أخبار السودان

د. إيثار خليل إبراهيم تكتب عن غزوة الهمج لمستشفى أم درمان

كنت اظنني خبرت جميع الشعور الإنساني من فرحه وترحه وخوفه وامانه وحتى عدمه وابعد ؛ التمرد على الدولة في أعلى مستوياته والمقابل له من المعاداة المجتمعية الملقنة والمقولبة عنصرية وتغييبا حد السماجة ولكن خمس ساعات من هذا اليوم فى مستشفى امدرمان وحدة الطوارئ والإصابات؛ أسقطت ظني نثارا هبهبا!
تخرج صباحا تسابق لهفتك وعبث القوة الغاشمة التي قد تقطع عليك الطريق للالتحاق بموكب امدرمان ؛وقد كان وما بين كر وفر وتحدثك نفسك بشجاعة هؤلاء الشباب واعدادهم التي تتزايد مع كل هتاف ينادي بإسقاط النظام أو حرية وفي ذات الوقت ترى غياب التنظيم والقيادة السياسية على الأرض وتساؤلاتك بمآلات هذه الجهود العظيمة ؛يسقط الحالمون واحدا تلو الآخر كما لو أنهم يتداعون بعضهم؛التالي يسقط بقربك بطلق مباشر ولربما في هنيهة من لحظة لكنت انت!تسعفه وبعض اخوتك إلى المستشفى لتجد قد مهر شباب قبله أرض الوطن بدمهم الطاهر وما بين رائحة الدم وصوت الرصاص وخلجات الصدور التي تستنشق الهواء اقتلاعا واصوات متداخلة بين لعن وشتم وبكاء واستنجاد.
يدخل علينا إخوة الشيطان مدججين بسلاحهم وهراواتهم ويضعون اقنعة على وجوههم يبحثون عن المتظاهرين حتى الجرحى منهم؛ اول ما فعلوه اطلقوا البمبان علينا جميعا فبلغت القلوب الحناجر؛وبخراطيش بدأوا بضرب الجميع محاولين اخذ الجرحى والمتظاهرين ويلوحون بطبنجاتهم ويصدرون اصواتا امعانا في ارهابنا ؛وذهب بعضهم الى باقي اجزاء المستشفى بحثا حتى مجمع العمليات وقد اخذوا كثيرا منهم والجميع يصرخ من انعدام الهواء بسبب البمبان ؛فكان الاحتدام بيننا وبينهم أن للمكان والمريض حرمتهم وهم مسؤوليتنا وأقسم انهم مافهموا من قولنا شئ؛ولم يستفزهم شئ كصوت نسائي قوي لطبيبة وهي تذكرهم بقدسية المكان والإنسان فما كان منهم إلا أن اجتروها اجترارا وكانت الهبة من جميع الأطباء لينقذوها منهم فزدادوا شراسة وصلفا وما كان لنا إلا مكاء ببمبان وضربا بخراطيشهم وخرج بعضهم وافرغ الذخيرة الحية في حرم المستشفى وضرب الحصار على من في الداخل ؛لا خارج ولا داخل ؛لا طبيب ولا دواء ولا جريح.
كان هو الألم الممزوج بالرعب والقهر والعجز والاستباحة المطلقة لكل شئ في آن واحد أمام دولة تتجسد في بدوي اجلف رائحته والطير لا يفقه ألفا ولا جيما ولا يحكمه دينا ولا خلقا ولا عرفا او تقليدا سوى عهر يمارسه ورأس الدولة
كيف بهذا وبذاك الذي اعترى أهلنا اعواما عديدا تترى عليهم غدوا وعشيا في دارفور وجبال النوبة؛ وآلة الموت تنهكم حصدا…
كيف بمن رأى أمه تقتل أمامه وتبقر بطن أبيه وتغتصب أخته وزوجته ويلعب باطفاله رميا بالحراب او أشلاء بفعل القذف الصاروخي وتحرق انسانيته وكرامته وقريته وزرعه وماشيته وينزح متشردا ولاجيء” مفارقا لجغرافيته وانسانه قسرا
من يملك أن يخبرني أنه ينبغي بها إن تكون سلمية!؟
فيسبوك

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..