مقالات وآراء

 الأجاويد في إعلام بلاد الجنجويد ماذا يريد حكماء بيت الحكمة من حكماء ثورة ديسمبر المجيدة ؟

إبراهيم موسى

بعد استفحال المد الثوري والضغط الدولي على الانقلاب الذي أوشك انهياره، بدأ الانقلابيون ينادون نواديهم من كل حدب وصوب ، فتارة ينادون فلول النظام البائد للتظاهر أمام مباني البعثة الأممية والمطالبة برحيلها، وتارة أخرى ينادون من يسمونهم بحكماء السودان للالتفاف على الحلول الأممية الملزمة للأزمة الراهنة التي يصعب خرقها. لكن إرادة الله لنصر شعب السودان مكلوم قد سبقت ، وأصبح موقف الانقلابيين كموقف أبي جهل مع نبينا الأمين ، كما “ورد عند الطبري عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند المقام ، فمر به أبو جهل بن هشام، فقال : يا محمد ، ألم أنهك عن هذا ؟ وتوعده ، فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره ، فقال: يا محمد بأي شيء تهددني؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي ناديا ، فأنزل الله : “فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ” . توعد المولى جل جلاله أبا جهل بالسحق وبشر رسولنا الأمين بالنصر المبين وهزيمة أبي جهل وجيشه الجرار هزيمة ساحقة.

فليدع الانقلابيون حلفاءهم من كل صوب ورجال الشرطة من كل الولايات ، ويدعو الثوار زبانيتهم من كل صوب ، سيتبين الخبيث من الطيب  “وأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا” ، مقام الثوار أم مقام الانقلابيين بمساندة وقفات حلفائهم الاحتجاجية ضد البعثة الأممية ، أم وصفات حكمائهم السحرية التي تتداولها وسائل الإعلام المختلفة منذ يومين . وفي أغرب بادرة ، كما نشرت وكالة “سونا” للأنباء خبرا في السادس والعشرين من يناير الجاري تحت عنوان ، “وقفة احتجاجية لمجموعة من المواطنين تطالب بمغادرة البعثة الأممية ،” مفاده أن “مجموعة من المواطنين عبرت في وقفة احتجاجية أمام مقر البعثة الأممية عن رفضها لوجود بعثة “يونيتامس” في السودان وطالبت بمغادرتها . غير أن بعثة “اليونيتامس” ردت للمحتجين في موقعها على الإنترنت ، بأن “البعثة تدافع عن حرية التجمع والتعبير وعرضت عليهم أن تستقبل وفدا يمثلهم لكنهم رفضوا ذلك . وذكر المكتب الإعلامي للبعثة أن البعثة موجودة في السودان بناء على طلب وبتفويض واضح من مجلس الأمن بالقرار رقم ٢٥٢٤” .

والأغرب من ذلك ، لم تعترض الأجهزة الأمنية هذه الوقفة الاحتجاجية بأي نوع من العنف المميت الذي تمارسه مع الوقفات الاحتجاجية التي تخرج باستمرار مطالبة بالحكم المدني وإنهاء الانقلاب ، معززة بذلك مزاعم المراقبين التي تتهم السلطة بدعمها لهذه الوقفة. وفي اليوم التالي للوقفة ، ظهر على منصة وكالة “سونا” للأنباء البروفيسور محمد حسين أبو صالح ، والبروفيسور محمد علي شمو والأسقف جوناثان حماد كوكو يبشرون بانطلاق المبادرة الوطنية الشاملة لحكماء السودان لحل الأزمة الراهنة التي وصفوها بالظروف البالغة التعقيد التي تتطلب “لإعلاء درجات الإخلاص للوطن.” ودعا البروفيسور أبو صالح عضو المبادرة المجتمع السوداني إلى “تهيئة التفكير الجمعي وتعزيز المهارات وقبول المجتمع للتوافق للرؤية السودانية. وطالب أبو صالح بإقامة فترة تأسيسية انتقالية لا تتوقف مع الماضي وتنظر للمستقبل ، مع إشاعة الأمل والتفاؤل وبناء الثقة، مشيرا إلى أن قوة العنف والإقصاء لم يحقق للسودان أي تقدم . وقال إن التحول النوعي هو من نضال الشارع إلى منصات العمل والبناء والإنتاج ومن تروس الشارع إلى تروس المعرفة ، وذلك للحوجة للمستقبل والسلام ، والنهضة ، والكرامة ، والحرية” .

