مقالات سياسية
الواحد .. مندهش..!

*
عبدالمنعم عثمان
خطرت ببالي كتابة هذا الموضوع وأنا أشاهد بالأمس ندوة بقناة النيل الأزرق شارك فيها عدد من السياسيين وقادة الرأي. وبرغم أن كل ما قيل فيها يدهش – الما بندهش – إلا أنه ليس الدافع الوحيد لكتابة هذا المقال. فباسترجاع بعض الأحداث الماضية والحاضرة في السودان في جميع مجالات الحياة، توصلت إلى أن العنوان يصلح عنوانًا لكتاب ضخم وليس مجرد مقال عابر. وإذا طال بالكم فإنني سأثبت لكم صحة هذا الزعم، الذى وجدت أيضًا أنه لا ينطبق على السودان وحده، برغم أن السودان يكون في الدرجة الأعلى من الادهاش. ولكن قبل أن أدخل إلى لب الموضوع، بدءًا بما جاء في الندوة المذكورة مرورًا بالمدهشات الأخريات منذ الاستقلال وحتى بعد ديسمبر المتفردة، اسمحوا لي أن أسرد عليكم بعض ما اعتبره أحسن القصص في موضوع الاندهاش وعدمه، وذلك من خلال نموذجين مثاليين عاصرتهما على أيام جامعة الخرطوم، عندما كانت!
الأول للزميل يوسف حسين، الذي لا أزال احتار في ايجاد الوصف الذي يناسب حالته، حيث أني لم أجد في نماذج الحياة التي طالت بي، ولا في ما قرأت من كتابات متنوعة ما يناسب حالته من الأوصاف الحقيقية والخيالية. لكني سأكتفي هنا بذكر صفة تناسب موضوع المقالة، ألا وهو موضوع الاندهاش. ولعلكم ستستغربون عندما تعرفون أن العلاقة هنا هي أن يوسف كان معروفًا لدى جميع من عرفه في تلك السنوات الجامعية بصفة “الرجل الذي لا يندهش”! وقد كنا جميعًا نعبر بهذا الوصف عن حالة الاندهاش الشكلية التي تظهر على الوجوه وربما بعض أعضاء الجسم الظاهرة على كل ابن آدم يمر بما يدهش، وما أكثره. غير أن يوسفًا كان سببًا في كثير من أسباب الاندهاش على تلك السنوات الأولى من ستينات القرن الماضي، وهى سنوات حكم عبود، رئيس أول انقلاب يحدث في البلاد. فقد كان مسئولًا عن مجموعة الشيوعيين بداخليات البركس، وبهذه الصفة كان قد لا يمر مساء من غير أن يأتي بقرارات الحزب لتوزيع منشورات أو كتابة شعارات على الحيطان أو الاستعداد لمظاهرة في شارع الجامعة أو شارع القصر… الخ …الخ. وكانت هذه القرارات الصعبة تصدر عنه بنفس النغمة وتعابير الوجه وهو يحدثك بقرار اختيارك المشاركة في مهرجان الشباب بفنلندا، مثلًا! أما في اليوم الثاني فأنت تعلم بالتأكيد انه من يتقدم الصفوف في قيادة المظاهرة. والغريب في قصة يوسف، غير المندهش شكلًا، أنها كانت مدهشة في جميع تفاصيلها: كانت دفعته بالجامعة أول دفعة تشهد إنشاء كلية للجيولوجيا التي هي من أصعب العلوم ولذلك اختير لها اثنا عشر طالبًا من المتقدمين، وقد كانوا كثرًا. كان يوسف أحد المختارين وقد تخرج مع نصف هؤلاء الذين استطاعوا البقاء حتى سنة التخرج. ولم يكن هذا هو سبب الادهاش، وإنما كان السبب هو أنه اختار ان يعمل محترفًا سياسيًا بالحزب، بينما كان من الممكن أن يصبح رائدًا للجيولوجيا بالسودان، أو حتى مزاملا للدكتور فاروق بوكالة ناسا! وقد ظل في موقعه حتى ختام حياته متحدثًا رسميًا باسم الحزب.
أما النموذج الثاني فهو لأحد ابناء دفعته، محمد ابراهيم الملقب بكبج، وقد كان وظل شخصًا مدهشًا ومندهشا. كان يدرس الهندسة وفي السنة الثانية من الدراسة قرر أن يكون قائدًا لكل مظاهرات الجامعة ضد حكم عبود بحماس لم أشهد مثله على كثرة ما شهدت من مظاهرات في السودان وفى غيره. وانتهى به الأمر إلى ترك الدراسة بالجامعة ليلحق بصاحبه غير المندهش في الاحتراف السياسي. غير أنه، لسبب غير معلوم لدي، ترك الاحتراف وتوجه إلى ما قد يعتبره البعض عملًا مناقضًا لدعاوى الحزب ونظريته، فقد اتجه إلى العمل الخاص وبرأسمال ليس صغيرًا بما يجعله في عداد الرأسماليين. لكنه كان مدهشًا في ذلك القرار أيضًا، حيث لم يبد، حسب علمي أي عداوة للحزب، كما مارس ما اسميه رأسمالية/ اشتراكية على نمط إنجلز، إن صح التعبير! فقد كان يوزع رأسماله يمينًا وشمالا في غير استغلال للغير بل في مساعدة لهم. كما أنه عمل في مجالات لم يكن هدفه الربح وحده وإنما فتح مجالات عمل جديدة من مثل زراعة وتصنيع وتصدير ما يمتلئ به السودان من أعشاب يصلح أغلبها كمادة خام لتصنيع الأدوية، غير أنه لم ينجح في تنمية المجال ولا رأس المال وقد كان ذلك في ظني لغلبة الفكر الاشتراكي على قراراته وتصرفاته! وليس أدل على ذلك من أنه استطاع بجهده الخاص أن يصبح اقتصاديًا يشار له بالبنان.
