أخبار السودان

لجان المقاومة.. خارطة طريق نحو مدنية الدولة

الخرطوم: حافظ كبير

أثارت خطوة إصدار لجان المقاومة لمواثيق وإعلانات سياسية اهتماماً واسعاً لدى المشتغلين والمهتمين بالسياسة والحراك الثوري، في وقت كانت تطرح فيه أسئلة كثيرة حول رؤية لجان المقاومة وموقفها من قضايا الانتقال الشائكة، خاصة قضايا الحكم والتنمية، مصحوبة بتشكيك كبير حول إمكانياتها في تقديم رؤية متماسكة ومستقلة ومتفق عليها، خاصة وأنها ظلت تمسك بزمام قيادة الشارع والمواكب منذ فترة طويلة، وظلت لجان المقاومة الأكثر حضوراً وفاعلية في الحراك الذي انتظم البلاد بعد إجراءات قائد الجيش التي تصفها بالانقلاب على مسار الثورة ومسار الانتقال الديموقراطي، وقد لعبت دوراً كبيراً في مقاومته ورفضه بصورة مطلقة تحت شعارها الشهير ” لا حوار ولا شرعية ولا شراكة” وتمسكها وصمودها في مطلب واحد هو ذهاب المكون العسكري وتأسيس سلطة مدنية كاملة، تكمل ما تبقى من مهام الانتقال وتنجز أكبر وأهم قضية من قضايا الفترة الانتقالية وهي الانتخابات.

وأكدت تنسيقية لجان المقاومة الخرطوم عن اقتراب موعد اعلان الميثاق السياسي للجان مقاومة الخرطوم وكشف الناطق الرسمي باسم التنسيقية المهندس عثمان أحمد في تصريح لـ”الجريدة” عن أن المتبقي ترتيبات قليلة ومن بعدها سيتم إعلان الميثاق السياسي.

 

*الإعلان المقترح للجان ود مدني

 

أعلنت لجان مقاومة ودمدني أول أمس عن إعلان سياسي مقترح، لمقابلة الأزمة الدستورية والسياسية في البلاد، وقالت في متنه بأن: “الإعلان السياسي وثيقة سياسية مقترحة لبدء عملية سياسية جذرية واسعة، هدفها بلورة رؤية سياسية وطنية موحدة حول طبيعة الدولة والحكم والاقتصاد وتداول السلطة، تشكلها الجماهير عن طريق عمليات المناقشة العامة والمفتوحة التي تنظمها لجان المقاومة والنقابات المنتخبة والقوى الثورية الأخرى المؤمنة بالتغيير الجذري وفقاً للرؤية العامة للإعلان السياسي الموحد”.

واعتبرت لجان مقاومة مدني بأن الإعلان السياسي هو تتويج لنضالات المقاومة الشعبية منذ الاستقلال الأسمى في العام 1956 ويمثل حجر الزاوية في ترجمة الفعل الثوري إلى رؤية سياسية واضحة متماسكة، وكذلك بداية تحويل السلطة إلى قواعد الجماهير بانتزاعها من النادي السياسي النخبوي، التقليدي والحديث.

ويتكون الإعلان السياسي من مقدمة تحلل المشكلة السودانية وبنود للإعلان السياسي الذي يحوي التعريفات والأهداف العامة وشكل الحكم وقضايا الاقتصاد والعدالة الاجتماعية والجنائية، وكذلك الرؤية المفاهيمية لقضايا الانتقال وتحليلها تاريخياً واجتماعياً لتحديد اتجاهات صراعاتها العامة.

واقترحت لجان المقاومة أن تتأسس الفترة الانتقالية على دستور السودان المؤقت 1956 وذلك بتفعيل المجلس التشريعي القومي الانتقالي لمواد الدستور التي تتماشى ولا تتعارض مع الإعلان السياسي الموحد للجان المقاومة في السودان، على أن يقوم نظام الحكم لا مركزياً ويؤسس دستوراً للحكم المحلي، تمهد الفترة الانتقالية لعملية الانتخابات التي تسلم السلطة لحكومة منتخبة في مدة تمتد ما بين ثلاث إلى أربع سنوات تتخذ خلالها الحكومة الثورية الانتقالية حزمة إجراءات ضرورية لعملية التحول الديمقراطي.

