دولة الحقوق المدنية التي يضحي من اجلها الشباب

د. الفاتح إبراهيم
عندما تعرض الرئيس الأمريكي رولاند ريجان لمحاولة اغتيال أمام فندق هيلتون في العاصمة الامريكية واشنطن في ٣٠ مارس ١٩٨١ وكنت وقتها طالبا في جامعة اوهايو تابعت الاخبار في التلفزيون .. وقد احدث الخبر حينها دويا في الميديا المحلية والدولية .. وبالرغم من انشغال الكل بالحادثة حكومة وشعبا في الولايات المتحدة إلا أن عبارة واحدة خرجت من فم وزير الخارجية وقتها “الكزاندر هيج” حين قال أثناء وجود الرئيس ريجان في الستشفى خاضعا لعملية جراحية قال في تصريح للصحفيين :
“I’m in control here”
بمعنى انه هو المسؤول المتحكم في الامر هنا ..
وربما تكون زلة لسان أو ربما خانه التعبير متأثرا بخلفيته وثقافته كجنرال سابق في الجيش الامريكي ولكن لم تغفر له الصحافة والمجتمعات المدنية ذلك وقوبل بنقد واستنكار وأعتبر أن ذلك يمثل أمرا خطيرا ضد الدستور الذي يشرح ويحدد من يخلف الرئيس في مثل هذه الأحوال في حكومة تديرها المؤسسات المدنية .. وحسب الدستور فإن تدرج قائمة المسؤولية تشمل الرئيس ثم نائب الرئيس ثم رئيس البرلمان .. لذلك لم يكن من المناسب – حسب منتقديه – أن يتفوه وزير الخارجية بمثل هذه العبارات ولعل هذا ما يفسر النقاش الذي ساد مسرح السياسة الامريكية بسبب ذلك .. وبالرغم من ان هيج في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض حاول ان يبن درايته بتسلسل المسؤلية الرئاسية حسب مواد الدستور وأنه يعلم أن نائب الرئيس الذي كان في تكساس في طريقه الى البيت الأبيض لتولي المسؤولية حتى لا يكون هناك فراغا دستوريا الا أن خصومه السياسيين لم يتوقفوا عن الاستمرار في التركيز على خطورة العبارات ..
ولعل هذه الحادثة توضح لنا جدية الدول ذات المؤسسات الديمقراطية المدنية العريقة في التعامل مع كل ما يمس او يهدد دولة الحقوق المدنية مهما كان المصدر حتى يقابل بالحسم والعلاج الناجع ..
هذا ما يحدث في الدول التي تطورت فيها الدولة المدنية الحديثة التي تحترم وتستمع الى مطالب مواطنيها ولا تفرض عليهم حكم الفرد الشمولي من اعلى الى اسفل .. وهنا يحضرني ما قاله لي المفكر الجزائري الراحل محمد أركون في مقابلة أجريتها معه في واشنطن تم نشرها في صحيفة الشرق الأوسط قال يشرح ما يقصده بدولة الحقوق المدنية إجابة على سؤالى له في هذا الصدد قال :
” الدولة التي تتبنى الدفاع عن حقوق الإنسان ، المرتبطة بالمجتمع المدني والتي تساعد المجتمع أن يبلغ درجة التعبير الحر عن كل ما يرغب فيه ، والدولة التي تستمع لما يقوله المجتمع والطلبات التي يرفعها لها . هذا التفاعل بين دولة الحقوق والمجتمع المدني ظاهرة جديدة تعتمد على ثقافة سياسية وعلى ثقافة حقوقية أو شرعية لم نكتسبها بعد” .
وقطعا هذه هي الدولة التي يناضل من اجل تحقيقها شباب الثورة السودانية الآن ..