التوازن بين المدنيين والعسكريين يؤمّن مصالح واشنطن في السودان

تسعى الولايات المتحدة لإيجاد حلول للأزمة السودانية المعقدة والشائكة، تفاديا لانفراط عقد الأمن والانزلاق نحو الفوضى، في ظل تباعد المواقف بين المكونين المدني والعسكري، واستمرار الاحتجاجات.
وثمة سؤال يتبادر إلى الذهن عما إذا كانت الجهود الأميركية المبذولة على الساحة السياسية السودانية تدعم خيارات الشعب في الحرية والسلام كما هو معلن، أم تبحث عن توازن عسكري مدني في الفترة المقبلة للانتقال؟
وكان وفد أميركي أجرى زيارة إلى السودان في السابع عشر من يناير الماضي، استمرت 3 أيام؛ لبحث الأزمة التي بدأت مع اتخاذ قائد الجيش عبدالفتاح البرهان إجراءات في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، أبرزها فرض حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وهو ما تعتبره قوى سياسية “انقلابا عسكريا”، في مقابل نفي الجيش.
ووقع البرهان وعبدالله حمدوك في الحادي والعشرين من نوفمبر الماضي اتفاقا تضمن عودة الأخير إلى رئاسة الحكومة الانتقالية، وتشكيل حكومة كفاءات، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، قبل أن يستقيل حمدوك في الثاني من يناير، في ظل احتجاجات رافضة لهذا الاتفاق ومطالبة بحكم مدني كامل، راح ضحيتها العشرات.
ويرى مراقبون أن الولايات المتحدة وحلفاءها بالمنطقة يريدون واقعا في السودان “يضمن لهم استمرار مصالحهم”، لذلك سيدعمون الجهود المبذولة حاليا من الأمم المتحدة وأطراف أخرى، لإنهاء الأزمة الراهنة.
ويقول المحلل السياسي أمين إسماعيل مجذوب إن الولايات المتحدة تنظر للسودان باعتباره منطقة حيوية للأمن القومي الأميركي، لذلك تهتم به كموقع جغرافي وموارد طبيعية وقوة بشرية وتوازن للقوة في المنطقة مع القوى العالمية الأخرى.
ويضيف مجذوب أن “الولايات المتحدة لا تهتم بمن يحكم، وإذا وجدت نظاما عسكريا يحقق مطالبها ومصالحها ستدعمه، وإذا وجدت نظاما مدنيا يُحقق مصالحها ستدعمه أيضا”.
ويتابع “أما مسألة الديمقراطية والحكم المدني فهي في حسابات واشنطن عبارة عن جزرات تقدم لبعض الدول وتُمنع من دول أخرى، وهناك شواهد كثيرة في تعامل الأميركي مع أنظمة عسكرية أو مدنية”.
ويتوقع أن “الولايات المتحدة ستدعم توازنا بين المدنيين والعسكريين في المرحلة المقبلة لإكمال الفترة الانتقالية، وعندما تأتي الانتخابات سيكون لها شكل من أشكال السيطرة على من يأتي في المرحلة القادمة”.
وتشهد البلاد حاليا تحركات إقليمية ودولية، وطرح 6 مبادرات دولية وإقليمية ومحلية في مقدمتها المبادرة الأممية برعاية بعثة يونيتامس، إضافة إلى ما طرحته إيغاد والاتحاد الأفريقي وجوبا، ومدراء الجامعات وحزب الأمة القومي لإنهاء الأزمة.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي عبدالله رزق “لا توجد جهود أميركية في الوقت الراهن، وإنما هي جهود أممية، فقد انسحبت واشنطن من مهمة التوسط والتواصل المباشر مع طرفي الأزمة، بمكونيها العسكري والمدني، وتركت المجال للمبعوث الأممي فولكر بيرتس، مكتفية بدعم ما يقوم به من جهود”.
وفي الثامن من يناير الماضي أعلن رئيس بعثة يونيتامس بيرتس إطلاق مشاورات “أولية” لعملية سياسية شاملة بين الأطراف السودانية لحل أزمة البلاد.
ويشير رزق إلى الموقف الذي تبنته واشنطن في بداية الأزمة عندما رفضت “انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر”، ودعت إلى العودة للوثيقة الدستورية وعودة حمدوك لموقعه كرئيس وزراء انتقالي بكامل صلاحياته، ومطالبتها بإطلاق سراح المعتقلين ورفع حالة الطوارئ.
وأضاف “ثم رحبت الولايات المتحدة وحلفاؤها بعودة حمدوك لموقعه الدستوري والإفراج عن المعتقلين من الدستوريين، وقد عدت الاتفاق (الحادي والعشرين من نوفمبر) الذي تمت بموجبه عودة حمدوك لموقعه الرسمي خطوة أولى، لكن لم تتلوها أي خطوة إلى أن غادر حمدوك المشهد الرسمي في الثاني من يناير”.
ويرى رزق أن هذا الأمر “مؤشر أولي على ضعف التأثير الأميركي، عبر تحرك واشنطن، على حالة الأزمة، إذ لم تؤثر التهديدات على موقف العسكر، وفي ذات الوقت بدأ التردد ظاهرا في اتجاه واشنطن نحو فرض أي عقوبات على معرقلي الانتقال الديمقراطي”.
ويشير إلى أن “واشنطن تركت للمبعوث الأممي عقب هذا الاتفاق مهمة إيجاد قواسم مشتركة بين طرفي الصراع في البلاد، وهو اتجاه يتصادم مع تبني كافة قوى الثورة لخط رافض للتفاوض مع المكون العسكري والحوار معه أو إعطائه أي شرعية”.
ويرى المحلل السياسي الجميل الفاضل أن “الولايات المتحدة ربما يفترسها هاجس الخوف من نتائج أي تحولات راديكالية تخرج من رحم الثورات الشعبية لا تعرف هي عواقبها ويصعب عليها السيطرة والتحكم في مآلاتها النهائية من واقع تجربتها مع الثورة الشعبية الإيرانية التي أطاحت بعرش الشاه محمد رضا بهلوي في العام 1979”.
ويقول الفاضل “أتصور الآن أن واشنطن تسعى بشتى الحيل للبحث عن مفتاح يغلق جريان وتدفق سيول الشارع الثوري السوداني توطئة لإنتاج معادلة جديدة من شأنها أن تمتص حالة الغضب والفوران الشعبي”.
ويعتقد أن “الولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة يريدون معادلة تضمن لهم استمرار مصالحهم في السودان، وتُنهي حالة الضغوط الداخلية التي تواجه إدارة الرئيس جو بايدن من قبل الكونغرس الأميركي”.
ويتابع “المهم فإن نوع الحلول التي تهيئ لها واشنطن الآن من خلال مبادرة الأمم المتحدة أو باتصالاتها المباشرة مع لجان المقاومة وأسر الشهداء والأحزاب وتجمع المهنيين كلها تندرج في سياق البحث عن مفتاح للأزمة على مقاس هذه المصالح”.
العرب
التوازن مع من، مع حنفة من الجنرالات الخونة المنتفعين من ريع المؤسسات الصناعية والتجارية المملوكة للجيش والتي تساوي 82% من الاقتصاد السوادني، شيد جنرالات السجم لانفسهم منها العمارات وشركات المضاربات وبين جموع الشعب السوداني، المعركة حسمها في السودان وليس امريكا يا محلل.