واقترحت لجام مقاومة مدني إعادة هيكلة الأجهزة النظامية وجهاز الأمن وحل وتسريح الدعم السريع وجيوش الحركات المسلحة ومراجعة قوانين القوات المسلحة من حيث المهام والاختصاص وصولاً لجيش وطني.

*ميثاق مايرنو .. ميثاق سلطة الشعب

ومن قبل ذلك، أصدرت لجان مقاومة مايرنو، المنطقة التي اشتعلت منها شرارة ثورة ديسمبر لأول مرة، أعلنت عن “ميثاق سلطة الشعب” ووقعت عليه عدد من لجان الولايات والمناطق المختلفة، جاء فيه: “نحن القوى الثورية الموقعون أدناه، نعلن التزامنا بالخطة التالية لضمان السلطة الحقيقية للشعب، خلال الفترة الانتقالية والتنسيق الفعال بيننا والالتزام بالنضال من خلال الوسائل السلمية لتحقيقها مهما كان ثمن ذلك”.

ووفقاً للميثاق فإن السلطة تتكون من ممثلين السكن والنقابات المختارين وفق آليات الديمقراطية الجماهيرية، من المجالس المحلية والذين هم، ممثلي لجان المقاومة بالأحياء، على أن تجتمع كل لجنة مقاومة في الحي /القرية مع سكان الحي في جمعية عمومية أو مخاطبة جماهيرية، تختار من خلالها مندوب يمثل الحي في المجلس التشريعي الطوعي المحلي. وبالإضافة إلى ممثلي النقابات الذين يجتمع أعضاء النقابات المختلفة بالمحلية وينتخبون من بينهم ٦ أشخاص يمثلون النقابات بالمجلس التشريعي المحلي. ومن ثم يجتمع كل ممثلي الأحياء والنقابات بالمحلية مسنودين بمواكب تقودهم إلى مباني المجلس التشريعي المحلي، ويشكلون هياكل المجلس التشريعي المحلي (الرئيس – المقرر- اللجان المتخصصة، وهي لجان تشريعية، مهمة كل واحدة منها القيام بواجبات محددة يشكلها المجلس حسب حاجته، مثل لجنة “الصحة – التعليم -الاقتصاد ومعاش الناس …الخ”.

واقترح الميثاق أن يختار اجتماع المجلس التشريعي المحلي أيضاً خمسة ممثلين للمحلية في المجلس التشريعي الولائي، على أن يجتمع ممثلي المحليات في كل ولاية مسنودين بمواكب ثورية تقودهم إلى المجلس التشريعي الولائي، ويختارون هيكلة المجلس ولجانه ويقومون بتسمية ٣ ممثلين منهم للمجلس التشريعي القومي ثم يشكلون حكومة الولاية.

وبذات الطريقة، يقترح الميثاق أن يجتمع ممثلي الولايات المختلفة، مسنودين بمليونية تقودهم إلى البرلمان القومي، وتقوم بحماية انعقادهم ويقومون بهيكلة مجلسهم، وتكوين لجانه ويختارون رئيس مجلس الوزراء ويتابعون معه تشكيل مجلس الوزراء ويمارسون كافة صلاحياتهم البرلمانية.

ويشرح “ميثاق سلطة الشعب” المهام الأساسية للمجالس التشريعية، والتي من بينها تشكيل حكومة كفاءات ثورية تحقق أهداف ثورة ديسمبر المجيدة، وتحسين الوضع الاقتصادي لجماهير الشعب السوداني، بما يضمن العدالة الاجتماعية ووضع اقتصاد سوداني مستقل عن التبعية وهدر الموارد، وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو واقامة نظام عدلي مستقل، واقامة المؤتمر الدستوري لوضع دستور دائم يحدد كيف يحكم السودان، وبناء علاقات خارجية مستقلة وبعيدة عن المحاور، بالإضافة إلى تطوير قوات شعب مسلحة موحدة ومؤهلة ومهنية، وتأسيس سلام يشمل كل السودان.

 

ومن أهم النقاط التي أوردها الميثاق هي أنه لا توجد أي مخصصات للمجالس المحلية باستثناء مصروفات الترحيل والاجتماعات، وأن مخصصات المجالس الولائية تشمل راتباً يعادل الحد الأدنى للأجور، اضافة إلى الترحيل ومصروفات الاجتماعات، وبالنسبة لمخصصات المجلس القومي، فتشمل توفير سكن واعاشة أساسية.

