
تمتلك القوى المضادة للثورة بشكل عام من القدرات المؤسساتية أضعاف ما تمتلكه الثورة ، بالاضافة الى المال وكان لها اليد العليا . وللاسف لم تتمكن حكومة الثورة من الاستيلاء على هذه المؤسسات أو تحييدها أو تدميرها لاسباب العراقيل التي كانت تضعها القوى المضادة للثورة فكان عليها إنشاء مؤسسات موازية قوية. وهذا لم يحدث . ومن المؤسسات التي وظفتها الثورة المضادة لصالحها هي : القوى الأمنية والإعلام والقضاء ، شبكات رجال الأعمال الكبار . أجهزة الدولة القوية الأخرى مثل الصحة والتعليم.
ولكن الجانب المؤسساتي وحده لا يكفي لانتصار الثورة المضادة ، لأن هذه المؤسسات كانت موجودة ، ولم تمنع الثورة من الولادة .
القوى المضادة لكي تنتصر تحتاج إلى القضاء على روح الثورة ونفسية الإنسان الذي أنتج الثورة وكانت أهم مكونات هذه الروح الثقة بالنفس وبالمجتمع وبالشرعية الثورية وتستشعر الثورة المضادة خطراً دائماً ، يهددها وجوديا من هذه الروح ولا بد من استهدافها وذبحها اين ما وجدت واهمها لجنة ازالة تمكين النظام السابق وان اختلفت معها في الخطة لكن يجب عليك ان تتفق معها في المبدأ فهي كانت العدو الاول ليس للمؤتمر وطني وحده بل لكل الفاسدين ومدمري الاقتصاد فاتحدوا جميعا لهزيمتها.
نجحت القوى المضادة للثورة عندما نسى الإنسان الثوري العادي ما فعل وركّز على إنجازات القائد ، وكانت من أهم الأدوات الفكرية للثورة المضادة أن من يُحقق آمال الشعب هو قائد مُلْهم وقوي وحكيم والذي بوجوده ينتهي دور الشعب وكذلك دور الإنسان الثوري فهزموا هذا القائد واذلوه بالاعتقال .
أن الثورة قامت على أساس إجماع شعبي ولم تقدر بطبيعتها أن تحافظ على هذا الإجماع في مجتمع متغاير ومتعدد المنابر وهذا شي صحي ولم يفهم انسان الشارع البسيط هذه طبيعة الاحزاب السياسية في كل الدنيا تختلف وتتفق وتتوافق والجيش هو من يحرس هذه الاحزاب حتى تتفق وليس من واجبه التدخل لحسم الخلاف. وإن مفهوم وحدة الشعب والوحدة الدائمة لا تهدف إليها في النهاية إلا الأنظمة الفاشية الشمولية ، وهي ضد طبيعة الحياة واستغلته الثورة المضادة في تشتيت الاهداف . وغرست في ذهن الشارع الثوري ان هذا الاختلاف ماهو الا فشل الاحزاب السياسية .
وللامانة احتقر بعض الثوريين الشعب وبرزت مقولة (جهل الشعب) ومن يعتبر نفسة ثورياً أو مُتعلماً أو مُثقّفاً وظن أن الشعب لا يتصرّف بالشكل المطلوب بعد المراحل الأولى للثورة وتلقفته الثورة المضادة. وهنا يلتقي بعض الثوار والثورة المضادة رغم اختلاف الأهداف والثورة المضادة لا ترى غضاضة في اتفاق الآراء بينها وبين بعض من كانوا ثوار لأنها تعرف أن الثورة لن تقوم لها قائمة إذا تمّ تجرّيدها من أهم أسلحتها وهو هذا الانسان الثوري .
نجحت القوى المضادة للثورة عندما رأى الثوري ما لا يراه العامة، ويفرض عليهم رؤية ما يراه وعندما لا يتّبعه العامة يرى جهل الشعب وهنا قد يرى هذا الثوري بعض الخير في الثورة المضادة لأنها استطاعت ان تقول ما لم يستطع هو قوله علانية . وينسى هذا الإنسان (الثوري) أن هذا الشعب الأمّي الجاهل هو من قام بالثورة ولم يكن للثورة قيامة بدونه .
واخيرا والأهم غياب مفهوم الشرعية الثورية في الأيام الأولى للثورة كتعبير عن إرادة شعبية موحّدة لأسقاط النظام هو مفهوم مؤقت ينتهي بانتهاء الحالة الثورية أو الفترة الانتقالية بما فيها أي قانون يعترض طريق الثورة . لكن هذا المفهوم فقد دخل إلى حيّز النسيان بعد المراحل الاولى للثورة وتم استبداله بالآليات القانونيّة المعتادة ،. ليس هناك ثورة في التاريخ تطيع الدستور. الثورات تكون دائماً وأبداً غير دستورية ومخالفة للقانون ,الثورة تستمد شرعيتها من نفسها وليس من أي قانون وضعي . الثورة هي حالة فوق دستورية ولا تخضع لأحكام القضاء . غياب هذه المفهومية هو من اهم الاسباب التي ادت إلى استقواء القوى المضادة للثورة .
