مقالات وآراء

بشير عباس “الحنبور” الذي ملأ حياتنا طرب وسرور (1)

أمير شاهين

وهكذا غادرنا الأستاذ الموسيقار الملك ابن حلفاية الملوك بشير عباس بشير نصر في يوم الخميس الماضي في دبى بالأمارات العربية وهو بعيد عن ارض الوطن الذى طالما تغنى له و اطربه و اسعد الملايين من أبناء شعبه , و بشير عباس او الحنبور وهو اللقب او اسم الدلع الذى اطلقته عليه خالته وبعدها اصبح الاسم المتداول لدى اصدقائه و المقربين منه.

كان بلا شك واحدا من رموز نهضة فن الغناء و الموسيقى السودانية وكان عليه الرحمة بجانب زميله و صديقه الراحل برعى محمد دفع الله وناجى القدسي من رواد تأليف المقطوعات الموسيقية المجردة ( بدون غناء) وهى ما تعرف عالميا بال instrumental وهى من ضروب الموسيقى الصعبة التي لا يجيدها الا القلة من الموهوبين الذين يتمتعون بخيال و ثراء كبير في الافكار الموسيقية وهى لا تجد رواج كبير لدى المستمع السوداني الذى لم يألف بعد سماع موسيقى مجردة من الغناء.

وكما هو الحال في موهبته الكبيرة في التلحين التي وضعته في مصاف كبار الملحنين في السودان مع الأساتذة علاء الدين حمزة و احمد زاهر و برعى محمد دفع الله و السنى الضوى و حسن بابكر و ناجى القدسي وخلافهم وقد قام بالتلحين لمعظم المطربين الموجودين في الساحة الفنية وقتها وكانت الحانه ذات طابع خاص أسهمت في دفع مسيرة فن الغناء السوداني وقد اشتهر بتلحينه للبلابل وكان له اكبر الفضل في نجاح مسيرتهن الفنية في السبعينات من القرن الماضي و ارتبط معهن بثنائية تذكرنا بثنائية برعي محمد دفع الله مع عبدالعزيز محمد داوود و حسن بابكر و محمد ميرغني و عمر الشاعر و زيدان إبراهيم وودالحاوى و إبراهيم عوض , كما كان مشهورا أيضا ببراعته وتفرده في عزف الة العود حتى اطلق عليه البعض “فريد الأطرش السودان “.

ولان لا شيء يأتي من العدم فان البيئة التي خرج منها بشير عباس كانت بدون شك خير معين ومحفز له ليشق طريقه بثقة وثبات في عالم الغناء و الموسيقى ويكتب اسمه في سجل الخالدين في هذا المجال ! فالوقائع تقول انه ابن حلفاية الملوك تلك المدينة العريقة و التي يرجع تاريخها الى العام 1500م وكانت عاصمة للعبدلاب و السودان في العام 1747م قبل ان تتحول العاصمة الى سنار، والحلفاية هي المدينة التي تتنفس شعرا وادبا فقد انجبت عباقرة الادب و الشعر في السودان ويكفى ان نذكر الشاعر العبقري ادريس جماع الذى انشد من الشعر ما عجز بقية الشعراء من بعده من الاتيان بمثله حتى دمغوه بالجنون ”

أعلى الجمال تغار منّا
ماذا عليك إذا نظرنا
هي نظرة تنسي الوقار
وتسعد الروح المعنّى
دنياي أنت وفرحتي
ومنى الفؤاد إذا تمنّى
أنت السماء بدت لنا
واستعصمت بالبعد عنّا ”

وكذلك الشاعر النجيب محمد محمد على صاحب ” الحان و اشجان” , و بشير عباس ينتمى الى واحدة من اعرق الاسر في الحلفاية وهى اسرة بشير نصر التي تعود بجذورها الى الملك شاويش احد ملوك الشايقية القدماء ومن أبنائها اللواء حسن بشير نصر وهو عم بشير عباس وكان وزير الدفاع في حكومة الرئىيس الأسبق عبود وعرف عنه شجاعته و انضباطه العسكري وكان أيضا من محبى الغناء و الموسيقى و من العائلة أيضا الأستاذة أسماء حمزة بشير ابنة عمه وأول ملحنة وعازفة عود سودانية و من أوائل النساء اللائي اقتحمن مجال العزف والتلحين في المنطقة حيث كانت لديها العديد من الالحان التي تغنى بها العديد من المطربين , ولان المثل يقول بان الغنا سمح في خشم سيدو فدعونا الان نستمع للموسيقار الراحل وهو يحكى قصة حياته من خلال احد اللقاءات الصحفية معه يقول الموسيقار الراحل

بانه قد ولد في مدينة كادوقلي حيث كان والده يعمل بها صراف في العام 1941م وان الحلفاية هي بلدى وبلد أهلي وأجدادي فنحن ننتمي لجد واحد وحبوبة واحدة وجذورنا شايقية و عبدلاب وجدنا الكبير هو المك شاويش. وتقريباً معظم الأسرة تعشق الموسيقى فمثلا في المناسبات لم نكن نجلب فنانين من برة الحفاية لان الفنانين كانوا ” مننا وفينا” ولمن تنتهي الحفلة كانوا يقدموا كل بنت لخشم بابها بالآلات الموسيقية، وكان عندي ابن عمى أسمو مأمون عثمان بشير كان عازف كمنجة مقتدر، وكان أول واحد في الأسرة ينضم لأوركسترا الاذاعة ويصبح عازفا فيها، كان أكبر أحفاد جدنا المك وكان محبوبا جدا في الوسط الفني وأخو أخوان، كان بسكن في عبدالله خليل بأم درمان جنب محطة مكي في ام درمان , قضيت معظم طفولتي في الرصيرص والوالد عليه الرحمة كان يهتم بالغناء و الموسيقى ولما رائ اهتماماتي بالموسيقى قام بإهداء صفارة من الابنوس لى بعد نجاحي في المدرسة وبعدها تعلمت عزف العود على من ابنة عمى أسماء حمزة وإلى الأن لازال احتفظ بذلك العود والذي كان هدية من الجنرال عبد الرحيم محمد خير والذي يرتبط بصداقة مع أعمامي حسن وحمزة بشير ,

ويبدو ان هنالك تشابه بين قصة حياة الموسيقار إسماعيل عبدالمعين و بشير عباس في كثير من الأمور لعل ابرزها هو تفوقهم الواضح في العزف على الة العود , فادا كان إسماعيل عبدالمعين هو اول من عزف على العود في الإذاعة في العام 1940م فان بشير عباس قد عمل في الإذاعة السودانية كعازف لآلة العود في يونيو / حزيران 1959م ثم عُيّن في وظيفة سكرتير أوركسترا الإذاعة القوميَّة، واستمر فيها حتى 1963 م حتى استقال منها ليعمل كعازف لحسابه الخاص، وعمل بعد ذلك في الهيئة القضائية في الخرطوم في وظيفة محاسب ولكنه ما لبث أن عاد إلى الإذاعة السودانية مسؤولاً عن قسم الموسيقى. وفي عام 1966 م تمَّ تعيينه نائباً لضابط الموسيقى بالإذاعة وفي العام 1967 م تولَّى مهمَّة إدارة قسم الموسيقى بها. في عام 1990 سافر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة وأقام فيها حتى عام 1995 ليغادرها إلى فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وخلال تلك الفترة سُجِلت له عدة حلقات لبرامج موسيقية في كل من إذاعة مونت كارلو وهيئة الإذاعة البريطانية في لندن.

ونواصل

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..