امير شاهين
“التاريخ منجم زاخر بالحكمة التي قد تجد فيها المفاتيح الذهبية لمشاكل حاضرنا.”
هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق
بقلم: امير شاهين
هذا المقال يأتي في سلسلة حلقات التوثيق لنادى التحرير البحراوي بمناسبة بلوغه هذا العام ال92 عام في هذه السنة 2022م , و نادى التحري يعتبر واحدا من اقدم الأندية الرياضية في السودان اذ انه كان موجودا منذ العام 1927م وكانت لديه مباريات ضد تيم عباس الذى كان يضم الهلال و المريخ سويا قبل ان ينفصلا ولكن تم تأسيسه وإصدار شهادة ميلاده رسميا في العام 1930م باسم ” استاك” ابان فترة الحكم البريطاني للسودان تخليدا لذكرى السير لى استاك حاكم عام السودان و سردار ( قائد عام) الجيش المصري والذى تم اغتياله في القاهرة في 19نوفمبر1924م , ومعروف بان نادى التحرير كان له شرف الحصول على اول بطولة الدوري وكاس السودان معا في العام 1951م مانحا الشرف لمدينته التي انجبته و اهدته بفخر للسودان وبحرى هي نفس المدينة التي انجبت أيضا الكابتن المرحوم الجاك عجب اول كابتن للفريق القومي السوداني في العام 1956م الذى كان يلعب لنادى الاتحاد البحراوي والذى تأسس بعد أربعة سنوات من تأسيس شقيقه التحرير ( استاك) في العام 1934م باسم سلاطين . ولان لا شيء يولد عفويا ويأتي من فراغ فان هذا التفوق والإنجاز لمدينة بحري كان نتاج لتقدم المدينة وريادتها في كثير من المجالات وتمتعها ببيئة حضارية تشجع وتحفز أبنائها على الابداع والابتكار وتوفر لهم كل ادواته ومعيناته المادية والمعنوية. والكثير من الناس لديهم فهم خاطئ بان منطقة بحري حديثة التاريخ مقارنة بشقيقاتها ام درمان والخرطوم! والحقيقة هي ان تاريخ منطقة بحري يعود الى زمن بعيد، فمثلا حلفاية الملوك التي تأسست كقرية صغيرة في العام 1500م وأصبحت عاصمة العبدلاب والسودان في العام 1797م كما ان حلة حمد ام مدينة بحري كما يطلق عليها قد تم تأسيسها في العام 1692م عندما جاءها الشيخ حمد ود ام مريوم في ذلك التاريخ من جزيرة توتى وقام بتأسيس الحي و شيد المسجد والخلوة كما ان المدينة واصلت التوسع بعد وصول الشيخ خوجلى ابوالجاز (ازرق توتى) من توتى أيضا وهو قريب لشيخ حمد ود ام مريوم وتأسيسه لحى حلة خوجلى الشهير. ولمدينة بحري كما أسلفنا القدح المعلى والاسهام الكبير والواضح في تأسيس كرة القدم في السودان فماذا يقول التاريخ؟
قبل دخول الانجليز الى السودان في العام 1898م لم يكن السودانيون يعرفون كرة القدم او بقية الرياضات الأخرى وكان السودانيون يكتفون بمشاهدة البريطانيون وهم يمارسون هذه الرياضة خاصة الذين كانوا على مقربة من ثكنات الجيش وهم سكان البراري والديوم القديمة في الخرطوم وبحري واحياء تلوذي والوابورات وغيرها. وفى الفترة من 1900-1907 شهدت مشاركة السودانيين اللعب مع الاجانب من خلال عملهم داخل الثكنات وكانت في حدود ضعيفة.. ثم توسعت المشاركة بعد تأسيس فرق الاحياء القديمة بالعاصمة المثلثة والمدارس الأولية «الكتاب» وكانت أكثر الاحياء اهتماما بالممارسة احياء بري وبري ابوحشيش وديم سلمان وديم القشاشة وتلودي وديوم بحري والمسالمة والاسبتالية والموردة بام درمان. وقد اسهم مولد كلية غردون التذكارية عام 1902 في تطور الكرة من خلال تنظيمهم للمنافسات ومساعدة الفرق فنيا والاشراف على تدريبهم وتأهيل اللاعبين واقيمت منافسات بين فرق الكلية المختلفة والجيش الانجليزي والجالية المصرية وفرق المدارس والاحياء، أول منافسة كانت علي درع ونجت باشا في تلك الفترة بمشاركة فرق الجيش البريطاني، كلية غردون التذكارية، المدرسة الحربية، استمرت المنافسات والنشاط على هذا الشكل حتى تكونت فرق الاحياء الاخرى في بقية مناطق الخرطوم «الخرطوم ـ بحري ـ ام درمان» ونظمت مباريات ودية بين فرق المناطق المختلفة. وكان هنالك بطولة كاس السير لى ستاك التي كانت تشترك فيها فرق المصالح والوزارات مثل الري المصري، الجيش، النقل الميكانيكي، المخازن، شركة النور، المالية وخلافهما وبعدها تم تأسيس فرق المناطق منذ العام 1917 م وكانت اشهر الفرق في المناطق في منطقة ام درمان اندية الموردة ، الهلال ، المريخ ، عباس ، الوطن ، النهضة ، الشاطئ ، الحديد ، حي العرب ، الاخلاص ، الاصلاح ، النصر ، الربيع في الدرجة الاولى .
