مقالات وآراء

خطورة الجمع بين الطرق الصوفية والإدارات الأهلية !

صديق النعمة الطيب 
 

قبل البدء لا بد من الإشارة سريعاً إلى أن التصوف شيء ، والطرق الصوفية ومشايخ التصوف شيءٌ آخر ، فالأول علمٌ وعملٌ بالعلم وارتقاءٌ في مقامات القُرب من الله تعالى ، عن طريق تخلية النفس من شوائب “الأنا” وتعلقاتها الدنيوية ، ثم تحليتها بصفات الله تعالى “تخلقوا بصفات الله”، والثاني محضُ زعامات دينية واجتماعية ، وهي في غالبها نتاج وراثة بلا كسب ولا نَصَب ، وبالتالي فصالحها صالح وطالحها طالح “بدون أحكام مسبقة” .

ظلت الصوفية على مدار تاريخ البلاد تلعب دوراً محورياً فاعلاً ، في تكوين مزاج الانسان السوداني ذو السَمْت المتسامح ، وفي الحفاظ على قومية السودان من أقصى شرقه إلى أقصى غربه ومن أقصى شماله إلى أقصى جنوبه ، لعبت الصوفية هذا الدور باحترافية واقتدار عاليين جداً ، وقد حافظت في كل ذلك على “المسافة الآمنة” بينها وبين الحكومات ، فكانت تمارس فعلها الاجتماعي والسياسي بصفة “استشارية”، من خارج مسرح السياسة ، حتى لا تتلطخ “جُبَّة” التصوف بدهان السياسة ، المتمردة بطبيعة تكوينها ، على مبادئها .

كان السياسي يذهب منحياً ومنكسراً إلى المسيد يستجدي الدعاء والبركة ، بينما يعتبر سيِّد المسيد دخول قصر أو “قاعة الصداقة” من الخطايا الكبرى التي يجب تجنبها ما أمكن ، حتى جاءت الانقاذ بثوبها “الإسلاموي” حيث سعت لاستيعاب الطرق الصوفية الموجودة أصلاً في وجدان السوداني ، وضمت إليها التيارات السلفية بُغية الوصول إلى القواعد الشعبية التي تفتقر إليها بشدة ، فأغدقت بالأموال على بعضهم ، ووزعت المناصب والشهادات العلمية على آخرين ، وعندما ضيقت التيارات السلفية الخناق على مشايخ بعض الطرق الصوفية ، فاذا ببعض كبار المشايخ ممن ولغوا من عسل السياسة المسموم يخرجون بمبادرة لإنشاء حزب “سياسي صوفي” يدافع عن مكتسباتهم السياسية التي استولى عليها التيار السلفي.

نقول ذلك للتحذير من محاولة الجمع بين الإدارات الاهلية والطرق الصوفية في اطار واحد ، ذلك لأن طبيعة تكوينهما تقتضي التنافر ، فالإدارات الاهلية تنشد السلطة والتصوف ينفر من السلطة وفي اجتماعهما إضفاء قداسة زائفة على الإدارات الأهلية ، وتلويث لصفاء ونقاء التصوف الذي أصبح في حاجة ماسة لإعادة رونقه وبهائه من ناحية أخرى . وأخيراً الانسان الصوفي بصفته الشخصية يمكن أن يكون إسلاموي ، شيوعي ، بعثي ، اتحادي ، أمة أو علماني بلا انتماء ، ولكن التصوف بوصفه توجه عام وروح لا لون له ولا مذهب له ولا حزب له بل ليس له “طريقة محددة”، من أراد السياسة فليمارسها باسمه وصفته الشخصية بدون السطور أو استغلال اسم التصوف.

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..