المنوعات

الھـمباتة.. قصة فروسیة ومبادئ على طریق السلب والنھب

اتنتشرت الھمبتة في أرجاء واسعة من السودان في القرن السابع عشر المیلادي، وكانت تعرف بأسماء مختلفة بحسب لكنات ولھجات قبائل السودان المختلفة ومن ضمن اسمائھا (السراجة والنھاضة والضلاّمة) وللھمباتة قیم ومبادئ معینة لممارسة تلك المھنة، فالھمبتة لیست لھا قبیلة معینة، أو إقلیم معین في السودان، ویكره الھمباتي أن یوصف باللص، لأنه یعتبر أن اللص سارق، من غیر قیم ومبادئ وأخلاق؛
لذلك قال أحدھم:

نحن الھمباتة ومن ما قمنا معروفین
لاعندنا صرفیة لا مادة لا تعیین
حقك ما بنسرقوا وبنشیلو حُمرة عین

لذلك یعتقد الھمباتي أن الشاب القوي الذي یخاف أن تلومھ قبیلتھ بسبب تقصیره تجاه عرضھ وأھلھ، ینبغي أن یشد ساعده ویركب ناقتھ، ویكابد الصعاب من أجل عیش رغید لھ ولأھلھ؛ لذلك قالوا:

الولد البخاف من القبیلة تلومو
یخلف ساقوا فوق تیساً رقیق قدومو
إما یجیب رضوة البھم البینقر قومو
وإما تخامشن قدح الرماد حرُّومو

ھم یعتبرون الھمبتة نوعاً من أنواع الفروسیة والجدعنة، ویأبى الھمباتي أن یوصف بأنھ سارق شيء قلیل القیمة أو زھید الثمن؛ لأن ذلك یقدح في ضعفھ، وعدم قدرتھ على ولوج المخاطر الكبیرة التي تكون غنائمھا أكبر؛ لذلك قال:

ما بتدلى لي عنز الفطیم والشاي

بعرف سوق بكارا دلتن داداي

فھو یستنكر أن یسرق ماعزاً تحلب لشاي الصغار المفطومین، لأنھ یعرف من أین تؤكل كتف النوق السمان، ویعرف كیف یسوقھا .

اھداف الھمبتة
یُنصب الھمباتة أنفسھم مسؤولین عن استرجاع حقوق الفقراء والیتامى والمساكین، وذلك من خلال إعطائھم والإغداق علیھم من خلال الغارات التي یقومون بھا ویقولون إنھم ینھبون أموال الأغنیاء والمستكبرین على عامة الناس والظالمین منھم؛ لذلك قال عبد المنان ود عبد الماجد مھدداً الأغنیاء الذین یتنعمون ویمتنعون عن الزكاة، بأنھ لھم بالمرصاد، وابتدر رباعیتھ بأھل أم قجة، وأم قجة یقصد بھا الإبل، فانظر
لمسداره:

أھل أم قُجَّة قاعدین في البیوت یتحكّوا
وإن شافونا من رقبتنا ما بتفكّوا
یات من كان فراسْتُو قدیمة مقطوع شكّو نحن مَسَلَّطین مِنَّ الله للما بزكّوا
أخلاق الھمباتة

من أدبیات وأخلاق الھمباتة أنھم یتفقون على ألا یسرقوا فقیراً أو ینھبوا أموال یتامى، وإن كثرت، ولا یسطون على أموال النساء والعجزة، مھما كانت قیمتھا وكانوا یتسارعون لنجدة الملھوف، لذلك قالوا:

كم فزعاً خمینا بیضة سنو
والقال یاب مروة انحنا تب لاحقنو
والعادي الضعیف نحن بنكمل جنّو
یاریت السیوف كان تحكي بالفاعلنو

ومن طرائفھم أنھم عندما یریدون أن یقوموا بعملیة فإنھم یتعاھدون على الوفاء بوضع أیدیھم فوق بعض ثم یقومون بقراءة الفاتحة، وھم لا یقیمون علاقات خاصة مع نساء القبیلة أو فتیات الأسر الكریمة، ولكنھم یمارسون مجونھم مع فدادیات الأنادي وبائعات الھوى، بعیداً عن أعین المجتمع المحافظ،وفي ذلك یصف طھ الضریر إحدى الحسان التي أحبھا، وھو یقول:

عُودِكْ حَكَّمُو البَاري الجَمِیلة صِنعْتُو
خَتّھَ ورَسَمَا بيْ قالباً عَدِیلھ شَمِعَتُوا
عُنقاً زيْ حَرَاریبْ البُطَانَة فَدَعتُو
بصْبُرْ عَاشقُو كَیفْ مَا دَام جَھَنَمْ تِحتُو

قال طه الضریر تلك الأبیات في تلك الحسناء، وبعد ذلك تم القبض علیھ من قوة كبیرة مدججة بالسلاح من عساكر الإنجلیز، وھو یغني بتلك الأبیات لصدیقه الطیب ود ضحویة، إلا أن الطیب قال له بأنھ یعرفه فارساً لا یشق لھ غبار؛ لذلك استغرب كیف تمكن العساكر من قبضه، فقال الضریر لما عشقت تلك الفتاة كان لھا شاب آخر تركته عندما تعلقت بي، وفي ذلك التوقیت أعلنت الحكومة عن مبلغ (50 (جنیھاً لمن یرشد عن طه الضریر، فقال طھ إن الناس ھناك لا یبلغون عنا؛ لأنھم إما یخشوننا أو یحبوننا؛ لذلك لم یُجدِ مو ضوع الـ(50 (جنیھاً بنفع، وختم سرده قائلاً:
إلا أن عاشق الفتاة الأول الذي اشتعلت في قلبه نیران الغیرة والحقد، قام بالإبلاغ عنھ والإرشاد علیھ، وھو یغط في نوم عمیق.

السوداني

تعليق واحد

  1. البعض يبحث عن مبررات للسلب والنهب بإسم الفروسية والجدعنة
    الله المستعان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..