيعيدوا إنتاج النظام المندحر بوجه جديد مقبول جماهيرنا ودوليا وهكذا تعقد المشهد السياسي الراهن وحدثت الردة بالكامل عن أهداف الثورة وغاياتها في التغيير المنشود .
الا ان شارع الثورة الشارع الثوري كان منتبه وواعي بحجم المؤامرة فالتهبت الشوارع مجددا وخرجت جماهير شعبنا وكل قواه الحية رافضة للانقلاب العسكري المشؤوم وحازمة امرها علي إسقاطه ومحاكمة منفذيه وواضعة حدا نهائيا للاستيلاء علي السلطة بقوة السلاح
اتفاق ٢١نوفمبر الاطاري بين قائد الإنقلاب والمواطن عبد الله حمدوك لم يفلح في كسر عزيمة الشارع او شرعنة الإنقلاب بل زادت حدة التوتر وأشتعلت الشوارع الغاضبة مؤكدة علي اللات الثلاث (لا تفاوض لا شراكة لا شرعية) وان الثورة مستمرة
أقبلت كثير من القوي علي طرح المبادرات تلو الاخر التي تستند علي العودة للوثيقة الدستورية لكن جماهير الثورة رفضتها لأنها تجاوزت محطة التسوية والشراكة مع لجنة البشير الأمنية الانقلابية الي غير رجعة فهي تريد حكومة مدنية كاملة الدسم بصلاحيات واسعة والجيش للثكنات
رئيس بعثة اليونيتامس نفسه تقدم بمبادرة لرعاية حوار وتفاوض يفضي لاتفاق سياسي ينهي الازمة لكن مبادرته يكتنفها كثير من الغموض وتحركاته طواف في حلقة مفرغة قد تعقد المشهد أكثر فاكثر خصوصا وانه تجاهل الأطراف الأهم في قوي الثورة الحية صاحبة المصلحة الحقيقة في التغيير .
ورغم عن كل ذلك الا ان بعض القوي الثورية رأت الا تغلق الباب في وجهه خصوصا وانه قد استوعب رسالة الشارع جيدا بعد ما هاجمته الجماهير عبر مواقع التواصل الاجتماعي والسوشال ميديا متهمة اياه بمحاولة شرعنة الانقلاب فقال نحن ليس لدينا رؤية للحل ولكننا سندعم خيارات الشعب السوداني في العودة للمسار الديمقراطي
ومن هنا علينا كجماهير ثورية متحالفة ومنسقة مع بعضها البعض في استمرار المد الثوري ان نطرح رؤيتنا ونوصلها لكل المنظومات الدولية وعلي رأسها الامم المتحدة دونما توقف او تراخي في حركة حراكنا الثوري المنظم والهادف لإسقاط الإنقلاب العسكري واعادة السلطة للشعب صاحب السيادة من اجل بناء سودان جديد ناهض ينعم بالتعافي السياسي والديمقراطية المستدامة .

شعبنا أقوى والردة مستحيلة .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..