مقالات وآراء

علاج المصابين

عبدالله مكاوي 
يحمد للاستاذ الحاج وراق اقتراحه لقوي الحرية والتغيير لاستعادة وهجها ، تبني قضية الجرحي والمصابين . وبما ان هذه القضية من الحساسية والاهمية بمكان ، لذا هي تتعدي قوي الحرية والتغيير المشغولة بضغوطات وتسارع وسيولة الاوضاع السياسية ، لتشمل كافة قطاعات الشعب وافراده ، ومن باب اولي ان تتصدي هذه القطاعات والافراد لهذه المسؤولية كفرض عين . خاصة في ظل تعقيدات الاوضاع الاقتصادية في البلاد بصفة عامة ، ولاسر هؤلاء المصابين بصفة خاصة (اضافة لعبء المعيشة تضاف تكاليف العلاج). اما ما يلي الاحزاب وغيرها من المهتمين بقضايا الانتقال والتغيير ، عليهم ان يعملوا علي ان تتضمن مواثيق الانتقال ومخططات التغيير ، بنود واضحة تكفل لاسر الشهداء والمغيبين والمصابين ، امتيازات ايجابية كجزء من حقوق مواطنيتهم ، وليس منحة او منة من احد . وان لا تترك مساحة للحياء او الرفض لهذه الحقوق ، بل تترفع الي قلادة شرف تعادل الكرامة الوطنية او تزيد .
اما بقية افراد المجتمع ومكوناته المدنية فالمساحة امامها مفتوحة ، للاستفادة من وسائل معتادة ، او ابتداع طرق مبتكرة ، للمساهمة في هذه القضية كجزء من مشروع الثورة والتغيير . اي كل من لم يستطع الخروج بنفسه في هذه المواكب في الداخل او بسبب هجرته للخارج، فقد واتتهم فرصة المشاركة الايجابية في الثورة دون مبارحة اماكنهم ، سواء بالمساهمة العينية المادية او اللوجستية (اذا جاز الوصف) لعلاج هؤلاء المصابين في الداخل والخارج . وفي هذا الاطار يمكن الاستفادة من تجربة الجاليات في المهاجر ، وكذلك فكرة القومة للوطن وما احرزته من نجاح منقطع النظير ، ويمكن كذلك توظيف كل من قناة سودان بكرة وراديو دبنقا ، كفضاءات اعلامية داعمة للثورة ، للترويج لهذا المشروع واستقطاب مزيد من الدعومات المادية ، والتعريف بالمصابين ونوعية اصاباتهم ، مما يمهد لكل جهة تقديم ما تستطعه من مساعدة .
وما يهم في مثل هذه المشاريع ، ان تتيح فرصة للمساهمة في الثورة لغير الناشطين والمهووسين بالسياسة ، التي اصبحت ككرة القدم تستقطب كل الجهد والنشاط والاهتمام ، ولكن من دون اي مردود حقيقي علي ارض الواقع يكافئ هذا الهوس . وعليه، اي جهد في هذا الاطار يجب ان يتخلص من عيوب تجربتنا السياسية وامراض العمل الجماعي ، التي رزءنا بها ! وجزء اساس منها عدم الفصل بين الشخصي والعام ، في العمل العام والفعل المؤسسي ! وكذلك بين دور القائد ومهنة القيادة والمهمة المنوطة بالجهة التي يقودها او يرأسها ! يعني هنالك خلط بين المسؤولية العامة والملكية الفردية تسم الشخصية السودانية (اذا صح ان هنالك شخصية هكذا!) بدلالة ان اي مشروع او مبادرة او عمل ناجح ، يرتبط بصاحب او اصحاب هذه العمل ، ومن ثمّ يصبح هو/ هم المعادل الموضوعي للمشروع او العمل نفسه . ولذا مسألة تداول القيادة اصبحت من المحرمات ، لانها مرتبطة من جهة ، بالجهد المبذول والتضحيات المُقدَمة ، ومن جهة وسمها بالنكران والجحود ومس الكرامة الشخصية ، اذا ما طرحت هذه المسألة لمجرد التداول ! اما في المقلب الآخر ، طرح اي مشروع او مبادرة او فكرة غض النظر عن جدواها ، غالبا ما تجد الرفض ممن لم يشارك فيها، او يكون له دور مؤثر فيها ، او يستمتع بجزء من ريعها ، ويشمل ذلك الاحزاب والمؤسسات والجمعيات بما فيها الاهلية وللغرابة حتي الخيرية ! واحتمال هذا ما يفسر كثرة الانشقاقات داخل تلك الكيانات ، قبل ان يضعف استمرارها ويمنع تطورها ، والاهم انه في الاطار العام ، غيَّب التوافق علي مشروع وطني مشترك .
