مقالات سياسية

لماذا تتخفى النخب السودانية تحت لافتات تخفي جهودهم الفكرية ..

طاهر عمر

من المفارقات العجيبة في السودان أن الشعب السوداني متقدم على نخبه بما لا يقاس وقد إتضحت له الرؤيا وقد نضج له الهدف فيما يتعلق بالتحول الاجتماعي والتحول الديمقراطي إلا أنه قد عجز أن يفرز شخصية تاريخية لها القدرة على إستشراف المستقبل وكيفية الولوج الى عوالمه في ظل ظروف يمر بها العالم بأكمله حيث تتمظهر في أزمة تحتاج لنخب تستطيع أن تشق عباب الإختناقات السياسية والأزمات الاقتصادية.
على سبيل المثال منذ الساعة الأولى لإنقلاب البرهان الفاشل قد إتضح بأن الشعب السوداني في مقاومته الباسلة للانقلاب مستعد أن يقدم آلاف الشهداء و يتذوق طعم العرق والدم والدموع من أجل أن ينتصر للحياة وللشعب السوداني قدرة هائلة لمجابهة الحياة بالحياة وحتما سينتصر لأن الشباب السوداني قد أثبتوا بأنهم أبناء الحياة كما يقول جبران ولم يتبخروا ويندثروا لأنهم قد عانقهم شوق الحياة كما يقول أبو القاسم الشابي .
بالمناسبة في ظل تقدم الشعب السوداني على نخبه تظهر لك العلاقة العكسية ما بين النخب السودانية والشعب السوداني الذي أدرك بأن كساد النخب السودانية لم يستوعب حتى اللحظة بأن الشعب قد أدرك بأنه هو مصدر السلطة والقادر على فعل التغيير وليس كما كان يعتقد بأن النخب والمفكريين والمثقفين من يقوم بالتغيير وهذه المعادلة المختلة هي التي جعلت النخب السودانية كاسدة ويتجلى كسادها في عقل الحيرة والاستحالة وعدم قدرتها حتى على فهم تحول المفاهيم فيما يتعلق بالظواهر الاجتماعية وكيفية ترجمتها كقيم يصبو لتحقيقها المجتمع فيما يتعلق بمفهوم السلطة ومفهوم الدولة كمفهوم حديث ولا يمكن تحقيقه بأحزاب مهلهلة كحال الأحزاب السودانية وهي غارقة في وحل الفكر الديني ويسار رث متكلس في أيديولوجية متحجرة.
إذا فهمت النخبة الفاشلة بأن من يقوم بالتغيير هو الشعب وليس النخب والمثقفين والمفكريين والقادة لما تأخر حمدوك لحظة في تفكيك التمكين وإبعاد أتباع الحركة الاسلامية السودانية من مفاصل الدولة و لم يتأخر لحظة في مواجهة حاضنته الفاشلة بأن ما يقومون به من محاصصة تحجب ملامح الدولة وأن تهافتهم على المناصب يدل هلى أنهم لم يدركوا بعد بأن ما تركته الأنقاذ الثمرة المرة للحركة الاسلامية السودانية من ركام يجب أن يزال وعلى أساس عميق ينبغي التأسيس للدولة التي تسيطر على المال العام عبر وزارة الاقتصاد وبنكها المركزي الذي يضمن عبره إنجاح سياسته المالية وسياساته النقدية ويوضح لهم بأن مفهوم الدولة كمفهوم حديث ليس له أي أثر في سجلات أحزاب سودانية كانت تقوم على ايمانها ولجؤها الى الغيب كما رأينا أحزاب الطائفية والسلفيين وأتباع الحركة الاسلامية السودانية أو نخب قد أصبحت أسيرة أيديولوجية متحجرة كما رأينا نسخة الشيوعية السودانية وهي حتى اللحظة وفي كل نشاط لها يتضح لك بأنه ما زالت في وهمها القديم الذي يجعل ايمانها راسخ في مقاومة ورفض فكرة الدولة من الأساس .
