بشير عباس ” الحنبور” الذي ملأ حياتنا طرب وسرور (2) حجبوك عن عيني ليه يا ترى؟

امير شاهين
بشير عباس ” الحنبور” الذي ملأ حياتنا طرب وسرور (2)
حجبوك عن عيني ليه يا ترى؟
بقلم: امير شاهين
ارتبط اسم الموسيقار الراحل بشير عباس او “الحنبور” وهو اسم الدلع الذى كان يطلقه عليه تحببا اصدقاؤه والمقربين منه تحببا في حلفاية الملوك لدى الناس ارتبط بالبلابل وهذا يعود بالطبع الى تلك الثنائية الناجحة التي جمعت بينهما في السبعينيات واثمرت الكثير من الأغاني الناجحة التي قام بشير عباس بتلحينها والجمهور بترديدها وعلى سبيل المثال لا الحصر , لون المنقة , مشينا مشينا , عشه صغيرة , البنريدو تايه , رجعنالك , حبايبنا , البيسأل ما بتوه , نسيتني انا وخلاص يعني , على نياتنا , نجوم الليل , سكة مدرستنا , رياح الشوق, سلافة الفن , آب عاج أخوي , متعالي علينا ولكن في اعتقادي فان هذا الحصر فيه كثير من الظلم للرجل الذي ملا الدنيا موسيقى ونال العديد من الجوائز العالمية لأعماله الموسيقية , فبشير عليه الرحمة كان لديه اهتمام خاص بتأليف المقطوعات الموسيقية Instrumental وهى الموسيقى الصافية الخالية من الكلمات وهذا النمط وبالرغم من انتشاره وشعبيته في العالم الغربي منذ عصر السيمفونيات الا انه لا يجد الكثير من الرواج في المنطقة العربية والافريقية , وان كان الموسيقيين في العالم العربى وخصوصا في مصر مثل محمد عبدالوهاب والسنباطي والموجي وبليغ حمدي قد استعاضوا عنها بالمقدمات الموسيقية الطويلة في اغانى ام كلثوم وعبدالحليم حافظ وغيرهم وهذه المقدمات في اغانى “الاطلال” و “هذه ليلتى” و ” امل حياتى” و ” رسالة من تحت الماء” و ” قارئة الفنجان” يمكن اعتباها مقطوعات موسيقية كاملة الدسم وفى نفس المنوال نجد عندنا ان العملاق الراحل محمد وردى قد قام بعمل المقدمات الموسيقية الطويلة التي تصلح ان تكون مقطوعات موسيقية مثل ” الود” و قلت ارحل” و ” أسفاي” و ” الحزن القديم” و ” بناديها ” و ” جميلة ومستحيلة” وبدون شك فان هذا النوع من التأليف الموسيقى يحتاج الى موهبة كبيرة لا تتوافر الا لدى قلة قليلة من الناس وقد كان بشير عباس من هذه القلة التي انعم الله بها عليه والمدهش في الامر بان بشير عباس لم يتلقى اية دراسة موسيقية اكاديمية أي انه من هذه الناحية كان ” اميا” تماما كما ذكر في احد اللقاءات حتى انه كان يحرص على وجود جهاز تسجيل (ديكوردر) معه طول الوقت حتى يقوم بتسجيل الأفكار والخواطر الموسيقية التي تهبط على راسه فجأة والتي يمكن ان ينساها وتضيع منه الى الابد وحالة بشير عباس هذه تؤكد بدون شك بان الموهبة هي الأساس للابداع والدراسة هي مكمل لها ومن الممكن الابداع بدون الدراسة والعكس ليس صحيح ! وبشير الذي أثري المكتبة السودانية بالكثير من المؤلفات الموسيقية الرائعة على سبيل المثال لا الحصر : “نهر الجور ، ” ليالي مدني” “القاش” ” أمسيات ” “آسيا ” أيام في أنزارا “ “ مريدي “, “شروق” ” ليالي عطبرة ” ” أمي “, “أفراح السودان” “بامبو سنار” الحان (حجبوك من عينى) ,” القمر في كنانة ” ” العودة إلى الوطن” كان يجد نفسه اكثر في هذا الضرب من الموسيقى فيقول بانه يحب ويفضل التأليف الموسيقي أكثر من التلحين ، إذ أنه يعتمد على الخيال والمشاعر ، وهو عادة يستغرق وقتا أطول ربما يستمر شهورا ، بينما التلحين يكون لنص شعري جاهز بخيالات شاعره، ويمكن أن يكتمل لحنه في يوم واحد ، ويضرب مثلا بتلحين أغنية موجة للشاعر سيف الدين الدسوقي والتي تغنت بها «البلابل» ويعتبرها البعض من أجمل الحاني ، بينما مقطوعة «القمر في كنانة» استغرقت منى شهورا عدة .
وعلى خلاف بقية الملحنين الذين يلحنون الأغاني بالطريقة التقليدية الذين يحولون النص الشعرى الى موسيقى فان بشير عباس كان على العكس فقد كانت الأفكار الموسيقية تهبط على راسه ومن ثم يبحث لها عن الكلمات المناسبة ! مثل اغنية ” طائر الهوى” التي اهداها الى الكابلي و “مشينا مشينا” التي تغنت بها البلابل , ويذكر ان العديد من الأغاني السودانية قد تم تلحينها بهذه الطريقة (اللحن والموسيقى سابقة للكلمات) حيث يطلب من الشاعر تركيب او تأليف كلمات لتتماشى مع اللحن مثل ” ناس لالا ” لعثمان حسين و ” الحنينة السكرة” لوردي و ” لا لا” لصلاح مصطفى , اما مقطوعة او اغنية ” الحان” (حجبوك من عيني ليه يا ترى) وهى من اشهر اعماله الموسيقية وقد قام بتسميتها على اسم كبرى كريماته ” الحان بشير عباس” فهي لديها قصة طريفة جدا فهي قد جمعت بينه وبين العملاق وردى ونستطيع ان نقول انها من كلمات وردى والحان بشير عباس ! فيقول عنها بشير عباس بانه قام بعزف المقطوعة لوردي الذي أعجب جدا باللحن واقترح على بشير ادخال بعض الكلمات لامساك الموسيقى وهو مصطلح كان يردده الموسيقيين حتى لا يضيع اللحن وعندها قام وردى بإدخال الكلمات :
ليه ، يا ترى حجبوك من عيني.. ليه ، يا ترى حرموك من حبي ليه ، ليه ، ليه ، تنسى حبي والا أيه ، ليه ، ليه ، يا ترى؟ ويذكر بان هنالك علاقة طيبة قر ربطت بين بشير عباس ووردى الذى كان يلجا لبشير عباس من اجل قيادة الأوركسترا وتحفيظ العازفين الموسيقى والخط اللحني الذى يريده الملحن في بروفات الأغاني الجديدة وهى وظيفة غاية الأهمية وتتطلب من يؤديها مهارات كبيرة ويطلق عليها في الولايات المتحدة اسم ” موسيقار الجلسة او Session Musician , ومن اهم أغاني وردى التي اشرف عليها بشير عباس هي ” قلت ارحل” والتي يعتبرها الدكتور انس العاقب كبير النقاد الموسيقيين السودانيين بانها اغنية الأغاني وتحفة التحف ومن اهم المحطات فى فى تاريخ الموسيقى السودانية .
ونواصل
سمعناها : حمبور ، وليست : حنبور .
الكلمه جزء من كلام بشير عباس رحمه الله .
وحروفها هكذا : حاء ، ميم ، باء ، واو ، راء .
وتنطق : حمبور