مقالات، وأعمدة، وآراء

لطفا.. ماذا نفعل بإنسان غوبْلَز؟

محمد المبروك

نداء النجوم

 

* جوزيف غوبلز كان وزير الدعاية السياسية في حكومة هتلر النازيَّة، واشتهر باستخدام الدعاية المكثفة ضد دول التحالف أثناء مجريات الحرب العالمية الثانية(سبتمبر 1939-سبتمبر 1945م) بين قوات الحلفاء وقوات دول المحور. تعتبر الحرب الأوسع في تاريخ البشرية إذ شارك فيها بصورة مباشرة أكثر من 100 مليون شخص من مختلف الجنسيات. قادت ألمانيا دول المحور والذي هُزمَ في نهاية الحرب شر هزيمة. ولم تنفع دعاية غوبلز حين جاءت لحظة الحقيقة. ولذا يمكن تلخيص المسألة بأنّ أي دولة ينتشر فيها مبدأ (غوبلز) يتعين عليها أن تحجز مكانها في مؤخرة العالم بلا جدال. عُرفت نظرية غوبلز بنظرية التأطير، أي السيطرة على العقول بالتركيز على جانب واحد من الحدث وإبرازه مع إهمال الحقيقة كلياً. وقد نٌسبَ إلى جوزيف غوبلز مقولة شهيرة وهي “أعطني إعلاماً بلا ضمير، أٌعطِك شعباً بلا وعي.”

* الغوبليز (أتباع مبدأ غوبلَز) ينشرون إحساساً زائفاً بالنصر والتقدم في أوساط الجماهير ووسط قيادات اللحظة السياسية. يكون الواقع في ضفة وهم في الضفة الأخرى دائماً يجدفون على مراكب الحمقى.  أشتهر من الغوبليز العرب أحمد سعيد في إذاعة “صوت العرب”. في حرب 6 حزيران 1967م حين كانت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي تصلي القاهرة بالنيران كان احمد سعيد يبشر العرب، منتشياً، بأن الجيوش العربية تحاصر تل إبيب في تلك اللحظات. لذلك حمله التاريخ أوزار نكسة 1967م. ومن الغوبليّز العرب وزير إعلام صدام حسين، محمد سعيد الصحاف، الذي كان يبشر العرب بنهاية الغزاة وطمرهم في بوابات بغداد في ذات اللحظات التي كان الجيش الأمريكي الغازي يحكم سيطرته الكاملة على المدينة دون أن يجد مقاومة تذكر. أشتهر الصحاف بالنفي .. نفي ما كان يشاهده الناس أمامهم في الشاشات من تقدم القوات الأمريكية .. ينفي ببجاحة عجيبة بعبارته الشهيرة” .. وليس كما يدعي العلوج” يعني العلوج الأمريكان ومن تبعهم بإحسان من بريطانيين وايطاليين وغيرهم من بني الأصفر. كان الغوبليزي شخص واحد في الزمان الماضي، الآن لدينا “فيالق الحمقى” كما وصفهم الروائي الإيطالي إمبرتو ايكو، هؤلاء المنتشرين في منصات “الفايسبوك” و”تويتر” و”الواطساب” وغيرها. هزيمة الثلاثة (غوبلز، أحمد سعيد، الصحاف) وهزيمة مشاريعهم السياسية تكفي عبرة لأولي الألباب.

* إنسان غوبلز ينظر لكل شيء من زاوية الدعاية. الرفض الكامل أو القبول الكامل وهذا مريح للعقل الكسول ولذلك يصدق الخزعبلات بسهولة ويصعب إقناعه بأنها خزعبلات. الدعاية تضيق واسعا فهي تضع الأمور في اتجاهين لا يلتقيان:مع أو ضد. أبيض أو أسود. وهذا اتجاه مضر أيما ضرر بالعملية السياسية على وجه التحديد. لذا لا يفهم (إنسان غوبلَز) النقد ولا يقدره. النقد مدارس واتجاهات. مسار النقد سلكته أوروبا والعالم الأول فتقدموا ووصلوا الذرى على عكس العالم الثالث الذي وصل القاع لأن غلالة كثيفة من الأكاذيب تحجب عن المسئولين النقد فيصبحوا ديكتاتوريين تحت التدريب في البداية ثم الفشل الحتمي في نهاية المطاف.

* يضيع الاختلاف وثراء الآراء وتطور الفكر، خاصة الفكر السياسي، تحت أرجل الغُوبليز. كما إن إرضاء وإسكات مثل هذه الكائنات غير ممكن إلا بضخ المزيد من الكتابات الهتافيّة فاقدة القيمة. يقرأ (الغوبليزي) كل محتوى إعلامي يٌعرَض عليه من زاوية الدعاية، يستجيب لكل نقاش يسمعه على مقياس الدعاية والدعاية فقط، ومن هنا ومن هناك يموت المشروع السياسي الذي يناصره مثل هؤلاء لأنه يتكلس ولأنه لا يتطور في غياب النقد .. النقد للمشروع السياسي بمثابة أشعة الشمس للنبات. يحتاج كل مشروع سياسي مهما كان مكتملا إلى تشميس دائم والسادة الغوبليز يحجبون الشمس. شمس النقد الوهاجة .. لا يتعلم قادة المشروع السياسي من الأخطاء لأنهم مطمئنين لقطعان الغوبليز التي تحميهم من النقد والتوجيه و .. التطور. لا بدَ أن الغوبليز هم من كانت تسميهم العرب “الرعاع والدهماء”، فهل كان أول غوبليزي في التاريخ عربياً؟

النقد هو سر تقدم العالم. سر تقدم الأمم. في غيابه تسود التبعية الهوجاء وتسير الأمة عمياء تتخبط ..

We go completely blind.

كما يقول الغربيون

* إذن، ماذا نفعل مع أحفاد غوبلز الدعائيون؟

–    لا شيء. لا جدوى من النقد والنصح في وجود هؤلاء الغوبليز. ولا جدوى من الجدال معهم بالطبع.

  • أرشيف
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..