
من لطف الله تعالي بعباده في السودان أن القوي الثورية التي قادت مشروع التغيير في ثورة ديسمبر المجيدة لم ينفض سامرها بسقوط نظام الثلاثين من يونيو1989م الإجرامي بل ظلت مرابطة في الشوارع التي لا تخون تسير في المواكب تلو الأخر وتنظم الوقفات الإحتجاجية وترفع المذكرات المطلبية وتضغط في أتجاه تحقيق كل أهداف الثورة المجيدة هذه الثورة العظيمة والتي شارك فيهاالجميع بمختلف تياراتهم الفكرية وإنتماءتهم الحزبية والمهنية لم تهزم بل تجذرت وتعمقت في شِعب المجتمع وإستطاعت أن تحدث وحدة شعورية لدي جماهير الشعب السوداني بمختلف مكوناته العرقية والدينية وترسخ إيمان عميق بضرورة التغيير وأهميته لإعادة بناء الوطن علي أسس حضارية عصرية وقيم إنسانية رفيعة لينهض ويتبوأ مكانه الطبيعي والطليعي في مجتمعه الإقليمي والدولي
لذا ظل المد الثوري متواصل في وتيرة تصاعدية رافضا أنصاف الحلول ومتمسكا بمطوبات التغيير الجذري ومتقبلا لكل التحديات في سبيل ذلك بازلا أسمي التضحيات النفيسة بالدم والروح والوقت والمال لم تنكسر له قناة او يلين له جانب أمام بطش الطغاة وإغراءآتهم وقد ظلت مواكبه تتوالي الي مجلس الوزراء رافضا لاي سياسة تنتهجها الحكومة المدنية التي جاءت بعد توقيع الوثيقة الدستورية لتدير الفترة الانتقالية بإسم الثورة تنحرف عن مسار الثورة أو لا تتوافق مع مطلوبات التغيير.
ظل هذا الجيل الشيابي الثوري صامد أمام كل التحديات والمغريات وصابر علي تعثر الخطي يبزل كل طاقته لإنجاح تجربة الإنتقال والسير بخطي ثابتة ورؤي ثاقبة لترسيخ دعائم الدولة المدنية الديمقراطية التعددية ذات المرجعية الدستورية فإيمانه بأهمية التغيير لحاضر السودان ومستقبله يسيطر علي مجمل تفكيره ويوجه تحركه في أتجاه الثورة والصمود ولسان حاله
(تريدين لقيان المعالي رخيصة ولا بدّ دون الشهد من إبر النحل )
تحالف قوي إعلان الحرية والتغيير هوالتحالف الأضخم في تاريخ السودان وقد ضم أحزاب وحركات كفاح مسلح كلها كان يعمل علي إسقاط نظام البشير لإقامة نظام مدني ديمقراطي يلبي أشواق وطموح السودانيين في الإستقرار والتعافي لكن بعد سقوط النظام وقع الإختلاف وتضاربت المصالح بين هذه القوي المتحالفة علي برنامج الحد الأدني ولعمري هذا أمر طبيعي لكن كان الأولى الصبر قليلا حتي تتم عملية تفكيك بنية النظام القديم وسيطرة حكومة الثورة علي مفاصل السلطة وإنفاذ مطلوبات الانتقال ..لكن كما قال ابو الطيب المتنبيء
و إنما يبلغ الإنسان طاقته ما كل ماشية بالرحل شملال
الإختلافات أنتجت واقع مأزوم وبرزت تحالفات مدنية عسكرية معادية للثورة أعاقت مسيرة الإصلاح المبزول واضاعت كل فرص الأندماج في المجتمع الدولي والإستفادة من ترحيب العالم بالتغيير في السودان لصالح مشاريع السلام والتنمية والنهضة المرجوة كما اغرت هذه الإختلافات اللجنة الأمنية للنظام البائد من الإستيلاء علي السلطة في 25إكتوبر2021م تحت مزاعم تصحيح مسار الثورة لان الأوضاع فعلا لا تبشر بخير بعد تحالفها مع حركات الكفاح المسلح والتي أدارت ظهرها للثورة ومطلوبات التغيير نكاية في ما أسمته بمجموعة الأختطاف تقصد المجلس المركزي للحرية والتغيير الذي شكل حكومة السيد: عبد الله حمدوك الأولي ثم شارك في تشكيل حكومته الثانية مع الجبهة الثورية والتي تضم حركات الكفاح الموقعة علي سلام السودان بمنبر جوبا ورغما عن حيازة الحركات المسلحة علي25%من السلطة وأكثر من40% من الثروة وإستحداثها لمجلس الشركاء ليكون بديلا لتحالف قوي الحرية والتغييرالا أن الطمع أغراها أن تتحالف مع العسكر وبعض المجموعات المدنية الغاضبة من المجلس المركزي للحرية والتغيير وهذا التصرف الغير مسؤول جعلها في مواجهة ساخنة مع جماهيرها وكل القطاعات الثورية الحية من جماهير شعبنا ووضع سلام السودان بمنبر جوبا تحت المجهر والمراجعة فإتسعت دائرة رفضه خصوصا وأن هنالك رفض مسبق للمسارات التي ولجت من خلالها قوي معادية للثورة ولا تمثل أقاليمها ولم يكن لها نصيب في الحراك الثوري الذي أطاح بنظام البشير الإجرامي.