 

*أرضية صلبة للنقاش

 

خطوة الإعلانات السياسية والمواثيق التي تصدرها لجان المقاومة وجدت اهتماماً كبيراً وسط المثقفين، ورحب الكاتب شمس الدين ضو البيت بالخطوة، وقال بأنه ظل ينادي بها منذ عامين، منذ بداية الثورة، وقال ضو البيت لـ”الجريدة”: “كنت أعتقد أن لجان المقاومة وهم الفاعلون الأساسيون في الثورة، وكذلك هم من أشعلوا الثورة وصمدوا طوال الشهور التي سبقت إسقاط نظام البشير، وحافظوا على السلمية والصمود والإبقاء على جذوة الشارع والثورة مشتعلة، طوال الشهور الماضية، منذ ما قبل اسقاط نظام البشير وأثناء الاعتصام، ثم أعادوا الثورة إلى مسارها مرة أخرى، بعد فض الاعتصام، ومنذ ذلك الوقت، سهروا على حمايتها والدفاع عنها، وقدموا أرواحهم وسلامتهم فداءً لدولة مدنية ديموقراطية، ومن هذا المنطلق، يمكن أن يقال بأنهم الفاعلين الأساسيين في ثورة ديسمبر، وبالتالي كان يجب أن يجمعهم بالإضافة إلى حراكهم وضغطهم الثوري من أجل إسقاط النظام_ كان يجب أن يجمعهم تصور لما بعد إسقاط نظام الحركة الإسلامية، تصور قائم على أساس تفاصيل تصورهم لهذه الدولة المدنية الديموقراطية، وكيفية تجاوز المصاعب الضخمة التي أوقعنا فيها نظام البشير، وكذلك للمؤسسات وأشكال الحكم التي يمكن أن تنجز مهام الفترة الانتقالية، والمهام التأسيسية بوضع الأسس لما بعد الفترة الانتقالية”.

 

يرى ضو البيت بأن هذه المسألة تأخرت كثيراً، لكنه يستدرك بأن تأتي متأخراً خيرٌ من أن لا تأتي، وأوضح بأنه بميثاق لجان مقاومة ود مدني، لدينا الآن أرضية صلبة أولية، ومسودة مطروحُ فيها القضايا، وبها أطروحات محددة لمعالجة قضايا الانتقال، والقضايا التأسيسية، لكن وفقاً لشمس الدين ضو البيت، فإن الأهم ليس هو التصورات، بل الأهم هو طرح القضايا نفسها للنقاش بين لجان المقاومة، من، شكل الحكم ومؤسسات الفترة الانتقالية ومعالجة قضايا الاقتصاد، وهذه كلها طرحت في محاور الميثاق للنقاش، ويضيف ضو البيت بأن هناك تصورات محددة للجان ود مدني، لكن المهم أن محاور الإعلان أصبحت مطروحة للنقاش والحوار، بحيث يتم الاتفاق على معالجة هذه المحاور، ويؤكد بأن هذه هي الفائدة الكبيرة، مشيراً إلى أننا الآن لدينا مسودة صلبة يمكن الانطلاق منها، وأن المهم فيها أن المحاور مفتوحة للحوار والتشاور بين لجان المقاومة، ويتصور ضو البيت بأن اللجان ستصل لمسودة متوافق عليها يمكن أن تطرح للقوى السياسية لكي يكون هناك ميثاق يجمع القوى السياسية والمهنية وكل قوى الثورة مع بعضهم البعض.

 

وبالنسبة للفرص المتاحة أمام الإعلانات، يقول ضو البيت بأن هناك مواثيق كثيرة، لكنها لم تأت من لجان المقاومة، ولذلك لا تمتلك أرضية صلبة للنقاش، لكن هذه المواثيق التي جاءت من لجان المقاومة، كونهم الفاعلين الأساسيين في ثورة ديسمبر، أصبح لديها أرضية صلبة للحوار حول الصيغة النهائية التي يتفق عليها الجميع، ويقول ضو البيت بأنه ليس بالضرورة أن تكون هي الاتفاق النهائي، وأن الاختلاف هو إثراء للنقاش، معتبراً الهجوم على الميثاق بغير العادل، لأنها ما تزال مسودة مطروحة للنقاش، وبالتالي لابداء وجهات نظر مختلفة لتعديلها ولإدخال نقاط جديدة وكذلك حذف نقاط، لكنها كما يقول ضو البيت، خطوة متقدمة في الاتجاه الصحيح.