المهم ، هذه اللعنة التي تسم الشخصية السودانية ، تعيق العمل داخل منظومة، وتُضمِّر قابليتها للانقياد ، وتستبطن روح الاستبداد في القيادة . واذا صح ذلك، فهذه الشخصية الملتبسة تحتاج لحفريات تاريخية واجتماعية وثقافية لاستكناه خباياها ، ومعرفة صلة ذلك بكل هذا الخراب المطرد منذ استقلال البلاد . والاسوأ من ذلك حالة التشرذم والاختلاف التي تجتاح الساحة السياسية راهنا ، وهي تواجه اختبار مصيري يتعلق بسلامة البلاد وامان العباد . وغالبا مرد هذا التشتت والتناقض في هذه الشخصية ، يرجع لان البلاد نفسها حصيلة تشكل او اجتماع عدة جهات واعراق وثقافات ، استجابة لضغوط خارجية (استعمارية). وبعد ذهاب هذا المحدد القهري ، حنت هذه التكوينات لجذورها الاصلية ، بعد ان اضاف لها الاستعمار تباينات طبقية ومدنية ريفية . وعجزت هذه التكوينات المتنافرة عن ابتداع توليفة للتعايش داخل دولة موحدة ، بعد غلبة نزعة التسلط من جهة، وممانعة الانضباط والتقيد بروح المدنية ، كطابع للدولة الحديثة ، من جهة.
المهم ، قضية الجرحي اتاحت فرصة للمهتمين بالشأن العام ، لاجتراح بدائل جديدة للعمل ، يمكن ان تستقطب اهتمامات الكثيرين ، ممن لديهم قدرات ادارية ومهارات قيادية ، لم تتح لها الفرصة للظهور ، في ظل سطوة الفاعلين السياسيين والامور السياسية ، واحتكارهما لكافة الاضواء والفضاءات العامة . اي هي فرصة لتفجير الطاقات في قضايا ذات مردود انساني ومجتمعي وثوري ، والاهم انه يوسع دائرة الاهتمام بالشان العام ، خارج نطاق السياسة وصراعاتها العبثية ! او اقلاها يوسع دائرة السياسة لتشمل جهود اخري في مجالات اخري اجدي نفعا واسرع نتائجا واكثر تاثيرا ، مما ينعكس علي سمعة السياسة بصورة جيدة . والحال كذلك ، ينفتح مدرك التغيير علي مجالات واهتمامات واساليب عمل جديدة ، ليس خارج نطاق ذات النخب السياسية ، وانما بطريقة مغايرة لطريقة تعاطيها مع الشان العام ، التي اورثتنا هذا البؤس المقيم .
وليس بعيد عن ذل، تجدر الاشارة للموقف النبيل الذي وقفته مستشفي الجودة الخاصة ، وغيرها من المستشفيات والكوارد الطبية ، وما تقوم به من جهود وطنية وانسانية في ظل مضايقات وتهديدات امنية رهيبة ، كما وثق ذلك احد النشطاء علي قناة الجزيرة مباشر ، وهو ما يتطلب من ناحية الاقتداء بمثل هذه الادوار ، ومن ناحية يجب تقديم كل العون والدعم لهذه المستشفيات والكوادار الطبية العاملة بها ، بل وتخليد اسماء هؤلاء الابطال علي سجل شرفاء الثورة .
واخيرا
كل الامنيات بوقف جريان الدم ومغادرة لغة الرصاص والاصابات والحقد والكره ، والانفتاح علي لغة السلام والحوار ، لبناء وطن ممكون ، لم يجد طوال تاريخه سوي التجارب الفاشلة ، بسبب الصراع علي السلطة . وتقبل الله شهداءنا النبلاء وعاجل الشفاء للجرحي وعودة المفقودين . ودمتم في رعاية الله.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..