مقالات سياسية
د. الحسن النذير17 يناير، 2022
المبعوث الأممي للسودان : مائدة مستديرة للحوار ! بين من ؟ وكيف؟


د. الحسن النذير
إذا كان المقصود هو مائدة مستديرة للحوار من أجل إيجاد حل للأزمة السياسية المستفحلة في السودان ، فمن الضروري أولاً أن يجد هذا المبعوث ، أجوبة شافية وكافية علي الاسئلة الجوهرية التالية:
– ما هي طبيعة وأسباب الأزمة السياسية الحالية؟
– ما هي الجهة المسئولة عن تفجر هذة الأزمة؟
– ما هو حجم الخسائر الناجمة عن تفجر الأزمة؟
– ما هي الجهات المدعوة للجلوس حول المائدة المستديرة ؟ .
– ما هي الشروط التي يجب ان تتوفر لقيام حوار جاد خلال المائدة المستدير ؟ .
– ما هي المخرجات الأساسية المتوقعة من مداولات المائدة المستديرة ؟ .
– ما هي الآليات والضمانات المتوقعة لتنفيذ مخرجات المائدة المستديرة ؟ .
في تقديرنا ، دون التوصل إلي إجابات منطقية علي التساؤلات أعلاه ، سيكون الحديث عن مائدة مستديرة للبحث عن حلول عملية ومستدامة للأزمة السياسية التي يمر بها السودان ، حديث بلا جدوي .
أولاً : الأزمة السياسية التي يمر بها السودان ، هي في المقام الأول متمثلة في انسداد أفق للتحول الديمقراطي الذي ناضل من أجله الشعب السوداني، ومهره بتضحيات جسام أستشهد خلالها خيرة بناته وابنائه في كل بقاع السودان ، خاصة خلال الثلاثة عقود الماضية. هذا الانسداد ، ناجم عن عرقلة، بل اعاقة تحقيق متطلبات واستحقاقات التحول الديمقراطي المضمنة في الوثيقة الدستورية (علي علاتها) الموقعة في أغسطس 2019 ، بين قوي اعلان الحرية والتغيير (قحت) والمجلس العسكري أو بالأحري ، اللجنة الأمنية لقيادة النظام البائد ، ان جاز التعبير . في حقيقة الامر ، لم تتمكن الحكومة الانتقالية من احراز تقدم ملموس حيال ما تم الاتفاق عليه في الوثيقة الدستورية ، (وقف الحرب وتحقيق السلام ، إصلاح الجهاز القضائي ، هيكلة الاجهزة الأمنية ، توحيد القوات العسكرية واقامة جيش واحد بعقيدة وطنية واحدة ، قيام المجلس التشريعي ، أيلولة الموسسات الإقتصادية العسكرية ذات الطابع المدني ، لولاية وزارة المالية ، تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وتصفية الفساد الخ..)؛ هذا الإخفاق يرجع في المقام الاول ، لوقوف المكون العسكري في مجلس السيادة ، حجر عثرة امام اي تقدم في انجاز ما اتفق عليه في الوثيقة الدستورية. من بين الشواهد علي هذه الحقيقة ، الإستقالة التي تقدمت بها الأستاذة الجليلة عائشة موسي ، من عضوية مجلس السيادة لنفس الأسباب المذكورة والتي لم يتمكن من نفيها المكون العسكري في المجلس. وهنالك حقيقة أخري هامة متعلقة بامتعاض المكون العسكري من قرارات لجنة ازلة التمكين ، التي طالت جزءاً مما تم نهبه من قبل العديد من منسوبي النظام البائد . وباتت نشاطات وتحريات هذة اللجنة ، تهدد مصالح الشركات الامنية والعسكرية ذاتها . وربما كان ذلك من أقوي الدوافع للإنقلاب العسكري في 25 أكتوبر الماضي ، والذي كانت أهم أهدافه وقراراته ، حل لجنة ازالة التمكين ومراجعة انجازاتها من استرداد المال العام المنهوب . ومن أولي قرار كان اعتقال أعضاء .
ونتيجة لهذا الإنسداد تفاقمت الضائقة المعيشية التي تعاني منها الأغلبية العظمي للسكان ، في مختلف الاقاليم وخاصة في المناطق التي عانت وما تزال تعاني من ويلات الحروب الأهلية في دارفور ، جنوب كردفان ، جنوب النيل الازرق وشرق السودان بصفة خاصة. وازداد تدهور الاحوال المعيشية لقطاعات واسعة من المواطنين ، نتيجة لتدهور الوضع الإقتصادي الكارثي الموروث من النظام البائد ، والذي فاقمته السياسات الاقتصادية القاسية للحكومة الانتقالية وافلات أكثر من 80٪ من حجم المؤسسات الاقتصادية في البلاد ، من ولاية السلطة التنفيذية .
أدي هذا الإفلات ، الي التهرب الضريبي ، تجنيب حصيلة الصادرات وتسربها الي الخارج عن طريق التهريب. لذلك ، يمكن وصف هذه الأزمة ، بأنها ذات طبيعة سياسية ، اقتصادية ، اجتماعية مما زاد انسداد افق الخروج منها في الواقع الماثل في البلاد منذ أن تفجرت ثورة ديسمبر المجيدة . انسد الأفق رغم المحاولات التي تمخضت عن مساومة أدت الي حكم انتقالي متعثر علي اساس وثيقة دستورية وقعت بين شق مدني(قحت) وشق عسكري (اللجنة الأمنية للبشير) .
