على كل حال.. غضبك جميل زي بسمتك!!

كتبت أمس هنا وقلت لكم إنه لحل الأزمة السياسية السودانية المزمنة.. الأجدر استخدام منهج التفكير الهندسي في الحل.. الذي يفترض أن أول خطوة لحل أية مشكلة مهما كانت عويصة هو تبسيطها.. والتبسيط لا يقصد منه التهوين.. بل تفكيك عناصرها ثم التعامل معها بمُكوِّناتها…
وقلت لكم إن السؤال الرئيسي منذ الاستقلال كان (الشعب يريد.. ماذا؟).. وإنّ العهود السياسية المتوالية والمُتصارعة فهمت السؤال على غير ما يقصد الشعب.. فظلّت هذه العُهُود على مدى عُقُودٍ طويلةٍ تُقدِّم إجابات من مثل.. إسلامية.. اشتراكية.. شُيوعية.. قومية عربية.. وهي تحسب أنّ ذلك هو الإجابة التي ينتظرها الشعب.. فانقضت سنوات طويلة أكثر مِمّا عاشها المُستعمر في بلادنا ولا نزال نبحث عن إجابةٍ على السُّؤال.. (الشعب يُريد.. ماذا؟)..
وكتبت لكم أمس هنا أنّ الإجابة سهلة بسيطة هي..
الشعب يريد أربعة “كرائم”:
مسكن كريم.. وأسرة كريمة.. ورزق كريم.. ووسيلة نقل كريمة..
وهذه الأربعة كرائم ليست مُجرّد برنامج عمل لحزب سياسي ليفوز بها في الانتخابات.. فهي ليست مَطالبَ ولا أُمنيات.. بل حُقُوق.. ليست محسوبة في حسنات أيِّ حزبٍ سياسي أن أكملها لأنّ الحساب بالإنجاز يبدأ من بعدها.. وليس قبلها.. فتحقيقها هو خط الصفر.. ثُمّ يبدأ بعدها الحساب..
وطالما هي ليست مطلباً سياسياً في ميزان حسنات أي حزب، فهي إذاً البرنامج الأساسي لـ(الدولة السودانية الحديثة) لا.. للتنافس الحزبي.. تسألونني كيف؟
واحدة من أنكب أقدار هذا الوطن أنّ مُواطنيه لا يعرفون حُقُوقهم.. تصوّروا أهلنا الكرام يبنون من حُر مال فقرهم المُدقع مدرسة.. فيأتي المُعتمد ويتبرّع لها بكراسات أو كراسٍ أو حتى طباشير.. و(في يوم الزيارة) لتسليم تبرُّع المعتمد تزدحم الكاميرات وتتعالى أصوات الأغاني الحماسية.. وتدق الطبول لأنّ المعتمد من حُر مالنا أهدانا طباشيراً.. أو كراسٍ.. هم يرقصون على أطلال حُقُوقنا التي يمتنون علينا بها من حُر مالنا الذي ندفع منه حتى ثمن وقود سياراتهم الفارهة..
فصل الحُقُوق عن الإنجاز والإعجاز أمرٌ حتميٌّ لنكون شَعباً كَريماً..
الكرائم الأربعة هي الحُقُوق والمطلوبات الأساسية التي تنجزها الحكومة لا طوعاً بل حتماً..
نعود الآن لتفصيل التبسيط.. المُستوى الأول في التفصيل هو:
الحق الأول؛ السكن، يعني بيت بكهرباء وماء وصرف صحي وسطحي وبيئة خالية من الأمراض..
الحق الثاني؛ أسرة كريمة.. تعني الزواج والتعليم والصحة والمعاش بعد التقاعد أو العجز..
والحق الثالث؛ عملٌ كريمٌ.. لا يقصد به الكفاف.. بل ما يكفي لكل المصروفات الشخصية والأسرية اليومية وغيرها.. مع فائض يسمح بالسفر لقضاء العُطلات داخل وخارج السُّودان.. على الأقل مَرّة في العام..
والحق الرابع؛ وسيلة نقل كريمة.. سيّارة لمن يُريد أو مُواصلات نقل عام يسيرة ورخيصة تَسمح للمُواطن بالحركة السَّهلة إلى عمله أو حيث ما يريد داخل وخارج المدن بأسهل ما تيسّر..
وهكذا نستمر في مُستويات التفصيل إلى أعمق.. فنعود، مثلاً، للحق الأول؛ السكن الكريم.. ليتحوّل إلى برنامج بناء المُدن الحديثة، اما جدية أو تأهيل وتوسيع القديمة.. وتيسير الحصول على (البيت) وليس مُجرّد قطعة الأرض.. حتى تصبح قيمة قطعة الأرض بقيمة المباني التي عليها فقط.. من فرط توفر المساكن.. وتنتهي أُسطورة (قطعة الأرض) التي ظَلّ السُّودانيون يكابدونها منذ الاستقلال.. ينفق السُّوداني نصف عُمره للحصول على قطعة أرض.. وينفق النصف الثاني ليشيِّد بيته عليها..
إذا أصبح هذا برنامج الدولة.. وفي مقام (الحقوق)، سيأتي يومٌ يجلس فيه مُواطنٌ في حافلة النقل العام وهو يحل الكلمات المُتقاطعة في صحيفة فيسأل جاره بكُلِّ عفويةٍ (ما هو اسم رئيس وزراء السودان؟)..
فيجيبه (ما عارفو.. أعمل بيهو شنو؟!).
التيار
Mr. Murghani,
I think what you wrote today should be added to all the education levels in the Sudan and bearing in mind quality and quantity in each level of education. Why not if we were serious to lift up our country.