ولئن كانت الحركات المسلحة قد وقعت في فخ العسكر وجرها لتحالفه الراغب في الإستيلاء علي السلطة خوفا من المساءلة التي تنتظره وإرضاء لبعض القوي الظلامية داخليا وخارجيا فإن الحرية والتغيير نفسها وقعت في فخاخه بإنقطاعها عن الشارع وإقصاء مكونات حيوية فيه ومحاولة شيطنتها والتشكيك في قدراتها ونواياها كما أنها لم تتواصل مع القوي الحزبية والثورية التي غادرت التحالف لتحفظاتها المشروعة عن طريقة إدارته واللوائح التي تنظم عمله وطريقة إتخاذ القرارت المصيرية فيه وخضعت لإعلان جوبا الذي تأخرت بموجبه عملية إكمال هياكل سلطة الإنتقال مما أفقدها سلطة محاسبة الحكومة ومراجعة القوانين والتشريعات التي تمكنها من إنفاذ مطلوبات التغيير وإنجاز مشروع التحول الديمقراطي غير أن رئيس الوزراء الذي إختارته وفقدت إمكانية محاسبته أو إعفائه من منصبه هو نفسه كان له مشروع مغاير لمشروعها قام بتنفيذه علي الوجه الأكمل بل حاول عبر بعض الملتفين حوله والداعمين لخطه خلق حاضنة جديدة والتخلص من الحرية والتغيير نفسها غير أن الايام لم تسعفه
نستطيع القول أن الحرية والتغيير كتحالف أسقط نظام الثلاثين من يونيو1989م لم يحكم بعد موحدا وإن كان يحمل جزءا من وزر الفشل في إدارة الدولة في فترة ماقبل إنقلاب البرهان بسب ما أصابه من تصدع وما أحيكت ضده من مؤآمرات رغم محاولته المستميتة التشبس بالسلطة لإدراك ما يمكن إدراكه لإنجاح تجربة الانتقال
اليوم الشارع الثوري مصطف رافضا للإنقلاب ورافضا العودة للوثيقة الدستورية المزلة المخترقة التي قطعت الطريق أمام المد الثوري ورافضا مشاركة العسكر في إدارة العمل التنفيذي والحرية والتغيير بكل مكوناتها القديمة جزءأ منه عدا مجموعة ما أسمت نفسها بمجموعة الميثاق والتي رفضها الشارع فور تكوينها وهاجمها بضراوة غير أن الخطورة تأتي من أن هذا الاصطفاف الثوري الجديد والذي يمثل القوي الثورية ذات الرؤي الجذرية في التغيير ليس له مركز قيادة موحدة يأتمر الثوار بأمرها رغم إنخراط كوادر القوي الحزبية الرافضة للإنقلاب وما ترتب عليه فيه بصورة أساسية وتأثيرها علي قوته وعنفوانه واضح وهذا الأمر هو الذي جعل سلطة الانقلاب مستمرة رغم عجزها في توفير معاش الناس وإنفلات عقد الأمن وتدهور سعر الصرف بصورة مخيفة وتوقف الحياة الاقتصادية تماما بتوقف الدعم الخارجي الذي إعتمدت عليه حكومة رئيس الوزراء المستقيل د.عبد الله حمدوك
ولئن كنا كقوي ثورة قد إخترنا طريق إسقاط إنقلاب25إكتوبر2021م فإن هذا الأمر يتم عن واحد من طريقين هما:
الطريق الثوري وهو إنتهاج إسلوب المواجهة السلمية والصمود أمام جبروت قوي الإنقلاب وعنفها وتحريك الشارع بصورة تصاعدية تجبر القوي الخاملة (والتي ستتضرر مصالحها من عملية الصعيد الثوري بتوقف كافة الأنشطة التجارية والمجتمعية أو ضمورها بشكل مؤثر علي الاستقرار) علي الانخراط والمشاركة في التظاهرات والإحتجاجات وإحداث شلل تام في الدولة يؤدي الي سقوط النظام أو فرار قادته كما حدث في الحالة التونسية وهذا بالطبع كلفته باهظة مزيد من الدماء والتضحيات والإصابات وفقدان الأمن الخ
الطريق الثانية هو التسوية السياسة وهذا يتطلب توافق قوي الثورة اولا علي رؤية مشتركة ووضع خارطة طريق متفق عليها تُفرض علي العسكر تحت الضغط الجماهيري وتحدد دورهم في مرحلة الإنتقال بصورة حاسمة مع وضع الضمانات اللازمة للحيلولة دون تجاوزها بأي شكل من الأشكال
لكن كلا الطريقين هنالك معضلة لا بد من تجاوزها ووضعها في الإعتبار وهي لا يمكننا هزيمة الإنقلاب الا بوجود مركز قيادة موحد أو اي شكل من أشكال التنسيق الملتزم به حرفيا الذي يصعب علي الحرية والتغيير بكافة مكوناتها تمثيل الشارع دونه وإلا سيطول أمد الصراع وهذا ايضا له مخاطره علي مستقبل البلاد حيث حالة اللادولة واللا سلطة التي نعيشها ترشح البلاد الي التغيير بصورة عنيفة كحدوث إنقلابات عسكرية دموية او صراعات جهوية أو تدخلات خارجية كما يمكن حدوث كل ذلك في آن واحد عليه فإن المسؤولية الوطنية تتطلب سرعة توافق قوي الثورة علي الرؤية والقيادة الموحدة والا سنبكي وطنا إسمه السودان أضعناه من بين أيدينا بقصر نظر وسوء إدارة وضعف إرادة.
أ[email protected]