لذلك ما زال الحزب الشيوعي السوداني وفي مقاومته لفكرة الدولة وعدم ايمانه بها من الأساس لا يضيع أي فرصة تساعده في تحطيم إستقرار المجتمع على فكرة الدولة ورأينا كيف كانت خططتهم وقد تطابقت أهدافهم مع أهداف الفلول لإسقاط حكومة حمدوك وقد حقق لهم إنقلاب البرهان بغيتهم وبالمناسبة خروج أتباع الحزب الشيوعي السوداني من التاريخ وتكلسهم يجعلهم في مستوى واحد مع الكيزان في عرقلة ترسيخ فكرة تحول المفاهيم الذي يفتح الباب لفهم فكرة النشؤ والإرتقاء و قد أنفتحت الآن على فكرة الدولة الحقوق وفكرة الحق في الحقوق مفارقة لفكرة الدولة الإرادة الالهية والدولة الامة ولكن نسخة الشيوعية السودانية لا تضيع أي فرصة في تحطيم فكرة الدولة ولا تريد لها أساس كما كان الاتحاد السوفيتي يستخدم قوة الدولة كلها ويحطم بها المجتمع الى أن وجد نفسه والشيوعية نفسها أمام الرياح هباء .
لذلك نجد أن الشيوعية تزدري علماء الاجتماع الذين قد توصلوا الى أن الماركسية لاهوتية وغائية ودينية وأن فكرة إضطراد التاريخ والعقل لا يفتح إلا على نظم شمولية بغيضة كما رأينا الاتحاد السوفيتي ولا حل بغير إفتراض بأن الفرد أخلاقي وعقلاني وله معادلاته السلوكية التي تناسبها فكرة الناخب الرشيد والمنتخب الرشيد أي الفكر الليبرالي ولكن مع سيطرة أفكار أتباع اليسار الرث المتمثل في أتباع النسخة السودانية من الشيوعية وأصدقاءهم نجد أن أدبيات الفكر الليبرالي في الساحة السودانية نادر كندرة الكبريت الأحمر والمضحك الكل يتحدث عن الديمقراطية ولا يتحدث عن أدبيات الفكر الليبرالي وكيف إنتصر توكفيل على ماركس كما أنتصر ريموند أرون على سارتر وأغلب النخب السودانية ما زالت غير قادرة على إستيعاب فكرة أن تحقيق العدالة أضمن وأقرب خط وأقصر خط لها هو فكر الليبرالية الحديثة الغائب من رفوف المكتبة السودانية.
بالمناسبة غياب الفكر الليبرالي الذي يرسم ملامح الدولة الحديثة التي تقود التحول الاجتماعي والتحول الديمقراطي هو ما جعل حمدوك يفشل في ترسيخ فكرة ملامح الدولة الحديثة لأنه كموظف له خبرة في المنظمات الدولية له دور مهم في إرجاع السودان الى حضن المجتمع الدولي أما فشله في ترسيخ فكرة الدولة وإبداء ملامحها لأنه يفتقر الى الإلمام بفلسفة التاريخ الحديثة وإلا لم إرتضاء أن تكون حاضنته غير قادرة على إدراك مفهوم الدولة الحديثة و كانت غير قادرة على تفكيك التمكين وإزالة أتباع الحركة الاسلامية السودانية من مفاصل الدولة والكل يعلم بأن غير إبعاد أتباع الحركة الاسلامية من مفاصل الدولة لا يمكن تحقيق تحول ديمقراطي ولا يمكن ترسيخ فكرة مفهوم الدولة التي تقود التحول الاجتماعي .
لأن الكيزان أنفسهم مثل الشيوعيين السودانيين أي أنهم يلتقون مع الشيوعيين السودانيين في محاربتهم لفكرة الدولة من الأساس مثل إلتقاهم في ايمانهم بالمطلق وتقديم حلول نهاية كذلك نجد الشيوعيين يؤمنون بمطلق يؤدي الى إنحباسهم في فكرة انتهاء الصراع الطبقي وإنتهاء التاريخ وهيهات ولهذا السبب كان الشيوعيون السودانيين أيام حكومة حمدوك لا يستحون من رفع لافتة إسقاط الحكومة والهدف هو عرقلة ترسيخ فكرة الدولة لأنهم لا يؤمنون بفكرة الدولة من الأساس وهذا هو سر تعطيل الشيوعيين لأي تجمع يحاول أن يقدم فكرة يمكن أن تعجل باسقاط إنقلاب البرهان لأنهم يعتقدون بأن الفوضى ستجعل الأمور في النهاية سائقة لأيلولة السلطة الى حيزهم حيث لا تعني السلطة غير مفهوم التسلط في مفهومهم نتاج النظم الشمولية.
