(وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ)

كنتُ أودُّ أن أكتب اليوم مقالاً حول سياسة الرئيس الأمريكي ترمب الخرقاء في الشرق الأوسط بعنوان (أمريكا ترمب من حلف السيتو إلى حلف الناتو العربي) وذلك على أعقاب زيارة أهم شخصيتين له للمنطقة، هما وزير خارجيته ومستشاره للأمن القومي ومن قبل زوج ابنته الذي أنتج كارثة خليجية كبرى ستكون لها آثار مدمرة. و(لكن) رأيت أن أترك المقال لغد بٍذن الله… (وآه من لكن!!) أن أستبدل المقال بآخر بالعنوان أعلاه لأقول بأنَّ أعظم ما يمكن أن يقدمه مواطن يحب وطنه ويرجو للجميع الخير، هو أن يقدم النصيحة خاصة لولاة الأمور حتى يستقيم أمر البلاد والعباد، فنحن أحوج ما يكون للنصائح الغالية حتى نجنب بلادنا الفوضى.
النصيحة لله ورسوله وللمؤمنين هي أعظم هدية وليس الهتاف والتأييد وحرق البخور ودق الطبول وعزف المزامير، لأنه ببساطة أن أي إنسان خاصة الحكام معرضون للصواب وللخطأ، فإن أصابوا فذلك خير لهم ولوطنهم ولشعبهم وإن أخطأوا وتنكبوا الطريق فإنهم يضرون بوطنهم وشعبهم، ولذلك فإنَّ أفضل ما يمكن أن يقال لهم هو نصحهم حتى لا يعم الضرر. ولهذا فالواجب على هؤلاء الحكام أن يسمحوا بحرية الرأي والتعبير قبل أن تقع الفأس في الرأس، ثم يأتي يوم يصدق فيه قول الشاعر (نصحت قومي بمنعرج اللوى فلم يستجيبوا النصح إلا ضحى الغد).. وقديماً قال العادل ابن الخطاب (رحم الله من أهدى لي عيوبي).. لقد اعتبر عمر بن الخطاب النصيحة هدية وليست مؤامرة أو خيانة تستوجب العقاب، الأمر الذي جعل من رآه تحت الشجرة نائماً يقول له (حكمت فعدلت فنمت يا عمر)..
*** استمعت إلى ما قاله الفاتح عز الدين من تهديد ووعيد وردي عليه الآتي: إذا كنت سودانياً بحق عليك أن تفهم أن أهم ما يميز الإنسان السوداني احترامه وثأره لكرامته، حيث أنه يتمتع بالشجاعة والنجاعة وفي المقابل يحترم الذي يحترمه ويقابل بالإحسان إحساناً ولا يقبل المهانة والحقارة والتحدي لا يهمه من أهانه وتحداه كان غنياً أو قوياً، وتاريخ السودان القريب والبعيد شاهد على ذلك ولهذا فإنَّ أهم نصيحة أقدمها لك يا هداك الله أن تعتذر علانية عما قلته وبدر منك، فذلك أفضل وأكفل لتهدئة الخواطر وتجاوز الإحن. وأرجو ألا تكون من قال فيهم الله عز وجل (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ).. إنَّ بلادنا تحتاج من يضمد جراحها ويحكم العقل والحكمة لا إثارة الضغائن والأحقاد بالتحديات وتكريس مجتمع الكراهية، بل مجتمع الحب والتآخي والتسامح ذلك أن دين الله الحق جاء فيه قوله تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ). ولهذا جاءت رسالة رسولنا الخاتم قوله (جئت لأتمم مكارم الأخلاق).. هذه هي الشريعة التي عرفها أهل هذه البلاد ففتحوا لها قلوبهم وعقولهم فكان هذا التسامح، ولكن في البداية عندما حاول الغازي أن يأتي بالقوة تصدى له رماة الحدق.. هل تذكر ما حدث عندما استفز اسماعيل باشا المك نمر!! وعندما قال النميري قولته المشهورة (هل زوجتي زوجة نجار؟)..
أما ما قاله علي عثمان محمد طه فقد أثار صدمة في المجتمع وربما تكون له أبعاد وردود فعل ضارة، فقد كان الأوفق له أن يتبع القول المشهور (إذا كان الحديث من فضة فالصمت من ذهب).. ليته استمع للنصائح والرأي الآخر فقد قيل نصف رأيك عند أخيك.
التيار
أحق بك أولا أن تنصح أخيك الأمنجي التافه.