في بحري كانت اندية استاك (التحرير)، الكوكب، سلاطين (الاتحاد) ، التذكار ، كتشنر (العامل) ، عقرب ، الفلاح (شمبات) والتعاون .
في الخرطوم بري ، ديم سلمان ، النيل (الطلبة) الاهلي ، الفجر ، النسر ، توتي ، ونجت ، ابوحشيش الشبيبة .
في الفترة من 1950-1956م تم تأسيس الدوري الموحد للمدن الثلاثة ومنافسة كأس السودان القومية حيث تم اختيار اندية الموردة ، الهلال ، المريخ ، ابوعنجة من ام درمان .. بري ، النيل، الفجر من الخرطوم .. استاك ، الكوكب ، التعاون من بحري لأول دوري موحد للمدن الثلاثة. وكانت اول بطول للدوري وكاس السودان في العام 1951م والتي احرزهما استاك (التحرير) كم ذكرنا وهنا لابد من الإشارة الى ان تفوق أبناء بحرى كان أيضا نتيجة منطقية للطفرة الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها المدينة بوجود محطة السكة الحديد المشهورة التي ربطت بحرى بجميع انحاء البلد وأدخلت احدث تقنية إدارة محطات السكك الحديدية فهنالك أيضا المصالح الحكومية الثلاثة التي انشاها الانجليز وكان لها عظيم الأثر في تطور المنطقة وكل السودان وهى مصلحة المخازن والمهمات، حيث كانت كل مهمات الاجهزة الحكومية من ادوات واثاثات وملابس ومعدات تصنع وتحفظ وتوزع بنظام دقيق ، ومصلحة النقل الميكانيكي : التي احدثت ثورة في مجال النقل والمواصلات حيث لم تكن البلاد تعرف الا الجمال والحمير والحصين والابقار في حركة التنقل وحمل الاثقال ومن خلال هذه المؤسسة الحكومية الحديثة كانت الحكومة تستورد السيارات وتقوم بتجهيزها وتوفر قطع غيارها وتقوم بصيانتها وتمدها بالمواد البترولية التي تحركها والنق الميكانيكي احدث نقلة فنية تكنلوجية كبيرة للعاملين به حيث عرف السودانيون لأول مرة وبصورة علمية مهنية كيفية صيانة واصلاح السيارات بمختلف أنواعها و احجامها وقيادتها , ومصلحة الوابورات (النقل النهري) حيث ولج السودانيون عالم النقل بأقسامه الثلاث الرئيسة وهى التشغيل والصيانة والحركة (إدارة نقل المسافرين والبضائع) كما ان الانتعاش الكبير للمدينة كان في وجود وتأسيس اكبر منطقة صناعية في السودان وهو ما اكسب المدينة لقبها التي عرفت به وهو ” المدينة الصناعية” حيث تعتبر منطقة بحري الصناعية من أوائل المناطق الصناعية في السودان حيث شهدت ميلاد الصناعة السودانية الحديثة منذ الاربعينيات من القرن الماضي وشملت مصانع النسيج والزيوت والصابون والمواد الغذائية والادوية ومطاحن الغلال وبالإيجاز فقد كانت لهذه البيئة أكبر المعين والدافع لأبناء بحري للإنجاز والابداع والاتيان بكل ما هو جديد وجميل ومفيد .
ونجد في الصورة التاريخية المرفقة فريق استاك الذي أحرز اول بطولة للدوري وكاس السودان والتي يعود تاريخها الى العام 1952م والتي اهدانا لها الأخ الأستاذ الفاتح المقبول والتي بدرها اهداه لها المرحوم اللاعب حسن عثمان (القرود الصغير) الذي يظهر في الصورة واقفا في اقصى يسار الصورة ، وقائمة الشرف في الصورة تشمل :
وقوف من اليمين :
يوسف خير السيد (ود النجل) ، عثمان الحاج (الانطون) ، بلال توفيق (امين المال) ، عتيق محمد احمد (رئيس النادى) , محمد باب الله’ حسن عثمان (القرود)
جلوس من اليمين :
على محمد على ، خليل إبراهيم سعيد ، خضر السيد ، عبد الله حسن (دولى) ، محمد خير السيد
جلوس على الأرض : يسين دين (حارس المرمى) .
