الموجة الثالثة لإستعمار السودان – المؤشرات وحدها لا تكفي !!


لقد كتبنا من قبل عن الموجتين الإستعماريتين اللتين إجتاحتا السودان في القرنين الماضيين . الموجة الأولى التركية المصرية والتانية البريطانية المصرية وتساءلنا عن مدى حساسية السودانيين للإستعمار في ذلك الوقت ودرجة إستجابتهم للتحدي قبل وقوع الفأس في الرأس.
أما الموجة الثالثة التي نحن بصددها الآن فهي الأدهى و الأمر بما تتسم به من مراوغة ونعومة فائقة مستفيدة من التطور الهائل في وسائل التخفي والتوجيه الجمعي للشعوب نحو أهداف يتم تصميمها بمهارة ودقة فائقتين . من لم ير ذلك التدبير بوضوح الآن فمن غير المرجح أن يراه بعد ذلك لأن الوضوح الفائق هو في حد ذاته نوع من الستر يحجب الرؤية ويجهر البصيرة.
لقد تواطأ أشرس ضباع العالم ومرابوه لينهبوا موارد السودان تحركهم شهوة الإستحواذ على حق الشعوب الفقيرة ومنها السودان الذي هو لا يزال عن حقه ذاهل . إن عدم الإكتراث الذي لا يزال سائدا بين السودانيين بما يخطط لهم من قبل الغزاة الجدد و القدامى سيكون إستئصاله غالي الثمن جدا كلما تمكن في بلدهم مرض الموجة الإستعمارية الثالثة. دفن الرؤوس في الرمال لا يجدي عن مواجهة الواقع الذي يحاول كثير من السودانيين نفيه وعدم الإعتراف بحدوثه وذلك بالفرار نحو محاولة إيجاد تفسيرات أخرى للواقع تبدو أكثر راحة وإرضاء لغرورهم الذاتي ولكنها تبقى تفسيرات مضللة قد تكلف الوطن نصف قرن آخر قبل أن يتمكن أحفاد الأحفاد من محو تبعاتها ليغنوا في نشوة “جدونا زمان وصونا على الوطن”.
إن الموجة الثالثة للحقبة الإستعمارية التي نعيشها الآن هي حقيقة ماثلة ويجب مواجهتها بما يجب ولكن لا يزال البعض يغالط نفسه وغير مصدق لما يراه يحدث أمامه . فقد صرح سيسي مصر اليوم أن “السودان أمن قومي مصري” في إعادة و تذكير للسودانيين بما كان من أمر الحقبتين الإستعماريتين الماضيتين اللتين كان فيهما السودان وشعبه ملكا وأمنا قوميا مصريا تركيا بريطانيا . إن قفل طريق شريان الشمال بواسطة المقاومة السودانية ولأسباب داخلية تخص السودانيين قد جعل فرعون مصر يدلي بهذا التصريح الذي وضع النقاط فوق الحروف ذلك لأن الحدث ليس قفلا لطريق كما يتبادر للذهن ولكنه قطع للحبل السري الذي ظلت تعيش عليه مصر مصا لدماء السودانيين ولمواردهم تهريبا وتخريبا.
لم يبق طامع أجنبي إلا وسعى بنفسه إلى تثبيت أقدامه في أرض السودان ووفر لمصلحته من الوسائل والترتيبات ما يضمن به الإستمرار في نهب موارد السودان . وبكل أسف لا يزال الكثير من السودانيين لم يدركوا أهمية وحيوية ضمان تدفق الثروات السودانية إلى الأجانب نهب للموارد هو الأكبر من نوعه على مستوى دول العالم .
لقد تحولت القوة العاملة السودانية من مزارعين ورعاة إلى “أقنان” ينتجون لغيرهم وأن السودان بكامله قد تحول إلى مزرعة كبيرة تحوي في داخلها سودانيين أقنان تماما كما كان قديما حيث كان الأقنان يعملون ويموتون داخل مزارع الأسياد . السودان اليوم عبارة عن مزرعة كبيرة منتجة لمصلحة كبار ضباع العالم منهم من هو من دول الجوار ومنهم من جاء من وراء البحار يطلب الغنيمة . ليس أمامنا غير خيار واحد هو الإستمرار في الثورة التي سيكون ثمن نجاحها مكلفا جدا ذلك لأن الضباع لا يعرف عنها التخلى عن فريستها ب”أخوي و أخوك”. لله در شباب السودان أهل المقاومة الذين عرفوا الحق المر فلزموه .