هذان النموذجان ليسا شاذين في تاريخ الحزب الشيوعي، لكنهما يمثلان الأغلبية من من احترفوا العمل السياسي من أمثال عبدالخالق ونقد وإبراهيم زكريا وغيرهم من الأفذاذ الذين ضربوا مصالحهم ونجاحاتهم الذاتية في سبيل إنجاح قضايا الوطن. والسبب في إيراد النموذجين المذكورين كان فقط للمقابلة بينهما وبعض من شارك في تلك الندوة المذكورة في مقدمة المقال. فقد كان من بينهم من ادعى أن المواقف التي اتخذها حيال انقلاب البرهان، إنما كانت لمصلحة من يمثل من ضحايا الحرب ومشرديها وبالتالي فأنه مؤيد لذلك الانقلاب بنفس أسباب أوردها الدكتور حمدوك، حيث قال إنه فعل ذلك لحقن مزيد من دماء الشباب! وهي أسباب مدهشة على أقل وصف لها. ولعل الأكثر ادهاشًا فيها هو نفي أولئك “القادة” إلى ما وصفوا به عن حق، من أنهم خانوا قضية من يفترض أنهم يمثلونهم! فقد توالت حملات القتل في دارفور تحت سمعهم وبصرهم ومن قِبل من يجلسون معهم في نفس المجلس من غير أن يفتح الله عليهم بكلمات شجب يقوم بها الأمريكان والأمم المتحدة، فأي وصف أقل من الخيانة يمكن أن يوصف بها موقفهم؟! ومع ذلك فقد كان في حديث كبيرهم ما هو أكثر ادهاشا، حيث احتج على وصف الخيانة بأنه لا يترك مجالًا للتعاون والتعامل بين مختلف الاتجاهات من أجل سودان موحد؟! وهو بهذا يأتي إلى أحد أكثر القضايا ادهاشًا، معبرًا عن الكثيرين من من لا يزالون يدعون الوقوف في صف الثورة، بينما هم بمثل هذا الموقف إنما يعبرون عن محاولة أخيرة للانتكاس بثورة ديسمبر المتفردة. إذ أن هذه الدعوة للوحدة لا تختلف في شيء عن دعوة الكيزان إلى وحدة جميع أهل السودان للخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية المصنوعة بأيديهم حتى الوصول إلى هذه الحالة التي “تستدعي الوحدة”! ونعود مرة أخرى إلى السؤال الخالد: لماذا إذن قامت الثورة وضد من؟! غير أن الجميل في الأمر هذه المرة وغير المدهش لمن يعلم أن جماهير شعبنا قد شبعت دروسًا محلية وإقليمية ودولية بحيث لم تعد تنخدع بحلو الكلام ولو جاء من الرئيس الأمريكي الديموقراطي أو الروسي الساعي إلى الديموقراطية أو الصيني الذي يؤشر يسارًا ويتجه يمينًا أو من أمين عام الأمم “المتحدة”. فكل هؤلاء أصبحت مواقفهم مكشوفة عند الشعب السوداني. كل هؤلاء يسعون إلى مصالح بلادهم، وهو أمر طبيعي ولو كان غير أخلاقي، غير أن الأمر غير الطبيعي في حالتنا، إننا نسعى لتنفيذ أوامر ومصالح آخرين من أجل مصالح شخصية وليست وطنية.
وأخيرًا، أليس من المدهش أن يتهم من يضحي بمصالحه الشخصية لحد العيش على الكفاف لخدمة أهداف قد يكون فيها عنصر القناعة الشخصية ولكنها تتوافق مع مصالح الشعب، أن يتهم بالخروج عن الوحدة، بينما يقبل، من يدعي التضحية بسنوات من الكفاح المسلح من أجل أهداف جهته، إن لم نقل شعبه، مجرد الجلوس مع من قتل ويقتل شعبه؟!
الميدان
متى تخرجون من وهم ان عبد الخالق و نقد و كبج هم مفكريين؟ قارنوا نفسكم بالآخرين أحرار العالم عشان تعرفوا في خبوب تغوصون؟ ابدا لا تشبعون من الاوهام
وكمان ما تنسي برضو أوهام الكيزان…بعد الخراب العملوه والفلوس ألهطوها قالوا ديرين يحكموا تاني عشان “ينقذونا من الشيوعيين” !!!!!!!!!!!!!! وهم لا يعلمون “لانهم وهمانيين برضوا ” أن الشعب السوداني بقي يشوف كل الأحزاب السودانية حتي الشيوعية أخير منهم