إذاً ، الأزمة هي انسداد افق أمام عملية انجاز استحقاقات التحول الديمقراطي ، التي تم تحديدها والاتفاق عليها في الوثيقة الدستورية بين الشريكين المدني والعسكري.
ثانياً : الجهة المسئولة عن إنسداد الافق السياسي الحالي ، هي الجهة التي أخلت بالعمل حسب الوثيقة الدستورية خلال الفترة الانتقالية ، وقامت بتنفيذ إنقلاب عسكري في 25 أكتوبر 2021 . وقامت منفردة بإعلان حالة الطوارئ ، حل الحكومة الانتقالية ، حل مجلس السيادة الانتقالي ، وعطلت عمل لجنة تفكيك تمكين النظام السابق واعتقلت القيادات السياسية المدنية بما فيها رئيس الوزراء . لذلك يعتبر الجانب العسكري المتمثل في قيادة القوات المسلحة هو الجهة المسئولة عن تفجر الأزمة. هذا لا يعني ان التناقضات بين المكونين كانت غائبة قبل الإنقلاب ، الا ان الجانب العسكري فضل حسم تلك التناقضات عبر قوة السلاح.
ثالثاً : فيما يخص الخسائر التي نجمت عن تفجر الأزمة ، نكتفي بالتذكير ، بأن عدد الشهداء الذين الذين سقطوا قتلي بآلة قمع القوة الانقلابية قد بلغ اكثر من شهيداً ، اضافة الي آلاف الجرحي .
اما الخسائر المادية فقد فاقت العشرة مليار دولار أمريكي حتي الآن ، ولا زالت تتزايد يوماً بعد يوم، وتنعكس سلباً علي معاش المواطنين ، الذي بات جحيماً لا يطاق.
رابعاً : فيما يخص الجهات التي يرجو المبعوث الاممي أو يتوقع ان تجلس حول مائدة الحوار (كل الكيانات السياسية من احزاب ، لجان مقاومة ، تنظيمات مجتمع مدني والحركات المسلحة الموقعة علي اتفاق جوبا للسلام ، وممثلين لحركتي الحلو وعبد الواحد..) ما عدا حزب المؤتمر الوطني المحلول والاحزاب التي شاركته السلطة حتي لحظة سقوط النظام البائد ويجب ألا يكون من بينها الجنرالات الضالعين في الإنقلاب العسكري أو الذين أيدوا أو شاركوا في التخطيط له. نقول ذلك لأن مشاركة هؤلاء تعطي الإنقلاب شرعية ، ومن ثم تفتح الباب لفرض الأمر الواقع ، وبذلك يتم نسف مبادئ التحول الديمقراطي وأسس الحكم المدني الديمقراطي المنشود . في نفس الوقت ، قد يتسائل البعض عن جدوي المائدة المستديرة ، اذا تم استبعاد جنرالات الانقلاب ! . والإجابة علي ذلك ، هي ان هدف التداول حول المائدة المستديرة يجب ان يكون ايجاد حل للأزمة السياسية وليس زيادة تعقيدها باعطاء شرعية لمفجريها، وبالتالي العودة للحلقة الشريرة أو متلازمة توالي الانقلابات العسكرية التي أقعدت البلاد من النهوض لأكثر من نصف قرن من الزمان . لكن ولتوضيح وتثبيت دور القوات المسلحة (حماية الحدود والامن والدستور) لا مانع من مشاركة (المؤسسة) العسكرية كمؤسسة ، في مداولات المائدة المستديرة ، وليس الجنرالات ، منفذي الانقلاب ، الذين هم جزءا من المشكلة ولا يمكن ان يكونوا جزءاً من الحل.
خامساً : في صدد ، الشروط الضرورية لانعقاد المائدة المستديرة يجب :
* انهاء حالة الطوارئ المفروضة حالياً .
* الوقف الفوري للقمع والعنف الممارس من قبل الجهات الامنية ضد المتظاهرين .
* انهاء التفويض والحصانة الممنوحة للقوات الامنية الضالعة في ممارسةالعنف المفرط ضد المتظاهرين السلميين.
* التوافق علي تكوين لجنة تحقيق (بمشاركة دولية) في قتل وجرح المتظاهرين السلميين ضد انقلاب 25 أكتوبر 2021 .
سادساً : في شأن المخرجات المرجوة من المائدة المستديرة ، يتوقع ان يتفق أصحاب المصلحة في التحول الديمقراطي ، علي وضع :
* ميثاق او دستور انتقالي.
* خطة عمل لاقامة مفوضيات الفترة الانتقالية (السلام ، الدستور ، العدالة الانتقالية ، الانتخابات الخ..) والمجلس التشريعي الانتقالي في اسرع وقت ممكن.
* تكوين سلطة تنفيذية وسيادية مدنية من كفاءات مدنية مستقلة ذات مهام محددة ، لتنفيذ متطلبات الانتقال الديمقراطي السلس خلال فترة زمنية محددة .
* استكمال عملية السلام علي اسس واقعية وديمقراطية عادلة ومستدامة .
أخيراً : فيما يخص آلية تنفيذ ومتابعة مخرجات المائدة المستديرة ، توكل هذة المهمة ، للمجلس التشريعي الانتقالي . وقد يكون من المناسب ، ان تقام المائدة المستديرة بتسهيل وشهادة ، ومتابعة بعثة الامم المتحدة في السودان والاتحاد الافريقي.