وحتى اللحظة ومنذ الساعات الأولى لإنقلاب البرهان والشعب يقاوم ويقدم شهداءه ويتذوق في كل لحظة طعم الدم والعرق والدموع وما زالت النخب غير قادرة على إفراز شخصية تاريخية تستطيع العبور بالشعب السوداني الى مشارف مفهوم الدولة الحديثة مفسر ومفصل لمفهوم السلطة وفقا لظاهرة المجتمع البشري ولا حل لها غير طريق الفكر الليبرالي في معادلة الحرية والعدالة المتطابقة مع شعار ثورة ديسمبر المجيدة حرية سلام وعدالة وهنا يتضح لك مسألة تقدم الشعب على نخبه الفاشلة نخب لم تستطع أن تقدم مفكر منفرد بل تتخفى في لافتات حتى تغطي على عيوبها مثل التخفي تحت لافتة أستاذة جامعة الخرطوم أو تحت لافتة حزب الأمة ومبادرته أو لافتة الحزب الشيوعي الذي يستتوب الأحزاب كما كان الامام الصادق المهدي يطلب التوبة ممن خرج من تحت عباءته ويريد أن يعود .
على الشعب السوداني أن ينتبه هذه المرة وهو مقبل على إسقاط إنقلاب البرهان يجب أن ينتبه الشعب السوداني الى حيل النخب الفاشلة وتخفيهم تحت اللافتات الخادعة وحتى يخفون عجزهم الفكري الموروث من أيام مؤتمر الخريجين سوف يأتوكم بلافتة الحزب الشيوعي لكي يخفون عجزهم الفكري كأفراد غير متصالحين مع الليبرالية الحديثة أو تحت لافتة أساتذة جامعة الخرطوم حتى يوهموك بأن تحت القبة فكي أو مبادرة حزب الامة وغيرها من أحزاب اللجؤ الى الغيب أحذروا الانبياء الكذبة أحذروا الكتبة والفريسيين حفظة الشريعة قساة القلوب وأطلبوا الفكر من كل يأتي الى ثورتكم فكر واضح منتصر للفرد والعقل والحرية فكر منتصر للديمقراطية الليبرالية بلا لجلجة وقد جربناهم ورأينا تدني مستوى فكرهم في عهد حمدوك .
فكر يبعد أتباع أحزاب الطائفية وأتباع الحركة الاسلامية السودانية والسلفيين والشيوعيين بنسختهم المتحجرة و غير ذلك سوف تعيدون صراع النخب الفاشلة في صراعها على الغنائم وصراعها الفكري البائس كما كان يفعل مستشاري حمدوك ووزير إعلامه الذي كان ضد فكرة إزالة أتباع الحركة الاسلامية من مفاصل الدولة الى أن لحظة تخطيطهم الى إنقلاب البرهان الفاشل وكانت حجتهم أي حمدوك ووزير إعلامه بأنه لم ياتوا للانتقام .
من مثل وزير اعلام حمدوك كيف تنظر فكر يفتح على تحول ديمقراطي لهذا السبب إحذروا تخفيهم تحت اللافتات الكاذبة وزير إعلام حمدوك جاء الى ساحة الفكر تحت لافتة أن الصحفيين مفكريين وهذا أمر مضحك وخاصة لصحفي جاء للصحافة من إتجاه الصحافة وليس من إتجاه الفلسفة والعلوم الانسانية . لهذا السبب تجد غياب مفكر سوداني يكون مثلا فيلسوف ومؤرخ واقتصادي وعالم اجتماع كما نجد في الشعوب الحية وعلى سبيل المثال ريموند أرون في فرنسا وقد انتصر على سارتر . لذلك نقول لكم أيها الشعب السوداني طالبوا النخب الفاشلة أن يرتفعوا من مستوى وعيهم المتدني الى مستوى فكر يلبي طموح الشعب في مسيرته باتجاه الحرية والسلام والعدالة.
بالمناسبة تأخر تنظيم صفوف النخب دليل قاطع على تدني مستوى وعيهم وها هو الشعب السوداني و منذ الساعة الأولى لإنقلاب البرهان الفاشل يقاوم والنخب غير قادرة على تنظيم نفسها وطرح فكر يقدم من بينهم من يلعب دور الشخصية التاريخية وهذا دليل على أن النخب ما زالت في ضلالها القديم وعلى الشعب ان لا يسمح للمغامرين والمحاصصين بأن يعيدوا علينا لحنهم القديم قد فشلنا وقد هيمنت علينا الدائرة الشريرة كما يحلو للنخب الفاشلة تكرار ذلك على مسامعينا وأكثر جهد فكري يمكن ان ينجحوا فيه عندما يعلن أحدهم في إنقلاااب كما صاح الحاج وراق صبيحة الانقلاب وهذا يعتبره نجاح كبير أنه إكتشف ان هناك إنقلاب أو كما صاح ياسر عرمان هناك إنقلاب زاحف وهذا غاية فكرهم الذي لا يقدم فكر منفتح على ديمقراطية ليبرالية ناجحة لأنها راسخة على أساس فلسفة التاريخ الحديثة.