 

*خطوة استمرت طويلاً

 

ومن ناحية أخرى، يرى القيادي في الحزب الشيوعي، كمال كرار بأن الإعلانات السياسية للجان المقاومة خطوة للأمام، ويضيف في تصريح لـ”الجريدة” بأنها استمرت وقتاً طويلاً من النضال في الشارع عبر المظاهرات والمواكب، واعتبرها تتويجاً لهذا النوع من النضال، ويرى كرار بأن الإعلان السياسي ليس محصوراً في الخرطوم بل شاركت جميع لجان المقاومة على نطاق السودان في النقاش وتؤسس لإعلانات سياسية، ويوضح بأن هذا يجاوب عن سؤال القيادة والرؤية لدى لجان المقاومة، لمن يقول بأن لجان المقاومة ليس لديها تنظيم متماسك ولا برنامج أو تكتيك أو هدف واحد، ويمضي كمال كرار في القول: “هذه الخطوة مطلوبة وضرورية وتوضح للعالم أن طريق الشراكة والتسوية أصبح مرفوض وأن الطريق الآن هو طريق الثورة السودانية والشارع، الذي يريد الدولة المدنية الخالصة وأن يكون العسكريين خارج المشهد السياسي للفترة الانتقالية وكذلك يريد إسقاط الانقلاب العسكري”.

 

وحول الاتهامات الموجهة للحزب الشيوعي بأنه يقف وراء الإعلانات السياسية للجان المقاومة ينفي كرار بشدة هذه الاتهامات، ويؤكد بأن هذه الاتهامات مردودة، وأن والشارع السوداني ولجان المقاومة أذكى من أن يستقطبها أو يختطفها حزب، بما فيهم الحزب الشيوعي، لكنه يقول بأن رؤية الشارع لما يجري والبرامج التي يجب أن تكون هي نفسها رؤية الحزب الشيوعي، وأنهم يلتقون مع الشارع في كثير من البرامج والأهداف، وأن الحزب منذ ما قبل الانقلاب طرح ميثاق استرداد الثورة في يونيو 2021 عندما خرج من قوى الحرية والتغيير وقوى الإجماع الوطني، وبالتالي أهدافه والشارع واحدة، ويرى كرار بأن طريق النضال يجمع لجان المقاومة وتجمع المهنيين المنتخب، والحزب الشيوعي وآخرين.

ويجدد كرار تأكيده بأنهم في الحزب الشيوعي دعوا لأوسع جبهة، ولاصطفاف جديد لاسترداد الثورة، وأن هذا الاصطفاف يتشكل عملياً في الشارع منذ ما بعد 25 أكتوبر، وزاد كرار: “أعتقد أن هذه القوى الفاعلة والرائدة في الشارع والتي صنعت ثورة ديسمبر قادرة على استرداد الثورة من براثن الانقلابيين“.

 

*أوسع جبهة لإسقاط الانقلاب

 

وحول هذا الأمر، يقول القيادي في الحرية والتغيير جعفر حسن بأنهم من حيث المبدأ مع تشكيل أوسع جبهة لإسقاط ما اعتبره الانقلاب العسكري، ويصف هذه الخطوة في تصريح لـ”الجريدة” بأنها هدف استراتيجي، لكنه يوضح بأن النقاش لا يزال في طور التشاور والحوار، وزاد جعفر حسن: “نريد أن نصل لجبهة عريضة تتكون من كل قوى الثورة، التي بها الآن أكثر من صوت، نريد توحيد هذه الأصوات، وهذا الأمر يقلل من فاتورة التغيير”.

ويوضح حسن بأن الإعلان السياسي والتوقيع المشترك مع لجان المقاومة هو فكرتهم الأسياسية، وأنهم ما يزالون في طور التشاور، وأكد بأنهم ذاهبون في اتجاه توحيد هذه الجبهة، واصفاً خطوات لجان المقاومة بالجيدة، وأن أطروحاتها جميعاً بها نقاط تلاقي كثيرة، مشيراً إلى أن هذا يسهل الوصول إلى الرؤية الأسياسية، وهي توحيد أوسع جبهة لاسقاط الانقلاب.

الجريدة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..