وفيما يختص بالظهور المفاجئ لهؤلاء الحكماء ، أشار البروفيسور أبو صالح إلى عدة اتصالات تلقاها “بيت الحكمة ، مما دعا لضرورة ظهور الحكماء السودانيين ، الذين أنشأوا قبل سبعة سنوات هذه المؤسسة العلمية الأكاديمية التي هدفها الأساسي الوصول بالسودان لرؤية وطنية استراتيجية شاملة تعبر عن تطلعاتهم . ولفت إلى أن بيت الحكمة درس ثمانين تجربة في العالم وأنشأ مسودة بها ٥٤٠٠ صفحة ، بدراسة ميدانية من الجنينة حتى بورتسودان ، مبينا أن دور الحكماء كان واضحا في تحقيق السلام وفض الأزمات في دول كثيرة كجنوب إفريقيا ورواندا. وأوضح أن السودان لا ينقصه علم ولا معرفة وحكمة ، بل ينقصه توفير منصة سودانية لاستصحاب جهود العلماء لتوجيهها للحلول ، وألا تأتيهم الحلول من الخارج لأنهم يثقون بأنفسهم” .

وطالب البروفيسور أبو صالح أيضا في ختام حديثه بتوحيد كل المبادرات المطروحة في مبادرة وطنية موحدة تخاطب الأزمة الحالية ، وتمتد إلى صياغ المستقبل بحوار سوداني كامل الدسم في أرض الوطن بإرادة سودانية . لا شك أن هذا طرح حكيم هب حكماؤه لتوطين حلول الأزمة الحالية وقطع الطريق أمام التدخلات الخارجية التي ربما تصمم حلولها لمصالحها قبل الالتفاف لمصالح السودان . ولكن يتطلب من حكماء هذا المبادرة في بادئ الأمر تعفيل حكمتهم السحرية هذه في إدانة السلطة الانقلابية التي قوضت النظام الدستوري وتسببت في هذه الأزمة. وهذا فضلا عن إدانة الانتهاكات التي ترتكب في حق المحتجين السلميين المتمثلة في القتل والتعذيب والاعتقالات . أليس من الحكمة المطالبة بإنهاء الانقلاب ورفع حالة الطوارئ وتسليم السلطة للمدنيين؟ أليس من الحكمة إيقاف اعتداءات السلطة الانقلابية على المرافق الصحية وكوادرها الطبية؟ أليس من الحكمة إنهاء احتلال الجنجويد لهذا البلد الأمين؟ أليس من الحكمة إدانة الشرطة التي اعتدت على القاضي مجدي ونهبت مقتنياته؟ اخجلوا أيها الحكماء قبل أن يخجل لكم أطفال السودان الرضع .