‫2 تعليقات

  1. اتفق مع كاتب المقال في أفكاره اللبرالية وفيما يلي ردي على من قال إن الأحزاب شر لابد منه للديمقراطية:
    أهو دا الكلام الخايب البخلي الأحزاب تتحاصص وتحكم وتدي سبب لأي شاويش بليد عشان يقلبها وبتحريش ومؤامرة واشتراك من بعضهم زي ما كان بحصل من أول انقلاب – عبود وحتى آخر واحد بتاع الأنجاس الاسلامويين دا غير خالص تآمر مزدوج ذو ثلاتة أطراف – المعارضة والحزب الحاكم وبعض العسكر المؤدلجين والبازنجر أمثال الدارفوريين والنوبة والجنوبيين الذين استخدموهم تموا بيهم الانقلاب! وهسة انت يا أخ طالما قلت (بأن الأحزاب السودانيه هي أسوأ الأحزاب في العالم) تاني عاوز بيها شنو ما تحلها وتحظرها من العمل السياسي الحزبي خليها تبفى منظمات مجتمع مدني صرفة ولا حتى ناشطة حقوق مدنية وبيئة ورفق بالحيوان وفضل ظهر أو جمعيات وشركات زراعية وصناعات غذائية وتعليب فواكه الخ! منو الخايب البصدق مقولة لا ديمفراطية بلا أحزاب دي؟ دي من اختراع الأحزاب الكبيرة التي تعتبر نفسها تملك الأغلبية دائماً وأن الديمقراطية المباشرة بتاعة المستقلين سوف تحرمها من الحكم والاستفادة من أغلبيتها المزعومة! منو قال الديموقراطية غير ممكنة بدون أحزاب؟؟ هي الديمقراطية معناها شنو غير المساواة في حق المشاركة وممارسة الحريات العامة والسياسية للمواطنين؟ فإذا كفلت هذا الحق لكل مواطن ليختار ممثله في البرلمان فلماذا تقيد اختيار الناخب بأن يختار بواسطة حزب ؟ وتمنع بذلك كل من لا ينتمي لحزب حقه في اختيار ممثله؟ أما التداول فيتم بين ممثلين جدد للشعب كل دورة انتخابات من أربع أو ثلاث سنوات. وبمعنى آخر تظل السلطة دائماً في يد الشعب وحده ولن يكون هناك احتمال بأن ترهن بعض الأحزاب ذات التوجهات المذهبسية و الشعوبية والأحلاف الأجنبية أن تجر البلاد إلى ما لا يفيد مصالحها الحقيقية!

  2. توكفيل…ماركس…ريموند أرون… سارتر
    الخ…
     
    الطاهر (ممن يظن أن اجترار أسماء المفكرين في كتاباته تغنيه هو نفسه عن التفكير) عمر

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..