ردا على هذا الهراء ، يتساءل الأستاذ أسامة ضي النعيم محمد في مقال نشر في صحيفة الراكوبة أمس الثامن والعشرين من يناير الجاري تحت عنوان ، “بدعة حكماء السودان” ، عن غياب هذه العقول الحكيمة وصمتها تجاه الإبادة الجماعية التي راح ضحيتها أكثر من ثلاثمائة ألف شخص في دارفور ، ولم يسمع من هؤلاء الحكماء حتى أصوات الشجب والإدانة . وهذا فضلا عن صمت هؤلاء الحكماء تجاه البراميل المتفجرة التي قذفتها نظام البشير على أهالي جبال النوبة علنا، “وتباهى بها أحمد هارون في مقاله (أكنس – قش – ما تجيبو حي – ما عاوزين أعباء ادارية) ، ولم تحرك تلك العبارات القميئة حكمة الحكماء أو رشدهم للاجتماع وإيقاف ذلك العبث والدمار . حكماء السودان ، كما أشار الأستاذ محمد ، “منظمة تعني بالسير للتبشير بمقدم فعل ينتويه الأخوان ، هذه المرة هو طرد فولكر وبعثته ليخلو لهم الجو ويعيثوا فسادا بفتاوى تبيح قتل الشباب والرضع واغتصاب الحرائر في داخليات الطالبات ، تثبيت دعائم حكم البرهان ومنحه التفويض الذي طالما سعي اليه كثيرا ، ذات الحكماء الذين دعموا ترشيح البشير ألي سنوات لا حد وعد لها والمطالبة بتعديل الدستور لتحقيق الأماني”.

وفي ذات السياق ، ترى الأستاذة رباح الصادق المهدي أن “الدافع الأساسي وراء المبادرة هو نقض مشاورات المبعوث الأممي” . كما شككت الأستاذة في مصداقية هؤلاء الحكماء ووصفت مبادرتهم بالإعادة “لخدعة المصاحف على أسنة الرماح ، وتكرار تصديق أبي موسى الأشعري لمراوغة عمرو بن العاص”. لأن البروفيسور أبو صالح نفسه جزء لا يتجزأ من الانقلاب حسب تاريخه السياسي الذي يشير إلى تقلده عدة مناصب في النظام البائد الذي يدعم الانقلاب الحالي . وهذا فضلا عن إيمان الأستاذة رباح القاطع بعد جدوى الجلوس والاتفاق “مع عسكر اليوم إلا برقابة وضمانة دولية.” وترى الأستاذة رباح أيضا أن الحوار المراقب دوليا ليس الخيار الأفضل ، إلّا أن الشعب مرغم في ذلك بسبب عدم المصداقية التي اتسم بها المجلس الانقلابي

. ولكن الأدهى وأمر ، كما تزعم ، حتى لو جلست القوى السياسية مع المكون العسكري واتفق معه “بدون حضور دولي ، فالسيادة منتهكة حتى النخاع والأوامر تأتيهم من تل أبيب ، وعواصم أخرى ، والطائرات السرية كل يوم تطير من مطار الخرطوم أو تحط فيه تحمل آمرا أو مأمورا” .

في خلاصة ما ذكر أعلاه، إن مبادرة حكماء السودان ما هي إلّا مخطط استخباراتي لإنقاذ الانقلاب الذي أوشك على الانهيار بسبب الضغط الدولي والمد الثوري ، كما حدث من قبل عندما نجح ذات المخطط في إقناع السيد عبد الله حمدوك ، رئيس الوزراء السابق للتوقيع على اتفاقه السياسي مع قائد الجيش الذي ساهم في فك العزلة الدولية والإقليمية التي كادت أن تعصف بالانقلاب . حينذاك، أرسل الانقلابيون فضل الله برمة ناصر ، رئيس حزب الأمة وبعض القيادات الحزبية الأخرى لإقناع حمدوك للدخول في الاتفاق السياسي الذي حرقه سياسيا وأجبره على التنحي عن منصبه كرئيس وزراء . وكانت القرية التي أقنعوا بها حمدوك وقتذاك حقن دماء الشباب المحتجين الذين أدمنت السلطة الانقلابية حصد أرواحهم باستمرار . والآن عندما حس الانقلابيون بخطورة المبادرة الأممية على عرشهم ، أتوا بقرية جديدة تتمثل في مبادرة حكماء السودان التي تتنكر خلف عباءة رفض التدخلات الأجنبية .

فعلى القوى ألّا تنجرف مع تيار هذه المبادرة الماكرة ، إلّا ولسوف تندم ندامة الكسعي.

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..